آخر الأخبار

أفول الهيمنة الأميركية.. صعود الصين والمأزق في الشرق العربي والإسلامي

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

أصبحت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين السمة الأبرز في الجغرافيا السياسية للقرن 21. فبينما تتآكل الهيمنة الأميركية العالمية بعد 3 عقود من التفرد والأحادية الأميركية للهيمنة العالمية، يشير صعود الصين المتواصل كقوة اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية ناعمة؛ إلى تحول زلزالي في النظام العالمي.

في الوقت ذاته، تواصل الولايات المتحدة التورط في صراعات إقليمية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث لم تعد تحقق مكاسب استراتيجية لإمبراطوريتها، بل تعمق الانطباع العالمي بتراجعها.

وهذا يتجلى بوضوح في الدعم الأميركي المطلق للكيان الصهيوني، لا سيما طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي قد يشكل نقطة تحول في نظرة الرأي العام العالمي لشرعية لهيمنة الأميركية والمشروع الصهيوني .

مصدر الصورة خريطة الصين (الجزيرة)

الصبر الاستراتيجي وصعود الصين

منذ نهاية الحرب الباردة ، اتبعت الصين استراتيجية طويلة الأمد تُعرف باسم "الصبر الاستراتيجي"، وهي مقاربة متعددة الأبعاد تركز على النمو الاقتصادي، وتحديث القدرات العسكرية، والانخراط العالمي المتعدد الأطراف. ويُعد مشروع "الحزام والطريق" أبرز معالم هذه الاستراتيجية، إذ يهدف إلى نسج شبكة من البنى التحتية والتجارة والاستثمارات عبر أوراسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

وبهذا المشروع تمكنت الصين من تأمين الموارد الحيوية والتأثير على طرق التجارة العالمية، كما سمح لها بتصدير نموذجها التنموي، متجاوزةً المؤسسات الدولية التقليدية التي تهيمن عليها القوى الغربية.

لقد كان النمو الاقتصادي الصيني في العقود الثلاثة الماضية مذهلاً. ففي عام 1992، لم يتجاوز الناتج المحلي الصيني 6% من نظيره الأميركي (367 مليار دولار مقابل 6.52 تريليونات). أما اليوم، فقد تجاوزت هذه النسبة 65% (20 تريليون دولار مقابل 30 تريليونا). وقد موّل هذا النمو الهائل برنامجاً لا يقل تأثيرا في تحديث القدرات العسكرية.

إعلان

فعلى الرغم من أن الصين لم تتجاوز الولايات المتحدة بعدُ كأقوى قوة عسكرية عالمياً، فإنها بدأت تفرض نفوذها الإقليمي المتزايد، لا سيما في بحريْ الصين الجنوبي والشرقي. ومن خلال تركيز عقيدتها العسكرية على تراكم قدرات منع الوصول أو الحرمان من المنطقة للقوى الخارجية الأجنبية، أو ما تسمى سياسة "Anti-Access/Area Denial" (A2/AD)، تسعى الصين إلى منع أو الحد من التدخل الأميركي قرب حدودها، كخطوة أساسية نحو الهيمنة الإقليمية في شرق آسيا.

وفي الوقت ذاته، أسهمت الصين بفاعلية في إنشاء مؤسسات دولية بديلة تتحدى الهيمنة الغربية، مثل مجموعة البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والأنظمة المالية الجديدة كمصرف التنمية الجديد، مما يدل على سعيها نحو بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب يشكك في سيطرة النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة.

الاستراتيجية الكبرى لواشنطن.. الهيمنة العالمية والسيطرة الإقليمية

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، ظهرت الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم، وهي لحظة تفرّد أرادت بقاءها واستمرارها. ومنذ عام 1991، تمحورت الاستراتيجية الأميركية حول منع صعود أي قوى منافسة، خصوصاً في أهم المناطق الجيوسياسية في شرق آسيا، وأوروبا، ومنطقة الخليج العربي/الشرق الأوسط.

ولقد كان جوهر هذا المنطق أنه إذا لم تستطع أي قوة إقليمية أو كبرى أن تهيمن في منطقتها، فلن تتمكن من تحدي التفوق أو الهيمنة الأميركية على الصعيد العالمي.

ولتطبيق هذه الاستراتيجية، اعتمدت الولايات المتحدة في منطقتي أوروبا وشرق آسيا سياستين لإضعاف خصومها المحتملين، غير أنهما فشلتا في النهاية.

الأولى في أوروبا، وتتمثل في توسعة حلف الناتو شرقاً من 16 عضواً في العام 1991 إلى 32 عضواً اليوم، في محاولة لاحتواء أو استمالة روسيا أو تغيير نظامها السياسي. وقد شملت هذه السياسة إدخال دول أوروبية كانت تحت النفوذ السوفياتي قبل انهياره، من خلال دعم وتحريك الحركات المؤيدة للغرب في هذه المجتمعات، كالثورات الملونة.

إلا أن هذه السياسة أثارت ردة فعل عنيفة من الجانب الروسي، حيث اعتبرت موسكو توسع الناتو تهديداً وجودياً لها، ما دفعها إلى إعادة فرض نفسها. ولقد تُوج ذلك بالحرب على أوكرانيا عام 2022، وهو صراع يميل الآن لصالح موسكو رغم الدعم الغربي الهائل لكييف عسكريا واقتصاديا وسياسيا.

أما في شرق آسيا، فقد انتهجت الولايات المتحدة سياسة الانخراط والتواصل مع الصين، على افتراض أن الازدهار الاقتصادي الصيني سيؤدي حتماً في نهاية الأمر إلى "لَبرلة" (من الليبرالية) النظام السياسي الصيني، أي تحريره وربطه بالنظام العالمي الرأسمالي الذي تقوده أميركا. ولذلك تم إدخال الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، لتصبح مركزاً للاستثمار الأميركي والعالمي.

لكن الصين لم تتحول إلى ديمقراطية ليبرالية، بل احتفظت بنظامها السلطوي المركزي بينما راكمت قوة اقتصادية وتقنية هائلة، وهذا بدوره سمح بزيادة إنفاقها العسكري وتأكيد قوتها الإقليمية، وهو ما كانت واشنطن تأمل أن تتفاداه.

الشرق الأوسط.. السيطرة على الموارد والتوسع الإمبراطوري

المنطقة الاستراتيجية الثالثة للهيمنة الأميركية كانت تكمن في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط الأوسع. فلطالما كانت السيطرة على هذه المنطقة الغنية بالنفط محوراً أساسياً في التخطيط الاستراتيجي الأميركي وضمن مصالحها الحيوية العليا، ليس فقط لأسباب تتعلق بالسيطرة على مصادر الطاقة من خلال خلق التحالفات ومناطق النفوذ، بل أيضاً لضمان استمرار هيمنة الدولار الأميركي.

إعلان

فمنذ فك ارتباط الدولار بالذهب عام 1971، أصبحت مكانته كعملة احتياطية عالمية تعتمد على إعادة تدوير البترودولار. وقد كانت ضمانات بيع النفط بالدولار مع الدول الكبرى المصدرة للنفط، والحفاظ على ولاء الأنظمة الإقليمية وحمايتها تحت المظلة الأميركية، أموراً جوهرية في تحقيق هذه الهيمنة.

بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، اتجهت السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة نحو طموحات كبيرة من خلال سياسة إعادة هندسة المجتمعات. فقد غزت الولايات المتحدة أفغانستان والعراق تحت شعارات "الديمقراطية"، و"تغيير الأنظمة"، و"تحقيق الأمن العالمي والاستقرار الإقليمي".

وكشف الجنرال ويسلي كلارك في مقابلة عام 2003، أن البنتاغون بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول وضع خطة لإسقاط 7 أنظمة خلال 5 سنوات، وهي: العراق، وسوريا، ولبنان، وليبيا، والصومال، والسودان، وإيران. لكن هذه المخططات الطموحة انهارت في صحارى وجبال الشرق العربي والإسلامي.

لقد هُزمت أميركا في العراق وأفغانستان، رغم إنفاقها العسكري الهائل وسقوط آلاف الجنود، كما تحطم حلم "إعادة تشكيل" المنطقة على غرار النموذج الأميركي في ظل انتشار الفوضى والعنف والفشل.

مصدر الصورة جسّد خطاب بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2023 قبل أسبوعين من طوفان الأقصى؛ طموحات الكيان التوسعية (أسوشيتد برس)

الكيان الإسرائيلي.. من حليف استراتيجي إلى عبء استراتيجي

يُعد دعم الكيان الصهيوني محورا حاسما في السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، فمنذ انتصار الكيان على 3 دول عربية عام 1967 واحتلاله أراضي شاسعة تشمل كل أراضي فلسطين التاريخية، اعتبرته واشنطن ونخبها الحاكمة حليفاً استراتيجياً مُهماً يخدم أهداف الإمبراطورية الأميركية.

ولكن القضية الإسرائيلية ومستقبل الكيان ليسا مجرد شأن خارجي، بل باتا يُعتبران قضية داخلية أميركية بسبب النفوذ الهائل للوبي الصهيوني. ومع صعود المحافظين الجدد في أوائل العقد الأول لهذا القرن، من أمثال بول وولفويتز، ودوغلاس فيث، وسكوتر ليبي، وإليوت أبرامز، وريتشارد بيرل، تزايد التلاقي بين الأهداف الاستراتيجية الأميركية والمصالح الصهيونية في السيطرة والهيمنة على المنطقة.

ولقد جسّد خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2023 قبل أسبوعين من طوفان الأقصى؛ طموحات الكيان، حيث روّج للممر الهندي-الشرق الأوسطي-الأوروبي الاقتصادي "India-Middle East-Europe Economic Corridor" (IMEC)، باعتباره مشروعاً يصنع من "إسرائيل" مركزاً إقليمياً للتجارة والبنية التحتية العالمية، متجاهلاً تماماً القضية الفلسطينية ومعاناة شعبها.

وقد عكس هذا الخطاب سعي الكيان للهيمنة الإقليمية، ومحاولته ترسيخ التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، خاصة السعودية، وإندونيسيا، وباكستان. ولعل هذا التجاهل كان من أهم العوامل التي أدت إلى عملية 7 أكتوبر التي قامت بها حماس ، وهي عملية قلبت المعادلة وكشفت هشاشة الكيان الصهيوني ونتجت عنها سلسلة من الخسائر الاستراتيجية للمشروع الصهيوني.

مصدر الصورة شكلت عملية "طوفان الأقصى" نقطة تحول تاريخية في ميزان القوى الإقليمي (الإعلام العسكري للقسام)

الانهيار الاستراتيجي للكيان الصهيوني بعد "طوفان الأقصى"

شكلت عملية "طوفان الأقصى" نقطة تحول تاريخية في ميزان القوى الإقليمي، فرغم امتلاك الكيان الصهيوني أحد أقوى الجيوش وأكثر أجهزة الاستخبارات تقدماً، فقد فشل فشلاً ذريعاً في التنبؤ بالعملية أو التصدي لها، كما كشفت العملية عن انهيارات في منظومة الردع والعقيدة العسكرية والتماسك الداخلي.

رداً على ذلك، شن الكيان حملة إبادة جماعية وحشية من بين الأشد تدميراً في التاريخ الحديث، حيث دمّر البنية التحتية المدنية لقطاع غزة بالكامل، وقتل عشرات الآلاف من سكانه، ثلثاهم من النساء والأطفال، كما جرح عشرات الآلاف، وشرّد الباقين.

إعلان

ومع ذلك، ورغم مرور أكثر من 21 شهراً من القصف والحصار والدمار والمجازر، فإن المقاومة الفلسطينية ما زالت صامدة وتخوض حرب استنزاف مريرة، كما تشارك في مفاوضات غير مباشرة مع المعتدي الصهيوني من موقع الصمود والثبات. فحتى الآن لم يتحقق الهدف العسكري الأساسي للكيان والمتمثل في "النصر المطلق" أو القضاء على حماس وتفكيك بنيتها التنظيمية.

يرى معظم الخبراء بعد طوفان الأقصى أن الكيان الصهيوني أصبح يعاني من أزمة استراتيجية، فقد فشلت نظرية الردع التي بنيت على فرض العقاب الساحق للأعداء والذي ينتج عنه الاستسلام والإذعان، وتآكلت صورة "إسرائيل" كقوة إقليمية واهتزت مصداقية مؤسساتها الأمنية، كما انهار التماسك الاجتماعي داخل دولة الكيان تحت وطأة الحرب والأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى تقويض المعنويات العسكرية، وهجرة آلاف الإسرائيليين خشية من المستقبل.

أما على الصعيد الدولي، فقد انهارت سردية الضحية اليهودية، حيث وثقت وسائل التواصل الاجتماعي المجازر والمجاعة والدمار في غزة، مما أدى إلى تغيير مشهود في الرأي العام العالمي.

كما أصدرت مؤسسات دولية -مثل محكمة العدل الدولية- تحذيرات بوقوع الإبادة، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر توقيف بحق قادة صهاينة كبار مثل رئيس الوزراء ووزير الدفاع باعتبارهما مجرمي حرب. هذا بجانب الدعوات الواسعة إلى المقاطعة والعقوبات، وتراجع السياحة والاقتصاد، وبدء موجة هجرة عكسية تهدد التوازن الديمغرافي المستقبلي للكيان.

أهداف متباينة.. أميركا مقابل الكيان

ورغم اتفاق واشنطن وتل أبيب على أهداف استراتيجية، مثل سحق وإنهاء المقاومة الفلسطينية، وإضعاف أو احتواء إيران ومحور المقاومة، والحفاظ على التفوق الإقليمي، فإن أهدافهما المرحلية وتكتيكاتهما مختلفة.

فالكيان يسعى للهيمنة على المنطقة وفق رؤية "إسرائيل الكبرى"، ويتجلى ذلك في توسيع الاستيطان في الضفة الغربية (بقيادة الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش)، وخطط استفزازية لبناء الهيكل في الحرم القدسي الشريف (بقيادة المتطرف الآخر إيتمار بن غفير الذي يريد فرض التقسيم المكاني والزماني في حرم الأقصى المبارك).

بالإضافة إلى ذلك، فإن تدمير غزة وتصاعد الإرهاب الاستيطاني في الضفة يهدفان إلى فرض تهجير جماعي للفلسطينيين لحل "المشكلة الديموغرافية"، وتَجنبِ نظام فصل عنصري دائم يوصم به الكيان.

أما الولايات المتحدة، فإن سياستها تهدف إلى تحقيق "استقرار إقليمي يبقى تحت السيطرة" من خلال إضعاف وحصار وردع إيران وحلفائها في محور المقاومة، والتحكم في أسواق الطاقة، واحتواء النفوذ الصيني والروسي في المنطقة، والحفاظ على بنية أمنية موالية لها من خلال تبني استراتيجية "الأعمدة التوأم" (Twin Pillar)، أي تبني سياسة الحفاظ على المصالح الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية الأميركية في المنطقة من خلال حليفين إقليميين قويين هما الكيان الصهيوني والسعودية.

ولذلك أصبحت أولوية واشنطن الآن بعد فشل الحل العسكري الإسرائيلي في تحقيق النصر المطلق واستسلام المقاومة وتحرير الأسرى بدون أثمان، تتمثل في إنهاء حرب الإبادة في غزة من خلال عملية التفاوض والضغط السياسي، مع الإبقاء على النظام الإقليمي المهيمن عليه أميركيًّا كما هو بلا تغيير جوهري.

نحو نظام عالمي جديد.. مسار النهضة للعالم العربي والإسلامي

إن فشل الاستراتيجيات الأميركية عالمياً وإقليميا، وفقدان مصداقية النظام الدولي الذي تديره الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، ومع انتشار شوفينية واشنطن وتفردها، مع هيمنة ترامب ذي السياسات العنصرية والمتفردة على القرار السياسي والمؤسسات السياسية في بلاده، ومع صعود الصين وتقدمها الاقتصادي الهائل ونفوذها السياسي الكبير، ومع تآكل قوة الكيان الصهيوني وإنهاك منظومته في حروبه المستمرة، فإن كل هذه الظواهر الكونية تفتح الباب أمام إعادة توجيهٍ تاريخية وبناء منظومة جديدة للنظام الدولي.

فالعالم يمر الآن بلحظة مصيرية قد تسفر عن تغييرات جوهرية في بنية النظام الدولي، وذلك يعطي للعالم العربي والإسلامي فرصة تاريخية تفرض أولوية التحرر من السيطرة الأجنبية والهيمنة الصهيونية.

لقد أثبت النظام الدولي القائم -بقيادة الولايات المتحدة والمنظومة الغربية- عجزه ورفضه لمحاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه الجسيمة، رغم الأدلة الواضحة على شنه حرب إبادة جماعية ضد شعب أعزل في غزة المحاصرة، وارتكابه جرائم حرب وتطهير عرقي ومجازر.

إعلان

وقد أصرّت هذه المنظومة على تبني سياسة أن القوة هي التي تحدد الشرعية وفرض الأمر الواقع. وبالتالي، فإن المصلحة الجوهرية للشعوب العربية والإسلامية تكمن في رفض وتغيير هذا النظام نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب يعكس قيم العدالة والاستقلال والسيادة والكرامة.

ولذلك لا بد من إدراك أن المعركة المركزية لكل الشعوب اليوم، والتي يجب أن تتحد عليها، هي في إنهاء النفوذ والهيمنة الأجنبية والصهيونية. فلا يمكن لمشروع نهضة حضارية، أو نظام ديمقراطي، أو ازدهار اقتصادي، أو تقدم علمي، أو مجتمع إسلامي، أن يتحقق في ظل السيطرة الأجنبية والهيمنة الصهيونية التي تتحقق من خلال الدعم الأميركي العسكري والسياسي والمالي المستمر وغير المحدود، لسبب جوهري وهو أن كل هذه المنجزات التي تسعى إليها الشعوب الحية يعتبرها الكيان تهديداً وجودياً له يجب محاربته وإحباطه، لذلك كان المقصود من هذا النفوذ الأجنبي والهيمنة الصهيونية إحباط أي مسعى للشعوب نحو تحقيق الاستقلال أو الوحدة أو النهضة.

هذه الهيمنة الأجنبية أصبحت اليوم جدارا حديديا يعترض مستقبل أي شعب يسعى نحو الاستقلال والتحرر والتقدم.

ومن هنا، لا بد من تفكيك هذه البنى الاستعمارية والاستغلالية حتى تنطلق نهضة حقيقية في العالم العربي والإسلامي، فالاستقلال والسيادة وتقرير المصير والتعاون الإقليمي لا يمكن أن تتحقق مع وجود التفكك والضعف والتبعية والاحتلال داخل المنظومة العربية-الإسلامية.

باختصار، إن هذه المعركة يجب أن تتصدر كل الأولويات، لا كمجرد شعار، بل كمحددٍ استراتيجي وضرورة وجودية.

نهاية لحظة التفرد الأميركي

قد لا تسقط الهيمنة الأميركية دفعة واحدة، لكن تراجعها بات واضحاً. إن انحيازها الأعمى إلى الصهيونية الإجرامية والمتطرفة قد يشعل موجة جديدة من الانتفاضات في المنطقة، تكون ربيعاً عربياً جديداً لا يستهدف الأنظمة المستبدة فقط، بل يكون حراكاً جماهيرياً هادراً يستهدف تفكيك النفوذ الصهيوني والهيمنة الأميركية في المنطقة.

في هذه اللحظة المفصلية، يجب على الشعوب العربية والإسلامية أن ترسم مساراً جديداً تؤكد فيه إرادتها وتحقق استقلالها وتستعيد سيادتها، وتعيد تعريف دورها وترسم مستقبلها في نظام عالمي جديد، عادل ومتعدد الأقطاب، ولكنه ما زال في طور التشكيل.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا