دعا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الأحد، إسرائيل إلى وقف "هجماتها المدانة" على المستشفيات في قطاع غزة، بعد قصف إسرائيلي للمستشفى الأهلي المعمداني، أحد المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل في القطاع.
وكتب لامي على منصة إكس أن "هجمات إسرائيل على المؤسسات الطبية قلصت بشكل ملحوظ إمكان تلقي العناية الصحية في غزة... هذه الهجمات المدانة ينبغي أن تتوقف"، مضيفاً أن الدبلوماسية وحدها وليس "حمام الدماء" ستتيح قيام "سلام دائم".
وواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ غاراته الجوية على مختلف مناطق قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل 10 أشخاص على الأقل وإصابة آخرين منذ فجر الأحد.
كما طال القصف مستشفى المعمداني أو الأهلي العربي بمدينة غزة، ما أدى إلى تدمير مباني العمليات الجراحية ومحطة توليد الأكسجين ومبنى الاستقبال والطوارئ، ووقوع عدة إصابات بين المرضى والراقدين، إذ كانت المستشفى مكتظة لحظة القصف واشتعلت النيران بداخلها، وفقاً لشهود عيان.
وتسبب قصف المستشفى، التي كانت تؤوي أيضاً مئات النازحين، في فرار جماعي لعشرات المرضى والجرحى بعضهم بحالة حرجة، وباتوا يرقدون في الشوارع المحيطة بالمستشفى وهم في حالة صعبة وخطيرة.
ووصف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة التابع لحماس قصف الجيش الإسرائيلي للمستشفى بالـ "جريمة الجديدة والمروعة".
وقال متحدث إن "الجيش الإسرائيلي ينظر في أمر التقارير الواردة عن تلك الواقعة".
وطالبت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة المؤسسات الدولية والجهات المعنية بضرورة "حماية القطاع الصحي في غزة بما كفلته القوانين والاتفاقيات الدولية، والإنسانية والعمل الفوري على وقف الانتهاكات المستمرة بحق قطاع غزة وعلى رأسها المرضى والقطاع الصحي".
ودانت قطر التي تلعب دوراً بارزاً كوسيط بين الجانبين، الغارة الإسرائيلية على المستشفى.
ووصفت وزارة الخارجية القطرية في بيان الغارة بأنها "جريمة شنيعة بحق المدنيين العزل وتحد سافر لأحكام القانون الإنساني الدولي".
وفي إحدى الغارات صباح الأحد، قُتِلَ 7 فلسطينيين من بينهم 6 أشقاء، وأُصيب آخرون، في قصف استهدف سيارة غرب مخيم دير البلح وسط قطاع غزة.
ووفقاً لشهود عيان، استهدفت طائرة استطلاع السيارة أثناء تحميل عدد من الركاب قرب محطة تحلية مياه ديرالبلح مما أدى إلى مقتل الأشخاص السبعة.
وفي ذات السياق، قُتِلَت سيدة في إطلاق نار من طائرة مسيّرة في جباليا البلد شمالي القطاع. كما قُتل وأُصيب مواطنون في قصف طائرات إسرائيلية على مدرستي سعد بن معاذ شرقي حي التفاح، والدحيان في الشيخ رضوان، اللتان تؤويان نازحين.
وفي خان يونس جنوبي القطاع، قُتِلَ مدير مركز شرطة غرب مدينة خان يونس إثر غارة إسرائيلية على منزله في المخيم الغربي للمدينة، كما قُتِل فلسطيني في قصف مسيرة إسرائيلية على خيمة تؤوي نازحين في منطقة المواصي غربي المدينة.
وأفاد مسعفون في غزة بمقتل ثلاثة على الأقل في قصف جوي إسرائيلي طال خيام النازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس جنوبي قطاع غزة ليرتفع بذلك عدد القتلى منذ فجر اليوم الأحد إلى 22.
وارتفعت حصيلة القتلى في قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى الأحد، إلى 50,944 قتيلاً و116,156 إصابة، وفق وزارة الصحة في غزة.
وقالت الوزارة في التقرير الإحصائي اليومي، إن حصيلة القتلى منذ 18 مارس/آذار الماضي، أي منذ استئناف الحرب على القطاع، بعد وقف اتفاق وقف إطلاق النار، بلغت 1,574 قتيلاً، و4,115 إصابة.
وأكدت أن عدداً من الضحايا لا يزالون تحت الركام وفي الطرقات، حيث لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
استهدفت غارة جوية إسرائيلية مبنى داخل مستشفى الأهلي المعمداني، بعد وقت قصير من إرسال الجيش الإسرائيلي تحذيراً لأحد الأطباء في المستشفى، وفقاً لمراسل بي بي سي.
ودمّر صاروخان إسرائيليان مبنى من طابقين يضم قسم الجراحة ووحدة العناية المركزة، بحسب شهود عيان، فيما يعتبر المستشفى المنشأة الطبية الرئيسية في مدينة غزة
ويُظهر مقطع فيديو التقطه ناشطون وتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ألسنة اللهب الضخمة والدخان يتصاعد من المستشفى.
ووفقاً لما نقل مراسل بي بي سي عن صحفيين محليين، فقد اتصل ضابط في الجيش الإسرائيلي بطبيب يعمل في قسم الطوارئ وطلب منه إخلاء المستشفى على الفور، وقال الضابط: "يجب على جميع المرضى والنازحين الخروج إلى مسافة آمنة"، وقال الضابط للطبيب: "لديك 20 دقيقة فقط للمغادرة".
وأظهرت مقاطع فيديو إجلاء المرضى والجرحى من المبنى خلال الليل، كما شوهد العشرات من الفلسطينيين، بمن فيهم النساء والأطفال، وهم يفرون على عجل من الساحة داخل المستشفى حيث كانوا يبحثون عن مكان آخر يذهبون إليه.
وفجر الأحد قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن طائرات إسرائيلية قصفت المستشفى بعدة صواريخ بشكل "مباشر"، حيث كان يتواجد بداخله "المئات" من المرضى والجرحى وطواقم طبية ومرافقين لحظة الاستهداف.
ودمرت الصواريخ الإسرائيلية قسم الطوارئ والاستقبال وفق ما قاله مسعفون في المستشفى، فيما تقول تقارير إعلامية أخرى إن المستشفى أصبح الآن خارج الخدمة بعد قصف مصنع الأكسجين ومبنى العمليات الجراحية.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن إسرائيل "دمرت عمداً 34 مستشفى وأخرجتها عن الخدمة كجزء من خطة منهجية لتفكيك ما تبقى من قطاع الرعاية الصحية في قطاع غزة".
من جهتها وصفت حماس في بيان فجر الأحد، الهجوم الإسرائيلي بأنه جريمة "شنيعة وفظيعة"، وحمّلت الولايات المتحدة المسؤولية الكاملة عن الضربة، قائلة إنها "ما كانت لتقع لولا الضوء الأخضر الممنوح من واشنطن"، ولم يصدر أي تعليق فوري من إسرائيل.
يعرف المستشفى الأهلي العربي أيضاً بـ"المستشفى المعمداني"، ويقع في منطقة سكنية في حي الزيتون بقطاع غزة، وتحيط به كنيسة القديس برفيريوس ومسجد الشمعة ومقبرة الشيخ شعبان.
ولطالما يكرر مسؤولون إسرائيليون اتهام عناصر حماس "بالاختباء بين المدنيين ما يؤدي إلى وقوع أضرار جانبية أحياناً"، وفق لتصريحات إسرائيلية رسمية سابقة. في حين قالت ميريانا سبولجاريك، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر خلال حديث مع بي بي سي يوم الجمعة "إن المدنيين (في غزة) يتحملون العبء الأكبر للصراع"، مطالبة بتطبيق ما ورد في اتفاقيات جنيف ومن ضمنها حصول المدنيين على الغذاء والدواء، وحماية المستشفيات والعاملين في مجال الصحة" مضيفة بأن هذه القواعد "ملزمة مهما فعل الطرف الآخر".
افترش مئات النازحين وعدد من المرضى والمصابين الأرض، ونصب بعضهم خياماً على جانبي الشارع الواقع قبالة المستشفى، وفي ميدان فلسطين القريب، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
بين هؤلاء نائلة عماد (42 عاماً) التي أوضحت لوكالة فرانس برس أنه لم يعد لديها مأوى، وبقيت مع أطفالها الستة في الشارع بعدما كانت تحتمي داخل خيمة في المستشفى.
وقالت إن أحد حراس المستشفى "جاء إلى الخيمة فجر اليوم وصرخ: عليكم المغادرة الآن، الطائرات سوف تقصف المستشفى... وقال: لا تأخذوا شيئاً، لا يوجد وقت".
وأضافت "عندما وصلت إلى باب المستشفى قصفوه، لم أستطع التمييز هل هذا حقيقي أم كابوس".
وتابعت "أنا والأولاد في الشارع، نزحنا أكثر من عشرين مرة، لا نعرف أين نذهب، المستشفى آخر ملاذ لنا، أفضل خيار أن يقتلونا جميعاً، أفضل من أن نموت ببطء وإذلال".
أما خالد دلول (30 عاماً) فكان يرافق عمه الستيني المصاب.
وقال لوكالة فرانس برس: "ما رأيناه نار جهنم، خرجنا إلى الشارع ننتظر، مثل الذي ينتظر ذبحه، حريق هائل، كل المستشفى دمر، لا يوجد مكان للمرضى للعلاج أو النوم، هذا حكم جماعي بالإعدام والذبح".
والشهر الماضي، قالت منظمة الصحة العالمية إن 22 من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة تعمل جزئياً.
في السياق، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن جيشه سيوسع نطاق هجومه "بقوة" قريباً ليشمل معظم أنحاء غزة، وقال الوزير في بيان خاطب فيه السكان الفلسطينيين "قريباً، ستتكثف عمليات الجيش وستتوسع لتشمل مناطق أخرى في القسم الأكبر من غزة. وعليكم إخلاء مناطق القتال".
وأضاف يسرائيل كاتس أن جيش الإسرائيلي أكمل سيطرته على "منطقة أمنية" في جنوب قطاع غزة، تفصل بين مدينتي رفح وخان يونس. وأضاف "حان وقت النهوض والقضاء على حماس وتحرير جميع الرهائن الإسرائيليين، هذه هي الطريقة الوحيدة لإنهاء الحرب". وفق تعبيره.
وأصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء لمدينة خان يونس والمناطق المحيطة بها، قائلاً إنه يستعد لشن غارات رداً على إطلاق 3 قذائف من غزة، والتي أعلنت حماس مسؤوليتها عنه.
وبعد شهرين من الهدنة، استأنفت إسرائيل ضرباتها وعملياتها البرية في القطاع مع تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن زيادة الضغط العسكري هو السبيل الوحيد لإرغام حركة حماس على إطلاق الرهائن الذين احتجزتهم أثناء هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.