آخر الأخبار

إسرائيل تُظهر للعالم أقبح وجوه الذكاء الاصطناعي

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

يُقدم الذكاء الاصطناعي باعتباره خطوة أخرى للإنسانية نحو مستقبل أفضل؛ أداة يُفترض لها أن تُحدث ثورةً في مجالات مهمة كالطب والتعليم والصناعات والمحتوى والتفاعل البشري مع المعلومات.

لكن هذه الأداة تحولت شيئًا فشيئًا لتصبح أكثر فتكا وتدميرا: سلاح رقمي في أيدي الجيوش حول العالم.

وبينما يدور الجدل حاليا بين الحكومات والشركات التقنية حول أخلاقيات وسياسات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، تطرح إسرائيل نموذجًا عمليًا لكيفية عسكرة تلك التقنية الحديثة، وتحويلها إلى أداة تساعدها على تضخيم نطاق القتل والمراقبة والتجسس داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة تحديدا.

وبعد ما شاهده العالم أجمع في حرب الإبادة التي شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة ، من توظيف لأنظمة الذكاء الاصطناعي لقصف وقتل الأبرياء، فإن إسرائيل لم تكتف باستغلال تلك الأنظمة في القتل المباشر، إذ كشف تحقيق صحفي جديد أجرته مجلة "+972" الإسرائيلية بالتعاون مع منصة "لوكال كول" العبرية وصحيفة الغارديان البريطانية، أن جيش الاحتلال يعكف على تطوير نموذج ذكاء اصطناعي تأسيسي جديد يشبه النموذج الذي يعتمد عليه روبوت المحادثة "شات جي بي تي".

لكن هذا النموذج الجديد لم يُدرب -مثل النماذج التقليدية- على ملايين البيانات المتاحة على شبكة الإنترنت، بل درّبته الاستخبارات الإسرائيلية على ملايين المحادثات العربية التي تحصّلت عليها عبر مراقبة الفلسطينيين على مدار السنوات الماضية.

إعلان

ويعد هذا أول الأمثلة المسجلة لدولة تعيد توظيف نموذج لغوي متطور للذكاء الاصطناعي في الاستخبارات العسكرية على هذا النطاق الضخم.

نموذج تجسس كبير

وفقًا للتحقيق الصحفي المشترك، درّبت الوحدة 8200، وهي إحدى وحدات النخبة في الاستخبارات الإسرائيلية، نموذجا لغويا من الذكاء الاصطناعي على ملايين الاتصالات اليومية التي أجراها الفلسطينيون وتجسست عليها الاستخبارات الإسرائيلية.

وقد زُوِّد النظام "بكافة البيانات التي تمتلكها إسرائيل باللغة العربية"، وتشمل تلك البيانات ملايين المكالمات الهاتفية والرسائل وغيرها من عمليات التنصّت، بهدف إنشاء أداة ذكاء اصطناعي قادرة على الإجابة عن أسئلة حول الأفراد الخاضعين للمراقبة، مع إمكانية توفيرها لتحليلات للكميات الهائلة من بيانات المراقبة التي تجمعها وحدات الاستخبارات الإسرائيلية، وفقًا لما ذكرته المصادر المطّلعة على تفاصيل هذا المشروع وعرضه التحقيق الصحفي.

قضت الوحدة 8200 سنوات في بناء قاعدة بيانات هائلة تضم 100 مليار كلمة عربية، استخلصتها من عمليات المراقبة المكثفة للفلسطينيين. ليس المقصود هنا 100 مليار كلمة فريدة، لكن يشير الرقم إلى إجمالي عدد الكلمات التي تغذى بها النموذج، وهي كلمات عربية مكررة في الأحاديث اليومية، أي أنها تحولت إلى بيانات رقمية لكي يفهمها النموذج اللغوي، وهي بيانات جاءت من مصادر مختلفة من التجسس على اتصالات الفلسطينيين ومحادثاتهم العادي.

وتشير التقارير إلى أن الوحدة استخدمت كل ما استطاعت الوصول إليه من اتصالات، بما فيها تسجيلات المكالمات الهاتفية التي حولتها إلى نصوص مكتوبة، ومراسلات تطبيقات مثل واتساب والرسائل النصية القصيرة، فضلًا عن أي معلومات استخباراتية أخرى متاحة باللغة العربية.

وقد ضُبط النموذج ليتوافق مع اللهجات والمصطلحات العربية المحلية، إذ ركز تطوير النموذج على فهم اللهجة الفلسطينية، إلى جانب لهجات عربية أخرى كاللبنانية، نظرًا لأن نماذج الذكاء الاصطناعي المتوفرة تجاريًا تتقن اللغة العربية الفصحى فقط، بينما تفتقر إلى القدرة على فهم اللهجات العامية المستخدمة في الاتصالات اليومية العادية بين الأشخاص.

إعلان

أسفرت هذه الجهود عن تطوير نموذج لغوي كبير يرتكز على اللغة العربية، ليصبح بمثابة "شات جي بي تي" مخصص لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. ومع ذلك، ظلّ هذا النموذج قيد التطوير خلال النصف الثاني من العام 2024، ولم يتضح بعد إن دخل مرحلة التشغيل الكامل أم لا.

مصدر الصورة قضت الوحدة 8200 سنوات في بناء قاعدة بيانات هائلة تضم 100 مليار كلمة عربية، استخلصتها من عمليات المراقبة المكثفة للفلسطينيين (مواقع التواصل)

أغراض استخباراتية

في السنوات الأخيرة، طورت الوحدة 8200 مجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي؛ كانت أنظمة مثل " غوسبل " و"لافندر" من بين الأنظمة التي أدمجت سريعًا في العمليات القتالية أثناء الحرب على قطاع غزة، وأدت دورًا ملحوظًا في عمليات القصف التي شنّها جيش الاحتلال على القطاع عبر المساهمة في تحديد الأهداف المحتملة.

كما لجأت الوحدة، خلال السنوات الماضية، إلى نماذج تعلم الآلة لتحليل الاتصالات التي تتجسس عليها، عبر تحديد أنماط محددة في المعلومات التي تحصّلت عليها، لتحسن من معدلات التنبؤات الصحيحة.

مع التطور السريع جدا في قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مؤخرا، ظهر مصطلح "النموذج التأسيسي"، وهو مصطلح جديد نسبيا يُطرح في المجال، ويعرّفه البعض من خلال عدد المعاملات (parameters)، وبالتالي حجم الشبكة العصبية نفسها، بينما يعرّفه آخرون من خلال عدد المهام المميزة أو المتفردة والصعبة التي يمكن أن يؤديها هذا النموذج اللغوي.

باختصار، يمكننا تعريف النموذج التأسيسي بأنه نموذج لغوي مُجهز مسبقا، يتدرب على الكثير من البيانات النصية المختلفة، ويُشكِّل الأساس الذي تعتمد عليه النماذج اللغوية الأصغر التي تُصمم وتُدرب لأداء مهام محددة، كالرد على الأسئلة مثلا.

بهذه الطريقة يمكن بناء نماذج لغوية بدقة دون الحاجة إلى البدء من نقطة الصفر في كل مرة باستخدام النماذج التأسيسية الحالية، ومن أشهر أمثلتها نموذج "جي بي تي-4" الذي يعتمد عليه روبوت المحادثة "شات جي بي تي".

إعلان

في أواخر عام 2022، مع بداية انطلاق "شات جي بي تي"، شكّل جيش الاحتلال فريقًا متخصصًا لاستغلال هذه التكنولوجيا للأغراض الاستخباراتية، كما أشارت المصادر في التحقيق الصحفي.

لكن الوحدة 8200 لم تعرف كيفية تطوير نموذج تأسيسي أو حتى كيفية تدريبه، لذا طلبت من شركة "أوبن أي آي" أن تمنحها إذن الوصول إلى نموذجها التأسيسي، وهو النموذج الذي يعتمد عليه الروبوت. لكن الشركة الأميركية رفضت الطلب.

ورغم البداية المتعثرة، جاء اندلاع الحرب على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ليسرّع من العملية. استدعى جيش الاحتلال خبراء الذكاء الاصطناعي من القطاع الخاص ضمن فرق الاحتياط، ليعتمد على خبراء من كبرى شركات التكنولوجيا مثل غوغل وميتا ومايكروسوفت، كما أشار التحقيق الصحفي.

استدعى الجيش مهندسي وباحثي نماذج اللغة الكبيرة للعمل ضمن مشروع الوحدة 8200، كما شارك موظفو إحدى شركات الذكاء الاصطناعي الإسرائيلية في هذا المشروع أثناء خدمتهم العسكرية. وقد ساهم هؤلاء الخبراء في تطوير النموذج التأسيسي ضمن شبكات عسكرية مؤمّنة ومعزولة عن الإنترنت.

وبالنسبة لأجهزة الاستخبارات والتجسس، تكمن قيمة النموذج التأسيسي في إمكانية تجميع كل ما جرى جمعه من بيانات ورصد الروابط والأنماط التي يصعب على الإنسان اكتشافها بمفرده، كما ذكر المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي الإسرائيلية "AI21 Labs".

وبحلول أواخر عام 2023، كان المطورون قد جمعوا "كميات هائلة" من بيانات التدريب. ولكن تبين أن عملية جمع بيانات التدريب الضخمة تضمنت كميات كبيرة من الاتصالات التي لا تحمل قيمة استخباراتية تُذكر عن الحياة اليومية للفلسطينيين.

بالنظر إلى الكيفية الفعلية التي يستخدم بها جيش الاحتلال نماذج لغوية أصغر، قد يوسع نموذج اللغة الكبير الجديد من نطاق الجرائم الإسرائيلية في التجسس على الفلسطينيين واعتقالهم.

وذكرت مصادر استخباراتية إسرائيلية أن المشكلة الأكثر إلحاحا في الضفة الغربية لا تكمن بالضرورة في دقة هذه النماذج، بل في النطاق الواسع للاعتقالات التي تتيحها، وأضافت تلك المصادر قائلة إن قوائم المشتبه بهم من الفلسطينيين تتزايد باطراد، مع جمع كميات هائلة من المعلومات باستمرار ومعالجتها سريعًا باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي.

كما أعربت مجموعة من منظمات الحريات المدنية، والمدافعون عن الخصوصية الرقمية، عن خوفهم العميق من تزايد رقابة الذكاء الاصطناعي التي تمارسها إسرائيل، محذرين من أنها تمثل سابقة خطيرة للقمع التقني المتطور، إذ تُستغل كميات هائلة من البيانات الشخصية، بما فيها محادثات أفراد فلسطينيين عاديين لم يُتهموا بأي جريمة، لتدريب نظام تجسس قائم على الذكاء الاصطناعي.

إعلان

ويُعد استغلال الاتصالات الشخصية لسكان يعيشون تحت الاحتلال بهذه الطريقة انتهاكا جسيما للخصوصية والكرامة الإنسانية.

وحذر الباحث زاك كامبل من منظمة "هيومن رايتس ووتش" قائلاً: "إننا نتحدث عن بيانات شخصية بالغة الحساسية، تُجمع من أفراد لا يُشتبه بهم في أي جريمة، ثم تُوظَّف لاحقًا لتغذية أداة قد تخلق اشتباهًا زائفًا حولهم".

تقنيات المراقبة والتتبع

بين "قطيع الذئاب" و"الذئب الأزرق" ثم "الذئب الأحمر"، تقع خصوصية الفلسطينيين فريسة لأنظمة الاحتلال الإسرائيلي وتقنياته الحديثة للمراقبة، من خلال مئات الكاميرات الذكية المثبتة لتتبعهم.

وبات الفلسطينيون في القدس والخليل المحتلتين جزءا من الجغرافيا المستهدفة بأحدث تقنيات التتبع والتعرف التي يستخدمها الاحتلال وتعتمد على الذكاء الاصطناعي، والتي لاقت انتقاد منظمة العفو الدولية لكونها "تمييزا رقميا" ضد الشعب الفلسطيني.

فمثلا، عند نقاط التفتيش الإسرائيلية في الخليل، تمسح كاميرات عالية الدقة وجوه الفلسطينيين قبل السماح لهم بالعبور. يعمل نظام " الذئب الأحمر " في هذه النقاط على تحديد الأفراد تلقائيًا ويقرر هل يمكنهم العبور أو يجب احتجازهم.

في الوقت ذاته، يستخدم جنود الاحتلال تطبيق " الذئب الأزرق " على الهواتف الذكية لمسح وجوه الأشخاص في الشوارع وإضافتها إلى قاعدة بيانات بيومترية، يُقال إنها تحتوي على معلومات شخصية مفصلة عن معظم الفلسطينيين في الضفة الغربية.

مصدر الصورة شرطة الاحتلال تستخدم تطبيق "الذئب الأزرق" عند الحواجز والنقاط العسكرية لمسح وجوه الأشخاص في الشوارع وإضافتها إلى قاعدة بيانات بيومترية بالبلدة القديمة بالخليل (الجزيرة)

لكن حتى وقت قريب، لم توجد مثل هذه الشبكة المعقدة للمراقبة والتتبع في قطاع غزة. إلا أنه بعد طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسّعت إسرائيل سريعًا من بنيتها التحتية للمراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في القطاع، وأدخلت تقنية التعرف على الوجوه كأداة جديدة لتحديد الأفراد وتعقّبهم واستهدافهم، كما أشار تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.

إعلان

لم تكفِ مراقبة القطاع بالتقنيات المتاحة مع وحدات الاستخبارات الإسرائيلية، لذا استعانت تلك الأجهزة بشركة "كورسايت"، وهي شركة إسرائيلية متخصصة في الذكاء الاصطناعي والتعرف على الوجوه، لتطوير برنامج تعرّف آلي على الوجوه خاص بقطاع غزة.

شرع جيش الاحتلال في نشر كاميرات مزوّدة بتقنية التعرف على الوجوه عند نقاط التفتيش وعلى الطرق الرئيسية لمسح وجوه الفلسطينيين في القطاع.

في الوقت نفسه، يحمل الجنود الإسرائيليون الذين دخلوا غزة كاميرات على رؤوسهم وأجهزة يدوية للتعرف على الوجوه، مما سمح لهم بالتعرف على الأشخاص سريعًا ومطابقة صورهم مع قواعد البيانات الاستخباراتية التي تملكها إسرائيل، كما أوضح تقرير نيويورك تايمز.

وبالطبع، لم تكن تقنيات التعرف على الوجوه التي تقدمها شركة "كورسايت" خالية من العيوب. فقد أقر ضباط الاستخبارات والجنود المشاركون في استخدامها بأنه في بعض الحالات "صنّف النظام المدنيين بصورة خاطئة على أنهم عناصر من حماس"، مما أدى إلى اعتقالهم بصورة تعسفية.

يبرز استخدام إسرائيل لتقنيات التعرف على الوجوه في قطاع غزة كأحد تطبيقات هذه التقنية في الحروب. ويشير أحد باحثي منظمة العفو الدولية إلى أن استغلال إسرائيل لهذه التقنيات "يُجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم" لأنها لا تنظر إليهم كأشخاص. وأضاف أن الجنود الإسرائيليين قد لا يشككون في هذه التقنية حين تتعرف على شخص ما، حتى رغم ارتكابها للأخطاء.

والآن مع تطوير النموذج اللغوي الجديد من بيانات الفلسطينيين، فقد تستخدمه قوات الاحتلال مع تقنيات التعرف على الوجوه لتوسيع نطاق شبكة الرقابة الإلكترونية التي فرضتها على الشعب الفلسطيني.

حملات إسرائيلية للتأثير

قد يظهر هذا النموذج الجديد إلى العلن في أي لحظة، إلا أن إسرائيل لم تكن تدّخر أي جهد في استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في حربها ضد الفلسطينيين منذ مدة.

إعلان

مثلًا في نهاية مايو/أيار 2024، كشف تقرير من شركة "أوبن أي آي" عن 5 عمليات سرية من عدة دول كانت من ضمنها إسرائيل، استخدمت فيها تلك الدول تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة بغرض التأثير على الرأي العام العالمي .

وذكرت الشركة في تقريرها كيف استخدمت هذه المجموعات، التي يرتبط بعضها بحملات دعائية معروفة، تقنيات الشركة في العديد من "الأنشطة المضللة".

وشملت تلك الأنشطة إنتاج تعليقات ومقالات وصور على وسائل التواصل الاجتماعي بعدة لغات، بالإضافة إلى ابتكار أسماء ونبذات تعريفية لحسابات وهمية، وتعديل الأكواد البرمجية، بجانب ترجمة النصوص وتدقيقها لغويا.

وأوضح تقرير الشركة الأميركية بالتفصيل كيف استخدمت الشركة الإسرائيلية "ستويك" (Stoic)، وهي شركة للتسويق السياسي في تل أبيب، أدوات شركة "أوبن أي آي" لتوليد محتوى مؤيد لإسرائيل حول حرب الإبادة على غزة.

واستهدفت تلك الحملة، التي كانت باسم "زيرو زينو" (Zero Zeno)، الجمهور في الولايات المتحدة وكندا وإسرائيل. كما ذكرت شركة ميتا أنها حذفت 510 حسابات على فيسبوك و32 حسابًا على إنستغرام ارتبطت بنفس الشركة الإسرائيلية.

وكانت مجموعة الحسابات المزيفة التي تضمنت حسابات لأشخاص يتظاهرون بأنهم أميركيون من أصل أفريقي وطلاب في الولايات المتحدة وكندا، غالبا ما ترد على شخصيات بارزة أو مؤسسات إعلامية في منشورات تشيد بإسرائيل وتنتقد معاداة السامية في الجامعات الأميركية وتندد بتيارات "الإسلام الراديكالي".

وبحسب تقرير "أوبن أي آي"، يبدو أن تلك الحملة فشلت في الوصول إلى أي تفاعل يُذكر معها.

مصدر الصورة الزيادة الهائلة في نوع وحجم البيانات ضخمت من فائدة أدوات الذكاء الاصطناعي بالنسبة لأجهزة الاستخبارات (شترستوك)

توجه عالمي

ربما كانت إسرائيل أول من يستخدم الذكاء الاصطناعي كسلاح حقيقي للتجسس والقتل والتأثير على الرأي العام، إلا أن التوجه الذي تمثله دولة الاحتلال يعكس جزءًا من الصورة العالمية لتبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل أوسع في مجالي الدفاع والاستخبارات.

إعلان

فالقوى العالمية الكبرى تستثمر في أدوات الذكاء الاصطناعي، بدءًا من النماذج اللغوية وصولًا إلى خوارزميات الرؤية الحاسوبية، لتعزيز قدراتها العسكرية.

في سبتمبر/أيلول 2023، وفي خطوة كانت تهدف إلى تعزيز إمكانات الاستخبارات الأميركية في معالجة الكم الهائل من البيانات المتاحة أمامها، أعلنت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عن نيتها إطلاق أداة ذكاء اصطناعي مشابهة لروبوت المحادثة "شات جي بي تي"، وفقا لصحيفة بلومبيرغ.

ومن المفترض أن تمنح تلك الأداة المحللين إمكانية الوصول السريع والدقيق إلى المعلومات المتاحة للعامة، وفقًا لما أعلنه مسؤولون في الوكالة حينها.

جاءت تلك الخطوة في إطار مساعي الحكومة الأميركية لاستغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لمواكبة المنافسة العالمية، خاصة مع الصين، التي تسعى إلى تصدر هذا المجال بحلول عام 2030.

وأشارت التقارير حينها إلى أن وكالات الاستخبارات الأميركية لم تكن تستغل بالصورة الكافية؛ البيانات المتاحة للعامة، مما دفعها إلى تطوير هذه الأداة التي ستتيح للمحللين إمكانية تتبع المصادر الأصلية للمعلومات والتفاعل معها من خلال واجهة محادثة متطورة.

وفي المملكة المتحدة، يتزايد اعتماد وكالات الاستخبارات البريطانية على أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل الكميات الضخمة من البيانات التي تمتلكها، إذ يعتمد جهازا "إم آي 5″ و"إم آي 6" بصورة متكررة على هذه البيانات التي تُجمع من مصادر مغلقة ومفتوحة، ويمكن الحصول عليها أيضًا بوسائل سرية، كما أشار تقرير صحيفة الغارديان في أغسطس/آب 2023.

أوضح بعض الخبراء حينها أن وكالات الاستخبارات البريطانية تستخدم الذكاء الاصطناعي منذ سنوات، وتدرب نماذج تعلم الآلة فعلًا باستخدام تلك البيانات.

وأشاروا إلى أن الزيادة الهائلة في نوع وحجم هذه البيانات ضخمت من فائدة أدوات الذكاء الاصطناعي بالنسبة لأجهزة الاستخبارات البريطانية.

إعلان

ورغم أن الذكاء الاصطناعي يبدو كما لو كان الورقة الرابحة في أي صراع في الوقت الحالي، فإن هزيمته ممكنة وانتصاره ليس قدرًا محتومًا. فكما لا تستطيع إسرائيل تطوير أدواتها وحدها، وتعتمد كثيرًا على التقنيات التي تُطور في الدول المتحالفة معها والداعمة للإبادة، فإن المقاومة يمكن أن تستفيد من توسيع جبهتها. فلا يتوقع أحد أن تُطور نماذج ذكاء اصطناعي لتحارب إسرائيل في بيت حانون أو في رفح، لكن النماذج التي يمكن أن تُطور في عواصم العالم الداعمة لفلسطين، يمكنها أن تفيد المقاومة.

ولا يمكن تجاهل أن إسرائيل كانت دومًا الأكثر تفوقًا في التقنية والسلاح، ورغم ذلك استطاعت المقاومة العربية والفلسطينية مفاجأتها مرات عديدة عبر تاريخها، واستطاع الفلسطيني إثبات قصور التقنية وإظهار أوجه الضعف لدى الاحتلال. وإسرائيل ليست بدعًا في التفوق التقني على أعدائها، فكذلك كانت الولايات المتحدة في فيتنام، وبريطانيا في الهند، وكذلك كان الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، ومثله كانت فرنسا في الجزائر، وكانت بلجيكا في الكونغو، وهولندا في إندونيسيا، وجميع هؤلاء المعتدين رحلوا بعد أن انتصرت مقاومة الشعوب على أصحاب السلاح والتقنية ومطوريها.

وإذا كان الذكاء الاصطناعي يمكنه إيقاع أفظع الأذى وأشد الضرر، فإن تبرير هذا الأذى وإعطاءه الشرعية لن يقدر عليه الذكاء الاصطناعي ولا مطوروه، لذلك فإن المقاومة التقليدية الشاملة، والتي تدخل ضمنها حملات الضغط والمقاطعة الاقتصادية، والحملات الإعلامية والصحافة الشعبية، والتواصل الدبلوماسي، وبالتأكيد تطوير التقنيات المقاومة واستكشاف ثغرات التقنيات المعادية، كلها ستكون كفيلة بأن تؤكد للعالم مرة أخرى أن الشرعية ليست مرادفة للقوة العسكرية، وأن الذكاء الاصطناعي له حدود، لا يعرفها الإنسان.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا