أُعيد الثلاثاء، دفن الرئيس الليبيري السابق، ويليام تولبرت، في جنازة رمزية، بعد 45 عاماً من اغتياله خلال انقلاب عسكري.
ويُعتقد أن جثته دُفنت عقب مقتله خلال الانقلاب، في مقبرة جماعية. وبعد عشرة أيام من اغتياله، عُقدت محاكماتٍ أمام محكمة صورية، جُرّد فيها13 من أعضاء حكومته من ملابسهم، وقُيّدوا على أعمدة، ثم أُعدموا رمياً بالرصاص على شاطئٍ مجاورٍ لثكنةٍ عسكريةٍ في العاصمة مونروفيا.
ولم تعثر الحكومة الليبيرية الحالية على جثة الرئيس تولبرت أو أيٍّ من جثث أعضاء حكومته الـ 13، لكنها أقامت جنازةٌ رسميةٌ لكلٍّ منهم في مراسمٍ حضرها الرئيس الليبيري، جوزيف بواكاي، وكبار الشخصيات.
واعتُبر هذا الحدث كجزء من المصالحة، وعمليةٍ تصالح البلاد مع ماضيها العنيف.
وقال الرئيس جوزيف بواكاي في كلمة ألقاها خلال مراسم التشييع "إنه فعلٌ من الضمير الوطني. إنها لحظةٌ للاعتراف بالأخطاء التاريخية، ولإعادة تأكيد الالتزام الجماعي بالحقيقة والعدالة والمصالحة".
وقد تركت القبور التي حُفرت للجنائز فارغةً ومفتوحة، تحسبًا للعثور على أيٍّ من رفاتهم.
وأنهى انقلاب 12 أبريل/ نيسان 1980، الذي استولى فيه الرقيب صموئيل دو، البالغ من العمر 28 عاماً، على السلطة، أكثر من قرنٍ من الهيمنة السياسية للأقلية الأمريكية الليبيرية، أحفاد العبيد السود المُحرَّرين الذين قدموا من الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر.
واتسمت رئاسة تولبرت، التي استمرت تسع سنوات، باستياءٍ متزايد من التفاوتات العرقية. وجاءت الإطاحة به في بداية فترة من عدم الاستقرار في ليبيريا، بلغت ذروتها بحربين أهليتين مدمرتين، انتهتا أخيراً عام 2003.
ولقي صموئيل دو مصرعه على يد المتمردين عام 1990. وقد أمر الرئيس الليبيري، جوزيف بواكاي، بإعادة دفنه في مسقط رأسه الأسبوع الماضي.
وقال بواكاي في جنازة دو "هذه ليست مجرد جنازة، إنها لحظة تأمل وطني، ووقت للتصالح مع تاريخنا، والشفاء من جراحنا، وتَذَكُر ما حدث باحترام وعزيمة".
وبالنسبة لعائلات من أُعدموا من القادة عام 1980، كانت مراسم الثلاثاء بمثابة إحياء للذكرى وطريقة لإبداء الاحترام لمن قُتلوا.
وقالت المحامية الليبيرية البارزة، إيفيت تشيسون جيبسون، ابنة وزير العدل الذي أُعدم، جوزيف تشيسون، لبي بي سي: "لقد مر 45 عاماً، ولا يزال الألم حياً".
وأكدت أن إعادة الدفن الرمزية هي بداية مصالحة طويلة الأمد، مضيفة "هذا ليس مجرد حفل، بل هو بداية لطي صفحة الماضي. المصالحة ليست حدثاً عابراً".
أما السيدة بيندو دينيس، ابنة وزير الخارجية حينها، تولبرت تشارلز سيسيل دينيس، فقالت "للشفاء جوانب عديدة، ولكن بالنسبة لنا، هذه ليست سوى إحدى الطرق العديدة التي نواصل من خلالها تكريم أبطال ليبيريا الراحلين المستحقين للتكريم".
وأضافت "لقد قُتل آباؤنا ببساطة في واحدة من أبشع وأفظع الأعمال الوحشية والعنف والقسوة في العالم، والتي نتجت عن جشعٍ قبيحٍ للسلطة السياسية".
وخاطبت الحضور قائلة: "ما دمتم تدركون أن طي صفحة الماضي لا يعني النسيان، فنحن على وفاق".
ولم ترغب عائلات الرجال الذين قتلوا رمياً بالرصاص، في إطلاق 21 طلقة تحية في جنازة يوم الثلاثاء، بل عُزف بـ21 بوقاً بدلاً من ذلك.
وحتى الثلاثاء، كان يُحتفل بذكراهم بشكل سنوي، في مقابر حملت شواهد كُتب عليها أسماؤهم، وكان الرؤساء السابقون يُؤدون العزاء كل عام.
ومع ذلك، عندما تم التنقيب تحت هذه الشواهد في وقت سابق من هذا العام، لم يُعثر على أي رفات بشرية، لذا ليس من الواضح ما حدث لجثامينهم.
وصرح جارسو مالي جالا، الوزير المسؤول عن برنامج إعادة الدفن، لبي بي سي قائلاً "هناك بعض الأمور التي حدثت في بلدنا لا نفخر بها، ومع ذلك فنحن ليبيريون، وعلينا أن نتكاتف من أجل النهوض بـ"الأمة".
وقُدم علم ليبيري لعائلة كل قتيل تقديراً لخدمته العامة. كما أُنشئت لجنة الحقيقة والمصالحة عام 2006 من قبل الرئيسة الليبيرية السابقة، إيلين جونسون سيرليف، لجمع شهادات حول الفظائع المرتكبة خلال النزاعات.
وفي عام 2009، حددت اللجنة قائمة بأسماء الأشخاص الذين سيُحاكمون بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ولكن لم يُتخذ أي إجراء ضدهم. ولم يُحاكم أحد في ليبيريا، ولكن أُدين بعض الجناة في دول أخرى.
وفي العام الماضي، وقّع بواكاي أمراً تنفيذياً يهدف إلى إنشاء محكمة خاصة للتحقيق والحكم فيما حدث من انتهاكات.