هديل غبّون
عمّان، الأردن ( CNN )-- فتح إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا ، خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، الباب واسعًا أمام الأردن للانطلاق في مرحلة تعاون اقتصادي جديدة، بحسب خبراء واقتصاديين، من المتوقع أن تتسع دائرتها عربيًا وإقليميًا بعد تسجيل تراجعات كبيرة، من بينها حجم التبادل التجاري بين الأردن وسوريا.
وتبرز قطاعات اقتصادية رئيسية مُرشحة للانتعاش بين البلدين، من بينها قطاعات الصناعة والتجارة والطاقة والمصارف والإنشاءات، في وقت تقدّر فيه كُلفة إعادة إعمار سوريا بأكثر من 300 مليار دولار أمريكي.
وانطلقت بالفعل دعوات قطاعات حيوية اقتصادية أردنية للبدء بعقد اجتماعات موسعة مع أطراف في الحكومة الجديدة في دمشق، للتباحث في مجالات التعاون مع سوريا التي عانت منذ العام 2004 من عقوبات اقتصادية، تفاقمت مع إقرار قانون قيصر في العام 2020، الذي خفّض حجم التبادل التجاري بين عمّان ودمشق إلى قرابة 100 مليون دولار سنويًا.
قطاع التخليص والبنوك
وقال نقيب أصحاب شركات التخليص ونقل البضائع، ضيف الله أبو عاقولة، إن للقرار أثر إيجابي مباشر على تجارة الترانزيت والاقتصاد الوطني بشكل عام، مبينًا أن سوريا تعد "إحدى أهم الممرات الحيوية لحركة الترانزيت الأردنية نحو لبنان وتركيا وأوروبا"، وأن تسهيل الشحن والنقل يساهم في انسيابية وزيادة حركة البضائع ورفع كفاءة حركة النشاط التجاري عبر معبر جابر نصيب الحدودي.
وتراجعت حصة الصادرات الوطنية الأردنية إلى سوريا من مجمل الصادرات الكلية، من 5.4% في عام 2007، إلى ما دون 1% في عام 2023، بحسب دراسة حديثة لمنتدى الاستراتيجيات الأردني، كما يمتلك الأردن أسطول شاحنات يقدر حجمه بنحو 29.3 ألف شاحنة نقل .
وأضاف أبو عاقولة في تصريحات لموقع CNN بالعربية، أن النشاط الاقتصادي والتجاري بين الأردن وسوريا خاصة الترانزيت، سيطرأ عليه زيادة كبيرة، بعد إزالة القيود خاصة المتعلقة بالاعتمادات المالية لدى البنوك السورية للمصانع من خارج سوريا خلال الفترات السابقة، ومنها مصانع كبرى منتجة للبلاستيك والصودا والمواد الأولية والموبيليا والزجاج والآليات.
وكشف أبوعاقولة، لـ CNN بالعربية، أ ن اتصالات قد بدأت ترد من العديد من المصانع التي توقفت عن التصدير عبر سوريا لسنوات، للاستفسار عن التكلفة المتوقعة لعودة نشاطها في المرحلة المقبلة، فيما أكد أن للأردن فرصة في لعب دور محوري في ملف إعادة إعمار سوريا عبر بوابة الخدمات و اللوجستية والنقل.
إعادة الإعمار
ويتمتع الأردن الأقرب جغرافيًا لسوريا، بقدرات متقدمة في الصناعات الإنشائية والهندسية، كصناعة الحديد والإسمنت ومواد العزل والدهانات والكابلات الكهربائية، ويساهم قطاع الصناعات هذه في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 17.3% من الاقتصاد الوطني.
وقال نقيب المهندسين الأردنيين المهندس عبدالله عاصم غوشة، إن الحديث عن إعادة إعمار سوريا لا يكون "بالتمني"، مبينًا أن الأردن استطاع التصدير لـ38 دولة في العالم، وأن لديه أفضلية في الكثير من التخصصات، خاصة قطاع الإنشاءات .
وبشأن الخطوات القادمة للإسهام في إعادة إعمار سوريا، قال غوشة في تصريحات لـ CNN بالعربية، "إن العمل أردنيًا يتطلب إعداد خطة متكاملة منهجية، وفق أسس فنية وتقنية بمشاركة النقابات المهنية وغرف الصناعة والتجارة والبنوك والحكومة الأردنية"، على أن يكون التخطيط والعمل خارج إطار الإجراءات والطروحات الشكلية والمجاملات، التي رافقت الحديث عن المساهمة في "إعادة إعمار العراق" سابقًا، حسب قوله.
وأضاف المهندس غوشة: "لن يستطيع السياسي أو الدبلوماسية الأردنية تسويق الصورة الصحيحة للمساهمة الأردنية في إعادة إعمار سوريا، إن لم تكن وفق خطة استراتيجية تحدد القطاعات الواعدة والمطلوبة، حتى لا نعيد تجربة محاولة إعادة إعمار العراق التي لم تنجح والتي اعتمدت على لقاءات بروتوكولية ومجاملات. نحتاج إلى ترتيب البيت الداخلي أولا وإبراز ميزات الرؤية الأردنية".
ولفت غوشة إلى أن الاستعداد لطرح أية مبادرات يتطلب عملا دبلوماسيًا وفنيًا جنبًا إلى جنب، مع رؤية واضحة يمكن أن تُقدم للجانب السوري، مع اعتبار أن ملف إعادة الإعمار في سوريا وغزة وليبيا اليوم، هي من الملفات ذات الأولوية على الساحة الدولية والإقليمية، برأيه.
وبحسب الدراسة التحليلية لمنتدى الاستراتيجيات الأردني، التي نُشرت في أبريل/ نيسان الماضي، فإن للأردن شركات عقارية واسعة الخبرة يمكن لها المساهمة في إعادة بناء المدن السورية عدا عن الكوادر المؤهلة.
ويُقدّر حجم القيمة المضافة لقطاع الخدمات العقارية في الأردن حتى نهاية 2023، بنحو 5.6 مليار دولار، وبمساهمة بلغت نحو 11% من الناتج المجلي الإجمالي.
كما كشفت الدراسة أن للأردن ميزة نسبية في تصدير 600 منتج سلعي مقارنة بالسوق السورية تتركز في الصناعات الكيماوية والإنشائية، بينما تمتلك سوريا ميزة نسبية في تصدير نحو 329 منتجا تتركز في الصناعات الغذائية والجلدية والمحيكات.
قطاع الطاقة
ويعتقد الباحث في شؤون الطاقة والنفط المهندس عامر الشوبكي، أن هناك فرصة استراتيجية بالغة الأهمية بالنسبة للأردن ودول الجوار، بعد رفع العقوبات الأمريكية على سوريا على عدة مسارات أهمها؛ إنقاذ شبكات الطاقة في سوريا ولبنان، واتاحة استيراد الكهرباء والغاز عبر الأردن وإعادة تفعيل تصدير الكهرباء والغاز، عدا عن انتعاش الفرص الاستثمارية المتبادلة مع لبنان وتركيا والعراق.
وقال الشوبكي في تصريحات لموقع CNN بالعربية، إن "الأردن يمتلك فائضًا كبيرًا في الاستطاعة الكهربائية في حين تعاني سوريا من انقطاعات مزمنة ناجمة عن دمار البنية التحتية لمحطات التوليد، ويمكن للشبكة الكهربائية المتصلة مع الجنوب السوري حتى دمشق وإلى لبنان من الأردن، أن تعود لاستئناف تصدير الكهرباء إلى دمشق على غرار ما قبل 2011، ما سيخفف من "خسائر شركة الكهرباء الوطنية التي تقدر بنصف مليار دينار أردني سنويا"، بحسب الشوبكي.
وأوضح الباحث أن رفع سلسلة العقوبات التي فرضت على سوريا، يعني استئناف الدور الأردني بشكل رسمي ومستقر، في مجال تصدير الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء وتشغيل بعض الصناعات الحيوية أيضا في سوريا عبر "خط الغاز العربي" التابع لشركة "فجر".
وقال الشوبكي: "يمكن أيضًا تمرير الغاز الطبيعي إلى الجانب اللبناني عبر الخط ذاته، لتزويد محطة دير عمار هناك من الأردن عبر الناقل السوري بعد أن كان محجوبًا بسبب قانون قيصر ".
وبيّن الخبير أن إمكانية تصدير مشتقات نفطية مكررة إلى سوريا، مثل الديزل والغاز المنزلي بسبب التدمير الجزئي في مصافيها، ما سيوفر منفذا تجاريًا مهمًا للأردن، وسيحفز اللاجئين السوريين للعودة، مع نمو فرص الاستثمار ونشاط قطاع النقل البري العابر.
وفد اقتصادي رفيع إلى سوريا
وبلغت صادرات المملكة إلى سوريا خلال يناير/كانون الثاني وفبراير/ شباط من بداية عام 2025، قرابة 35.4 مليون دينار أردني (قرابة 50 مليون دولار)، بحسب إحصائية غرفة تجارة عمّان .
وأعلن عضو مجلس الأعيان الأردني ورئيس غرفتي تجارة الأردن وعمّان، خليل الحاج توفيق، الأربعاء، عن تنفيذ وفد اقتصادي وتجاري رفيع برئاسته، زيارة عمل في 26 من الشهر الجاري إلى دمشق، لبحث مستقبل العلاقات الاقتصادية المشتركة.
وقال العين توفيق في بيان وصلت نسخة منه CNN بالعربية، إن الوفد سيكون الأكبر على مستوى القطاع الخاص والأول من نوعه منذ سقوط النظام السوري السابق، وسيجري مباحثات موسعة والبحث في إنشاء مجلس أعمال أردني سوري مشترك، لغايات دعم سوريا في مرحلة إعادة بناء اقتصاد قوي منفتح على محيطه، وبمقدمة ذلك الأردن.