في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لندن- يقود الأوروبيون اليوم الجمعة في العاصمة السويسرية جنيف ما يبدو أنه لقاء الفرصة الأخيرة مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ، في محاولة لمد جسر إنقاذ يعبر من خلاله كل من الإيرانيين والأميركيين إلى طاولة المفاوضات من جديد، ويُرتقب أن تنضم مسؤولة السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس إلى هذه المباحثات.
ومع ارتفاع منسوب التوتر في المنطقة وترقب حسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقفه من الانخراط في المواجهة الدائرة بين إسرائيل وإيران تتمسك الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بلعب دور الوساطة وتحرص على عدم نسف الجهود الدبلوماسية.
وقال ترامب إنه مستعد لمنح طهران فرصة للتوقيع على اتفاق نووي قبل اتخاذ قرار في غضون أسبوعين بشأن طبيعة المشاركة الأميركية في الحرب، رغم التقلب الحاد الذي طبع تصريحاته خلال الأيام الماضية وغموض نواياه بشأن التدخل المباشر في مسارها.
وترى فيديريكا بيشي أستاذة الدبلوماسية الأوروبية الدولية في جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية أن الأوروبيين بحاجة عاجلة إلى بلورة رؤية موحدة للتعامل مع إيران تتجاوز الإجماع على خفض التصعيد وتتطرق إلى تفاصيل العلاقة معها التي لا يبدو أنهم متوافقون بشأنها.
وشددت الخبيرة على أن الملف النووي لن يكون وحده على طاولة البحث بين الأوروبيين والإيرانيين، بل ستشمل المباحثات أيضا ملف وكلاء إيران في المنطقة وطبيعة التغييرات على النظام لضمان صمود أي اتفاق نووي مقبل، فضلا عن طبيعة العلاقة مع إسرائيل، حيث يرتقب أن يحسم الأوروبيون بشأن الشراكة الاقتصادية معها في اجتماعات الاثنين المقبل.
وذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن المفاوضين الأوروبيين سيحاولون إقناع طهران بالاتفاق على إطار لاستئناف مراقبة البرنامج النووي الإيراني ومنح مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحيات أكبر للتفتيش، إلى جانب مناقشة استعداد طهران لخفض مخزونها من الصواريخ الباليستية.
وبينما يحرص القادة الأوروبيون على ما يصفونه بـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" لم يكفوا على توجيه نداء إلى الحلفاء الأميركيين والإسرائيليين بضرورة خفض التصعيد وعدم الانجرار لحرب شاملة في الشرق الأوسط.
وكشفت صحيفة تلغراف البريطانية أن لندن وعواصم أوروبية أخرى حذرت الإدارة الأميركية من مشاركتها في أي هجوم على إيران قد يؤدي "إلى موجة أخرى من العنف في أوروبا واستيقاظ الخلايا الإرهابية النائمة في كل أنحاء القارة، ويعرّض حياة الرهائن الغربيين لديها للخطر".
من جانبها، قالت الرئاسة الفرنسية إن الرئيس إيمانويل ماكرون طلب من وزير خارجيته صياغة مبادرة للحل، إلى جانب دول أوروبية أخرى تقترح "تسوية صارمة" للنزاع.
كما وجّه النائب العام البريطاني ريتشارد هيرمر تحذيرا صريحا إلى حكومة كير ستارمر من المشاركة إلى جانب واشنطن في أي مواجهة مع إيران، وأكد أن أي سلوك مماثل يعد غير قانوني ما لم يكن دافعه الرد على تهديد مباشر للقواعد البريطانية في المنطقة.
بدوره، يقول سعيد السالمي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيزانسون بفرنسا إن الأوروبيين ذاهبون إلى هذه المباحثات دون توفرهم على أوراق ضغط تقنع طهران بتقديم تنازلات بعد أن بدأت المواجهة المؤجلة لسنوات، كما أنهم فقدوا مصداقيتهم بالنسبة للإيرانيين بعد فشلهم في إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني وعجزهم عن ردع الولايات المتحدة.
وأوضح السالمي للجزيرة نت أن المطروح على الطاولة يتجاوز تفاصيل التوقيع على اتفاق نووي كان الإيرانيون على استعداد لإبرامه في المفاوضات المباشرة مع واشنطن، ولكن عقدة التفاوض الآن هي وقف إطلاق النار وضمان الاستقرار في المنطقة وعدم تهديد مستقبل النظام السياسي في طهران.
ويضيف أن ترامب ورغم محاولته فك ارتباط سياساته بالحلفاء الغربيين يدرك حجم المأزق الذي ستواجهه أوروبا في حال تدخله لمساعدة إسرائيل على وضع نهاية عسكرية لطموح إيران النووي، مما دفعه إلى إعطائها هذه المرة الضوء الأخضر لإحداث اختراق ما في جدار الأزمة.
وبينما تبنت الولايات المتحدة إستراتيجية عزل إيران انخرطت الدول الأوروبية في مفاوضات معها بشأن برنامجها النووي منذ عام 2003 انتهت بالتوقيع على اتفاق باريس الذي وافقت طهران بموجبه على تعليق مؤقت لعمليات تخصيب اليورانيوم، وبعد انسحابها في عهد الرئيس أحمدي نجاد من الاتفاق قرر الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات عليها، لكن دون أن يغلق باب الحوار معها.
وكان الاتحاد قد اضطلع -خلال المفاوضات الممهدة لتوقيع الاتفاق عام 2015- بدور محوري في إقناع إيران بالانضمام إليه، وأشرف بشكل مباشر على المحادثات، كما بادر إلى رفع تدريجي للعقوبات عليها.
ومع انسحاب ترامب خلال ولايته الأولى من الاتفاق عام 2018 واجه الأوروبيون تهديد العقوبات الأميركية في حال اختيارهم شق طريق منفصل عن واشنطن في التعامل مع إيران، رغم محاولة إيجاد آلية للالتفاف عليها والحفاظ على باب المفاوضات مفتوحا مع طهران.
ورغم تفضيلهم المعلن للنهج الدبلوماسي مع بدء إسرائيل هجماتها على طهران فإن اتصالات القادة الأوروبيين توالت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة ، دعما للعملية وطلبا أيضا للتهدئة، في حين قالت السفيرة الإسرائيلية في بريطانيا إن حكومتها لم تنسق مع الأوروبيين قبل اتخاذ قرار الهجوم على إيران.
وبينما كان ماكرون يؤكد للصحفيين أن ترامب غادر مستعجلا لقاءات مجموعة الدول السبع لبحث صيغة لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل -في إشارة إلى طبيعة المحادثات التي دارت بين الأميركيين والأوروبيين- لم يتأخر ترامب في نفي تلك التصريحات وتوجيه لوم محرج لنظيره الفرنسي.
وخلال الأسابيع الماضية تزايد إحباط الأوروبيين من استثنائهم من مباحثات الملف النووي الإيراني بعد أن اختارت الولايات المتحدة البحث بشكل مباشر مع إيران عن اتفاق نووي جديد بوساطة سلطنة عمان.
ويرى مدير برنامج الشرق الأوسط في المركز الأوروبي للسياسات الخارجية أن الأوروبيين جوليان بارنز داسي قادرون على تقديم إستراتيجية خروج سياسي تنهي الأزمة، وتمنح الولايات المتحدة وإيران إمكانية العودة إلى المفاوضات رغم انعدام الثقة بين الأطراف بسبب الانحراف عن مسار التفاوض والانجرار للمواجهة.
ويؤكد داسي للجزيرة نت ضرورة تحرك الأوروبيين لحماية مصالحهم وأمنهم الإستراتيجي والضغط لتنجب حرب شاملة مكلفة، بدلا عن الانسياق وراء واشنطن وإسرائيل وتكرار أخطاء الحروب السابقة التي زعزعت أمن الإقليم.
لكن في الوقت الذي يحاول فيه الأوروبيون البحث عن طريق ثالث لوقف دوامة العنف في الشرق الأوسط تبدو حدة المواجهة في الميدان بين إسرائيل وإيران وقدرتها على تكبيد تل أبيب خسائر غير مسبوقة مبعث قلق لهم وللأميركيين معا.
وتقول صحيفة فايننشال تايمز إن مهلة الأسبوعين التي منحها ترامب لاستئناف المفاوضات قد تكون أيضا حيزا زمنيا جيدا لإعادة تموضع القوات الأميركية وتنظيم انتشارها استعدادا للضربة المتوقعة.
وفي هذا السياق، يشير مثنى العبد الله أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لندن إلى أن سعي الأوروبيين لفتح ثغرة دبلوماسية في جدار المواجهة المحتدمة بين إسرائيل وإيران جاء بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة ويعبر عن وحدة الأهداف والرؤية بين الجانبين لأجل السلم أو الحرب.
وأكد العبد الله للجزيرة نت أنه بعد تسارع الأحداث بشكل غير متوقع خلال الأيام الماضية تبدو العودة إلى التفاوض أيضا فرصة لكل الأطراف لإعادة ترتيب الأوراق قبل اتخاذ قرار حاسم بدخول الحرب الشاملة من عدمه.