في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
طهران– مع انقضاء المهلة النهائية التي حددتها السلطات الإيرانية لمغادرة المهاجرين غير النظاميين، وتحديدا في السادس من يوليو/تموز 2025، تكدست طوابير من اللاجئين الأفغان عند معبر "دوغارون" الحدودي مع أفغانستان -المعروف في الجانب الآخر باسم "إسلام قلعة"- في مشهد أعاد إلى الأذهان لحظات النزوح الكبرى التي أعقبت عودة حركة طالبان إلى السلطة عام 2021.
ويأتي هذا المشهد في سياق تصاعدت فيه الإجراءات الإيرانية تجاه المهاجرين الأفغان، على وقع التوتر الأمني الداخلي الذي أعقب الهجوم الإسرائيلي على إيران في يونيو/حزيران الماضي، حيث برز ملف الهجرة، وعلى رأسه ملف اللاجئين الأفغان، بوصفه أحد أبرز هواجس الأمن القومي الإيراني.
ومنذ عقود، ظلت إيران وجهة لموجات لجوء متتابعة من دول الجوار، خصوصا من أفغانستان، مما جعل قضية وجود الأجانب، وتحديدا المهاجرين الأفغان، موضع نقاش دائم في الأوساط السياسية والمجتمعية. لكن العدوان الإسرائيلي فرض واقعا جديدا دفع السلطات في إيران إلى تسريع عمليات ترحيل غير المسجلين وفرض رقابة مشددة على وجود الأجانب داخل أراضيها، لاسيما المناطق الحساسة أمنيا.
وقد كثفت وسائل الإعلام الإيرانية منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي من تقاريرها التي تربط بين اللاجئين الأفغان ومزاعم التجسس لصالح الاستخبارات الإسرائيلية، في خطوة أثارت قلقا واسعا بين اللاجئين، ودعمت في الوقت ذاته الأصوات الرسمية المطالبة بتنظيم أوضاع المهاجرين وترحيل المخالفين منهم.
محسن روحي صفت الدبلوماسي السابق وعضو البعثة للإيرانية بأفغانستان سابقا أوضح -في حديث للجزيرة نت- أن خطة تنظيم أوضاع المهاجرين بدأت في الأصل قبل العدوان الإسرائيلي، وتحديدا مارس/آذار الماضي، حين حددت الحكومة يوم 6 يوليو/تموز موعدا نهائيا للمغادرة الطوعية، لكن العدوان "سرع من وتيرة التنفيذ" في ظل ما وصفه بـ"الأولويات الأمنية".
وأشار الدبلوماسي الإيراني إلى أن السلطات تتفهم التحديات التي تواجه اللاجئين، وقد تمنح بعضهم مهلة إضافية للمغادرة حتى نهاية الصيف، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن التوجه الرسمي لن يتراجع، خاصة بعد الكشف عن اعتقال بعض اللاجئين بتهم التعاون مع جهات معادية.
وبينما أعلنت الداخلية الإيرانية أن عدد اللاجئين الأفغان في البلاد يتجاوز 6 ملايين، منهم 4 ملايين غير نظاميين، ذهب الصحفي المتخصص بالشأن الأفغاني هادي كسائي زاده إلى أبعد من ذلك، قائلا إن عدد الذين تلقوا لقاحات كورونا من اللاجئين بلغ 8.5 ملايين شخص، مما يعكس برأيه أن الأرقام الرسمية "أقل من الواقع بكثير".
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر كسائي زاده أن مهلة المغادرة "لن تطبق فعليا" عازيا ذلك إلى استفادة إيران من وجود الجالية الأفغانية، إضافة إلى نشاط "مافيات التهريب" التي تدير شبكات واسعة على الحدود الشرقية. وأشار إلى أن معدل دخول اللاجئين إلى إيران لايزال أعلى من معدل مغادرتهم، مما يشير إلى هشاشة الرقابة الحدودية.
ولفت إلى أن أكثر من نصف اللاجئين يقيمون في محافظة طهران، والبقية يتوزعون على مدن مشهد وشيراز وأصفهان، فضلا عن بعض المناطق الشرقية والجنوبية، كما أشار إلى أن إيران توفر خدمات صحية وتعليمية واسعة للاجئين، إذ يدرس 700 ألف تلميذ أفغاني و45 ألف طالب جامعي وآلاف آخرون في الحوزات الدينية مجانا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أوضح الصحفي الإيراني أن طهران تخصص أكثر من 10 مليارات دولار سنويا لخدمة اللاجئين، وتقدم لهم السلع المدعومة والخدمات الأساسية كما تقدمها للمواطنين، مع اختلاف أساسي يتمثل في أن المهاجرين لا يدفعون ضرائب، مشيرا إلى أن نحو 8 آلاف شركة مسجلة باسم أفغان لكن 99% منها بلا نشاط حقيقي موثق.
أما الباحث في الشأن الأفغاني حسام رضوي، فرأى في موجة الترحيل الجارية "صدى لحرب نفسية " مرتبطة بتداعيات العدوان الإسرائيلي، ومحاولة لصرف الأنظار عن تداعياته الداخلية، وأكد رضوي أن من بين المعتقلين في قضايا تجسس مؤخرا إيرانيين وأوروبيين، وليس أفغانا فقط، محذرا من التعميم وشيطنة الجالية الأفغانية بأكملها.
وقال رضوي، في حديثه للجزيرة نت، إن هناك جهودا تبذل لتسهيل عودة اللاجئين غير المسجلين "بصورة كريمة" مشيرا إلى أن كثيرا من الأفغان جرى ترحيلهم مرات عدة لكنهم عادوا مجددا، نظرا لشعورهم بالأمان في إيران مقارنة ببلدهم الأم.
ودعا إلى تحديث قوانين الهجرة والإقامة، وإقرار مشروع قانون "المنظمة الوطنية للهجرة" بهدف تنظيم الوضع القانوني للمقيمين الأجانب وتسهيل إدماجهم أو ترحيلهم بطرق إنسانية ومنظمة.
ورغم مبررات طهران الأمنية، تبقى العديد من الأسئلة معلقة بشأن ما إذا كانت الحملة ستتواصل بنفس الوتيرة، وهل ستؤثر على العلاقات مع الحكومة الأفغانية، خاصة في ظل تنامي الانتقادات من جانب الأخيرة التي وصفت الإجراءات الإيرانية بأنها "قاسية" ودعت إلى مراعاة الروابط الإسلامية وحسن الجوار.
ومع استمرار تدفق اللاجئين إلى معبر إسلام قلعة، تزداد المخاوف من انهيار البنية التحتية في ولايات أفغانية فقيرة مثل هرات ونيمروز، في وقت تحذر فيه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من تفاقم الأزمة الإنسانية، وتطالب بتقديم مساعدات دولية عاجلة لضمان استقرار العائدين ومنع نشوء موجات نزوح جديدة.