آخر الأخبار

هدنة ترامب في غزة.. فرصة تسوية أم فخ سياسي؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

غزة.. اتفاق يلوح في الأفق

وسط تصعيد ميداني، تعود غزة إلى واجهة التفاوض عبر مبادرة أميركية يقودها الرئيس دونالد ترامب. فبينما تشتعل جبهات القتال وتزداد الكلفة الإنسانية، يطرح ترامب مبادرة تهدئة تمتد 60 يومًا، يلوّح فيها بالعصا لكل من حركة حماس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ولكن خلف لغة "الفرصة الأخيرة"، تتشكل معادلات دقيقة من المصالح والضغوط والانقسامات الداخلية، ما يجعل هذه الهدنة المفترضة أقرب إلى اختبار سياسي وجودي للطرفين، منه إلى خطوة أولى نحو سلام مستدام.

ترامب يفرض الإيقاع: التهدئة أو التصعيد

ظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذه المرة أكثر إصرارا على فرض اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. في منشور على منصته "تروث سوشيال"، أعلن موافقة إسرائيل على شروط اتفاق هدنة لستين يومًا، مؤكدًا أن واشنطن ستتولى التنسيق مع الوسطاء القطريين والمصريين لإنهاء الحرب خلال هذه المهلة، ومطالبا حماس بالموافقة، محذرًا من أن "البديل سيكون أسوأ".

لم يخفِ ترامب أيضًا نيته الضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب خلال لقائهما المرتقب في واشنطن، وهو ما يعكس تصميمه على تحقيق اختراق سياسي في ملف غزة، يعزز مكانته كـ"صانع صفقات"، ويقدم إنجازا يمكن استثماره داخليا وخارجيا، خاصّة مع رغبته في توسيع اتفاقات أبراهام نحو مزيد من الدول العربية.

إسرائيل: موافقة مشروطة ورسائل تهديد مزدوجة

ورغم ما أعلنه ترامب من "موافقة إسرائيلية"، إلا أن الرسائل الآتية من تل أبيب تكشف واقعًا مغايرًا. فقد أفادت القناة 14 الإسرائيلية بأن أي وقف للعمليات العسكرية سيكون مشروطًا بـ"رسالة ضمان" أميركية، تتيح لإسرائيل استئناف العمليات العسكرية إذا لم تلتزم حماس بشروط تتعلق بنزع سلاحها واستبعاد قادتها.

كما نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين إسرائيليين تهديدا صريحا بأن الجيش الإسرائيلي مستعد لتحويل غزة والمخيمات إلى "رفح ثانية" إذا لم تحرز مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى أي تقدم.

وبحسب مسؤول سياسي بارز، فإن استمرار العمليات العسكرية يبقى خيارًا مطروحًا، ما لم تتجاوب حماس مع الطروحات الإسرائيلية.

حماس: لا استسلام ولا نزع سلاح

من الجانب الآخر، عبّرت حماس عن استعداد مشروط للتجاوب مع المبادرة. ففي حديثه إلى "سكاي نيوز عربية" عبر برنامج الظهيرة، قال إبراهيم المدهون، مدير مؤسسة "فيميد" الإعلامية، إن الحركة تضع أولوية مطلقة لوقف الحرب وحقن الدماء، لكنها ترفض بشكل قاطع أي طرح يتعلق بنزع سلاحها أو إبعاد قياداتها، معتبرًا ذلك "ليس فقط مرفوضًا، بل غير قابل حتى للنقاش".

المدهون أكد أن القرار داخل حماس مؤسساتي، وأن القيادة الداخلية، رغم ظروف الحرب، تملك الكلمة الفصل. وأوضح أن حماس منفتحة على إطلاق سراح الأسرى مقابل انسحاب إسرائيلي كامل وضمانات حقيقية لوقف دائم للحرب، لكنها تشكك في نوايا واشنطن وتعتبر أن ترامب يتحدث "بلسان إسرائيل" في بعض مواقفه.

وأشار إلى أن الحركة لا تتخذ قراراتها بضغط خارجي، بل عبر مشاورات بين قيادتها العسكرية والسياسية، في الداخل والخارج، وعلى رأسها المكتب السياسي ومجلس الشورى و كتائب القسام، مع التشاور مع الحلفاء الإقليميين مثل قطر و تركيا و مصر. وشدّد على أن القبول بهدنة لا يعني القبول بإملاءات سياسية أو شروط استسلام.

ترامب ونتنياهو.. علاقة ملتبسة وضغوط متبادلة

يرى طارق الشامي، الباحث والكاتب السياسي، من جهته أن علاقة ترامب بنتنياهو تمر بمرحلة غير مسبوقة من الضغط والتداخل. فالرئيس الأميركي لا يكتفي بدعم سياسي أو عسكري لإسرائيل، بل بات يوجه انتقادات علنية ويتدخل في ملفات داخلية إسرائيلية، في مشهد لم يُسجل في تاريخ العلاقات بين واشنطن وتل أبيب.

وبحسب الشامي، فإن ترامب يرى في اللحظة الراهنة فرصة ذهبية للضغط على نتنياهو، الذي ارتفعت شعبيته في الداخل الإسرائيلي بعد الضربات التي وجهت إلى إيران. ومع ذلك، فإن نتنياهو يواجه مأزقا داخليا، إذ إن أي تنازلات قد يفقده دعم اليمين المتطرف، ما يجعله يبحث عن توازن صعب بين إرضاء واشنطن والحفاظ على تحالفاته.

ترامب، من جانبه، يتعامل مع الملف بعقلية صانع صفقات، لكنه ليس ميلاءً لتقديم "ضمانات مكتوبة"، كما يشير الشامي، بل يمارس نفوذه عبر التهديد بالتصعيد أو استثمار القنوات الإقليمية في تمرير مقترحاته، ويراهن على أن "اللحظة الفارقة" قد تجبر الطرفين على قبول شروطه.

حسابات حماس.. بين الواقع الميداني والضمانات الغائبة

في المقابل، تبدو حماس أكثر ميلا إلى الهدنة هذه المرة، لكن بشروط تضمن استمرار المفاوضات لما بعد فترة الستين يومًا، مع اشتراط وقف الحرب بالكامل، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وإطلاق سراح الأسرى.

فالحركة، كما يقول المدهون، تدرك فداحة الكارثة الإنسانية في غزة، لكنها لا تقبل بحل جزئي يُستخدم كغطاء لعودة الاحتلال بعدها بيد أكثر دموية.

ويؤكد المدهون أن أي طرح يهدف إلى نزع سلاح حماس أو تهجير قادتها هو تمهيد لمشروع تهجير فلسطيني أوسع، لا تقبله لا حماس ولا السلطة الفلسطينية ولا أي طرف فلسطيني.

ويشدّد على أن مرونة الحركة مرهونة بضمانات سياسية واضحة ومراقبة دولية تضمن عدم استغلال الهدنة لمصالح إسرائيلية تكتيكية.

دور الوسطاء واحتمالات انتشار نموذج “قوة عربية مشتركة”

في ظل تعقيد المشهد، يتزايد الحديث عن مقترحات غير معلنة تشمل نشر قوات عربية مشتركة لإدارة غزة، بدعم أميركي. وتشير معلومات تسربت عن محادثات واشنطن إلى أن الفكرة تتضمن مشاركة عربية، في إدارة المرحلة الانتقالية، مع إبعاد حماس عن الواجهة، دون مواجهتها مباشرة.

لكن هذا السيناريو، وإن كان مرضيا لإسرائيل والولايات المتحدة، يواجه رفضًا شعبيًا وميدانيًا في غزة، فضلًا عن أنه يتطلب توافقًا دوليًا معقدًا، وإجماعًا فلسطينيًا غير متوفر حاليًا.

الميدان يحكم والمأساة تتكرر

على الأرض، لا تزال آلة الحرب الإسرائيلية تعمل بكثافة. وأشار مراسل سكاي نيوز عربية في القدس، بشار زغير، في هذا الخصوص إلى أن مشاهد القصف والدمار، مثلما حدث في استراحة شاطئ غزة، تتكرر بلا توقف، رغم محاولات تبريرها المتكررة من الجانب الإسرائيلي.

ويرى أن رواية إسرائيل باتت تتعامل مع سكان غزة وكأنهم "كتلة واحدة" تُختزل في حماس، ما يُفاقم مناخ الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ويجعل من الصعب على أي وساطة أن تكتسب المصداقية في أعين سكان القطاع ما لم تقترن بضمانات حقيقية ووقف كامل للعدوان.

الهدنة ممكنة.. ولكن بأي ثمن؟

رغم الحزم الذي يبديه ترامب، والانفتاح الحذر من قبل حماس، والموافقة المشروطة من تل أبيب، فإن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لا يزال محفوفًا بالمخاطر.

فالتهدئة، كما تُطرح حاليًا، ليست سوى مرحلة مؤقتة قد تفتح الباب لحل أوسع، أو تعيد الجميع إلى مربع النار. ويبقى السؤال: هل يملك ترامب ما يكفي من النفوذ لإلزام الطرفين بقبول تسوية شاملة؟ وهل تستطيع حماس أن تقبل هدنة دون أن تدفع ثمنًا سياسيًا وأمنيًا؟ وهل يسمح اليمين الإسرائيلي بأي تنازل يُنظر إليه كـ"نصر لحماس"؟.
الإجابة ستكون ميدانية أولًا، وسياسية ثانيًا، وخاضعة لحسابات الإقليم في نهاية المطاف.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا