في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
حين تبحث عن أيقونة المبتهل المصري الشيخ سيد النقشبندي، "مولاي"، على موقع يوتيوب، ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتيك توك، ستجد الكثير من الشباب والأطفال وصغار السن، من المصريين، واليمنيين، والفلسطينيين، وغيرهم، بل ومن غير المسلمين أيضا، يحاولون محاكاته، كلٌ بطريقته الخاصة.
يقول مينا فهيم، وهو مسيحي مصري، لبي بي سي إن ابتهال "مولاي" كان "شبه أساسي" في الحفلات التي شارك فيها في صباه، وكان يقدمها مع الكورال ويمزجها بترنيمة "مريم البكر، فيما يُعرف بالـ "ميدلي"، الذي يعكس "انصهار" الإسلام والمسيحية في الثقافة المصرية.
ويحكي مينا، ذو الـ19 عاماً، أنه قدمه في إحدى الحفلات التي أقيمت بالتعاون بين جامعة الأزهر ومدرسة الفرنسيسكان التابعة للكنيسة الكاثوليكية، وأن والده حين استمع إليه وهو ينشد "مولاي"، حثه على تقديم ابتهالات أخرى للنقشبندي قائلاً "احفظ له المزيد، وقدم المزيد!".
وقد نشأت رابطة قوية بين النقشبندي ومينا، طالب الثانوية الذي ينحدر من قرية بمحافظة المنيا بصعيد مصر، وذلك من خلال "كورال جميعة الصعيد" الغنائي، وكان عمره آنذاك لا يتخطى أصابع اليدين.
ويشرح مينا قائلاً: "حين طُلب مني لأول مرة أن أحفظ ابتهال مولاي، بحثتُ عن ابتهالات أخرى للنقشبندي، وبدأت أحفظها عن ظهر قلب وأنا في السابعة من عمري".
ومع ذلك، يرى مينا أن صوت النقشبندي تجسيد لـ"السهل الممتنع"، كما أن "عُرَبه الغنائية حكر عليه"، والعُربة هي تنقل الصوت بين نغمات مختلفة في المَدَّة الصوتية الواحدة.
ويضيف: "حين تسمعه تطرب وتقول: الله! وتظن أن ما يقدمه دون تكلّف، يسهل تقليده، لكن عندما تحاول ذلك، تجد الموضوع مرهقاً في حفظ التحويل أو التنقل بين المقامات الموسيقية".
"رأيت في المنام أنني في طنطا في طريقي لزيارة مقام السيد البدوي فشعرت بأنها علامة"، هكذا قالت رحمة ضياء عن روايتها التي تحمل اسم "النقشبندي"، التي حاولت فيها أن تستلهم من حياة المبتهل الذي عاش معظم حياته في طنطا ورفض أن يبرحها.
ويعد السيد البدوي أحد أقطاب الصوفية الأربعة في مصر، وينحدر من نسل الإمام الحسين بن علي، ابن بنت النبي محمد، وله مكانة خاصة في الثقافة المصرية، حتى أنه كلما يُذكر اسمه أو اسم طنطا، البلد الذي دُفن فيه، كثيراً ما تسمع مقولة: "شي لله يا سيد يا بدوي"، طمعاً من قائلها في نيل بركاته بحسب المعتقدات الصوفية.
وحكت رحمة، الكاتبة الصحفية الشابة، لبي بي سي أنها كانت تسعى إلى كتابة رواية تحكي سيرة شخصية ملهمة، وبدأت في طرح أكثر من اسم، إلى أن توقفت عند شخصية المبتهل المصري الشيخ السيد النقشبندي.
وقالت: "بمجرد أن نطقتُ الاسم، شعرتُ بأنني لا أرغب في طرح أسماء بديلة، وتذكرتُ الحلم الذي كان غريباً، لاسيما وأنني لست ممن اعتاد زيارة الأولياء، فأحسستُ بأنها إشارة بأن أكتب عن النقشبندي".
اعتمدت ضياء في روايتها التي فازت بجائزة الأديب "خيرى شلبي" فى دورتها الثانية، على مزج الخيال ببعض ما تعرفه عن حياة المبتهل المصري، ما أثار استياء أسرته، واستياء المهندس رضا حسن، جامع تراث النقشبندي، الذي رافقه منذ الستينيات.
وأوضح المهندس رضا حسن لبي بي سي أن وجه الاعتراض يعود إلى أن معظم ما نُسب في الرواية للشيخ النقشبندي "مغلوط" ولا يليق بأن يُنسب إلى شيخ جليل بقدره، بالإضافة إلى أن المؤلفة لم تنل موافقة أسرة النقشبندي على الكتابة عن سيرته.
ومع ذلك، تقول ضياء إن الرواية حظيت باهتمام واسع من الشباب وصغار السن، "ففي معرض الكتاب، جاءني فتى اسمه يوسف عمره 12 عاماً، وقال لي إن رواية النقشبندي هي أول رواية اشتراها في حياته وإنها نالت إعجابه، وطلب منها توقيع نسخته".
على الرغم من أن طنطا لم تكن محل ميلاد النقشبندي، إلا أنه اختارها، أو ربما اختارته هي - كما يُقال في الفلسفة الصوفية - لتكون مُستقراً له حتى آخر حياته، غير منبهر بأضواء العاصمة التي كان الذهاب إليها حلم كل من يسعى إلى الشهرة.
ويحكي الكاتب الصحفي أيمن الحكيم لبي بي سي أن السر وراء اختيار النقشبندي لطنطا يعود إلى منام يقول إنه رأى فيه الشيخ السيد أحمد البدوي، الذي يُعرف بـ"شيخ العرب"، يقول له: لا تتركني يا سيد! الرؤيا التي أكدها المهندس حسن رضا أيضاً، في حديثه لبي بي سي.
كان النقشبندي مؤذناً وقارئاً في مسجد سيدي سالم المغربي، المجاور لبيته القديم في طنطا، والمجاور أيضاً لمسجد السيد البدوي الذي يُعرف أيضاً بالمسجد الأحمدي، وكان يقرأ فيه الشيخ النقشبندي كذلك.
قبل طنطا، عرف النقشبندي السفر والترحال منذ طفولته؛ من شمالي مصر حيث ولد في محافظة الدقهلية في 12 مارس/آذار 1921، إلى جنوبها إلى سوهاج في صعيد مصر، التي قضى فيها نحو عشرين عاماً تلقى خلالها التعليم الأزهري وحفِظ القرآن الكريم.
ويحكي المهندس رضا حسن أن الشيخ سيد النقشبندي حين زاره في منزله، بحكم صداقته لشقيقه، عام 1969، سُئل كم يحفظ من الشعر العربي، فأجاب بأنه يحفظ عشرة آلاف بيت.
ولم يكتف النقشبندي بالدراسة الأزهرية، بل التحق بمدرسة تحسين الخطوط في طنطا، وقد اعتاد وهو في أوائل العشرينيات وحتى وفاته أن يكتب بخطه الجميل أهم أحداثه اليومية في مفكرات، وهو أمر لم يكن مألوفاً، لاسيما في عالم المبتهلين، وكان يقول "من لم يمتلك مفكرة، فلا تستقيم حياته".
خلال تلك الفترة، امتلأت أذنا الشاب سيد بأصوات القراء والمبتهلين الذين كان يستمع إليهم في الموالد والمناسبات الدينية والحضرات الصوفية، لاسيما وأنه ينحدر من عائلة متصوفة، فجده محمد بهاء الدين النقشبندي، الذي قدم من أذربيجان للدراسة في الأزهر، كان شيخ الطريقة النقشبندية الصوفية.
ومنذ أن بزغ نجم النقشبندي، وهو يتنقل بين ربوع مصر قارئاً ومبتهلاً ومداحاً في المناسبات الدينية، بل وعُرف خارجها قبل أن يصدح بصوته عبر الإذاعة المصرية في عام 1967.
وللنقشبندي تلاوة سجلها للإذاعة السعودية في الخمسينيات حين كان في مكة المكرمة التي تكررت زياراته لها حاجاً ومعتمراً، بحسب ما حكى رضا حسن، كما أن له شعبية واسعة في سوريا التي كان يدعوه إليها كبار رجال الدولة في الخمسينيات والستينيات، وله فيها أيضاً تسجيلات نادرة.
وفي أواخر حياته في السبعينيات، سافر النقشبندي إلى إيران، وذلك قبل الثورة الإسلامية، وله فيها تسجيلات نادرة بصوته لتلاوات قرآنية، وإنشاد لقصيدة "لذ بالحُسين"، ولقصيدة "يوم الغدير" التي نُسبت إلى شاعر الرسول حسان بن ثابت. كما عرّج المبتهل على أرض أجداده في أذربيجان.
اعتاد النقشبندي أن يصدح بصوته بتلاوة القرآن الكريم وبالابتهالات والمديح، في رحاب المساجد وأضرحة آل البيت والأولياء الصالحين، وكان يختار الأبيات الشعرية التي بصدد تقديمها، ويلحنها ارتجالاً، مستعيناً بالمساحة الصوتية الواسعة التي تسمح له بالتنقل بين المقامات الموسيقية وبالوصول إلى ما يُقال في عُرف الموسيقيين بأنه "جواب الجواب"، وهو الصوت الأشد حدة أو الأعلى نغمة في المقام الموسيقي.
وفي مقال نُشر في صحيفة "أخبار اليوم" عام 1996، قال الموسيقار الراحل حلمي أمين، إن صوت النقشبندي "يتأرجح بين الميتزو سوبرانو والسوبرانو، وهي منطقة مميزة، وتخص كثيرا أصوات السيدات اللائي يؤدين الأوبرا على المسرح"، ما يوضح نُدرة صوته وتميزه كمبتهل.
وعلى الرغم من شهرة النقشبندي في مساجد مصر والعالم العربي، إلا أن استوديوهات الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو" بالقاهرة لم تتعرف إلى صوته إلا في آخر عقد من حياته القصيرة، وكان للتلفزيون السبق في تقديمه في رمضان قبل الإذاعة بسنة، وذلك في عام 1966.
وحكى الكاتب الصحفي أيمن الحكيم أن النقشبندي "كان ينشد في مسجد الإمام الحسين، فسمعه الإعلامي الشهير أحمد فراج، فبهره صوته وأداؤه، وقدمه لأول مرة عبر الميكروفون في ابتهالات عقب أذان المغرب في شهر رمضان، فلفت الأسماع ودخل القلوب!".
ومنذ ذلك الوقت وحتى عام 1975 قبيل وفاته بشهور، كان صوت النقشبندي يصدح عبر الإذاعة المصرية في رمضان، كما صُورت الكثير من ابتهالاته للتلفزيون.
وعلى الرغم من الإقبال الشديد على النقشبندي بعد أن ذاع صيته، إلا أنه كان يسافر إلى القاهرة كلما كان مطلوباً لتسجيل ابتهال أو لإحياء الموالد الكبرى، ثم يعود إلى طنطا، إلى جوار السيد البدوي.
كان استخدام الموسيقى من الأمور غير المألوفة بين المبتهلين، وهناك تيار مستمر حتى يومنا الحالي، يرفض مزج الألحان بكل ما يتعلق بالدين. لكن النقشبندي كان منذ صباه جريئاً في الخروج عن العرف وتجربة كل جديد.
وتعلق الدكتورة هبة عبد الفتاح، الباحثة في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة ييل الأمريكية، على تجربة النقشبندي في مزج الابتهالات بالألحان قائلة إن "الإسلام يتجلى في ابتهالاته كحاضنة وحضارة غير إقصائية".
ولربما يتخيل البعض أن اللقاء الشهير بين الشيخ النقشبندي والفنان بليغ حمدي، كان أول تعاون من نوعه بين المبتهل والموسيقى، لكن الحقيقة أن الموسيقارين محمد الموجي وحلمي أمين قد سبقا بليغ حمدي في التعاون مع النقشبندي بسنوات.
ففي عام 1967، قدم الشيخ النقشبندي مقدمة مسلسل إذاعي بعنوان "الباحث عن الحقيقة" عن الصحابي سلمان الفارسي، من ألحان الموسيقار محمد الموجي، وهي المقدمة التي استُخدمت أيضاً للبرنامج الإذاعي "مع الله" في السنة التالية.
وشارك النقشبندي بصوته بصحبة الألحان الموسيقية في 24 حلقة من حلقات برنامج "في نور الأسماء الحسنى" عام 1967، بألحان عدد من كبار الموسيقيين في ذلك الوقت.
وفي عام 1968، قدم حلمي أمين للنقشبندي ابتهالات للإذاعة بعنوان "سبحانك".
ومع مطلع السبعينيات، قدم النقشبندي ابتهال "يا كريم يا حليم" من ألحان الموسيقار أحمد فؤاد حسن.
وللنقشبندي تسجيلات نادرة بصوته، كان في أحدها يغني الموشح الأندلسي "جادك الغيث" على ألحان وإيقاع وتصفيق الحضور في جلسة خاصة بمكة المكرمة عام 1966. قبل أن يلتقي بالملحنين المصريين جميعاً.
أما بعد بليغ، فقد قدم الشيخ النقشبندي 30 ابتهالاً من ألحان الموسيقار إبراهيم رجب، كما حكى الموسيقار الراحل عمار الشريعي في أحد برامجه.
وقد قام الشريعي ذاته بعد وفاة النقشبندي، بوضع لحن وخلفية غنائية لابتهالات له لم تكن قد أذيعت قبل ذلك، ليكون مطلعها "الله .. الله .. لا إله إلا الله".
كما غنى النقشبندي من ألحان عبد العظيم محمد مقدمة ونهاية المسلسل الإذاعي "سلطان العاشقين" عن ابن الفارض، أحد أشهر الشعراء المتصوفين.
وفي عام 1975، قدم النقشبندي عدداً من الابتهالات المُصورة المصحوبة بالألحان، خلال زيارته إلى أبو ظبي.
كان الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات مولعاً بصوت النقشبندي من قبل أن يصبح رئيساً لمصر، حين سمع صوته مصادفة وهو يمر بجوار مسجد "سيدي الدكروري" بمدينة السويس.
وكثيراً ما كان يطلب السادات من صديقه وجار النقشبندي في طنطا الدكتور محمود جامع أن يُحضر المبتهل إلى قريته (ميت أبو الكوم) بمحافظة المنوفية "ليسمعه بمزاج"، كما حكى الكاتب الصحفي أيمن الحكيم.
وفي عام 1971، دعا السادات النقشبندي ليحضر حفل خطبة ابنته، فكان اللقاء الشهير الذي طلب فيه الرئيس من الموسيقار بليغ حمدي أن يلحن للشيخ سيد.
وكثيراً ما يُروى أن النقشبندي شعر بالحرج حين طلب منه السادات التعاون مع بليغ حمدي استهجاناً لاستخدام الموسيقى في الابتهالات، لكن المؤكد أن النقشبندي سبق أن تعاون مع غيره من الملحنين، ما ينفي تلك الشائعة.
وروى وجدي الحكيم، الإذاعي الذي عاصر تلك الفترة، أنه اتفق مع المبتهل على إشارة تدل على مدى رضاه عن ألحان بليغ التي أعدها من أجله، وهي أن يخلع عمامته، وهو ما يقول إنه حدث بالفعل بعد أن أعجِب بالألحان، واصفاً حمدي بأنه "جِن مصوّر".
ومع ذلك، ينفي جامع تراث المبتهل تلك الواقعة، مؤكداً أن النقشبندي لم يذكر هذه الواقعة في مذكراته التي كان يسجل فيها أهم الأحداث، ومضيفاً أن خلع العمامة لا يليق بوقار الشيخ.
ويقول الصحفي أيمن الحكيم لبي بي سي إن بليغ حمدي كان يتسم بـ"الذكاء" في تلحينه للنقشبندي؛ "فلم يربط المبتهل بنوتة موسيقية كما يفعل الملحن عادة مع المغني، بل وضعه في إطار مقام موسيقيّ يغني فيه بحُرية".
خلال تلك الجلسة، كان بليغ قد انتهى من تلحين ستة ابتهالات للشيخ النقشبندي، كما يقول الحكيم، وتطور المشروع إلى نحو 15 أغنية أذيعت تباعاً في برنامج "أنغام الروح" بإذاعة صوت العرب، تبرع فيه كل من النقشبندي وحمدي بأجريهما.
وكان من بين الابتهالات والأدعية التي قدمها الثنائي الفريد وجرى تصويرها للتلفزيون المصري: "أقول أمتي" و"أشرق المعصوم" و"أي سلوى" و"ذكرى بدر" و"ربَّنا" و "أيها الساهر" و"ليلة القدر".
وكان ابتهال "مولاي" يحمل رقم 11 في قائمة ابتهالات النقشبندي وحمدي، كما يقول الحكيم، لكنه احتفظ بالصدارة بين جميع ابتهالاته الأخرى، ونال شهرة واسعة حتى يومنا هذا.
وترى الدكتور هبة عبد الفتاح، أن شهرة ابتهالات النقشبندي، لاسيما مولاي "زادت بسبب منصات التواصل الاجتماعي"، لكن السر في شهرته من قبل ذلك كان "نتيجة تواصل المنشد المباشر مع الجماهير أثناء الأداء".
على الرغم من إعجابه بصوت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب كما صرح في حديث للإذاعة المصرية، إلا أن النقشبندي لم يسعَ يوماً للتقرب من الفنانين كما هو متعارف، بل كان هو الهدف المنشود لنجوم ذلك العصر.
فيروي رضا حسن وأيمن الحكيم لبي بي سي أن أم كلثوم التي لقبت النقشبندي بـ"صوت السماء" زارت بيته القديم خلال زيارتها لطنطا، وسعت إلى تشكيل ثنائي غنائي معه، لتقديم السيرة النبوية في هيئة ملحمة تشبه ملحمة رابعة العدوية.
وأضاف الحكيم: "لكنها انشغلت بالغناء لصالح المجهود الحربي بعد ما عرف بـ"النكسة" عام 1967، كما تأثرت صحتها لاسيما بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر"، بحسب الحكيم.
وربما لو اكتمل مشروعهما، لكان هذا هو الـ"دويتو" الثاني في حياة من لُقبت بكوكب الشرق، بعد غنائها مع المطرب والممثل إبراهيم حمودة في أوائل الأربعينيات من خلال فيلم "عايدة".
جدير بالذكر أن النقشبندي غنى بصوته رباعيات الخيام التي غنتها أم كلثوم عام 1950 من ترجمة الشاعر أحمد رامي وألحان الموسيقار رياض السنباطي.
كما ينقل عمر طاهر في مقال له في أواخر التسعينيات، عن مجدي العمروسي، صديق الفنان عبد الحليم حافظ ومدير أعماله، أن العندليب (وهو لقب عبد الحليم)، كان من أشد المعجبين بالنقشبندي، وكان يحرص على الجلوس معه وسماع أغنياته بصوت المبتهل، لاسيما أغنية "لايق عليك الخال"، التي كان يعدها النقشبندي أجمل أغنيات حليم على الإطلاق.
ولربما لا يعلم الكثيرون أن النقشبندي كانت له تجربة سينمائية لم تر النور؛ حيث شارك بالتمثيل والغناء في فيلم بعنوان "الطريق الطويل" بمشاركة الفنان عبد البديع العربي ومن إخراج مصطفى كمال البدري، يحكي قصة "أولياء الله الصالحين" في مصر، من السيد البدوي إلى سيدي عبد الرحيم القنائي أو القناوي، بحسب رضا حسن.
وذكر الحكيم أن الفيلم الذي كان يؤدي فيه النقشبندي دور المنشد، صُوّرت مشاهده في "استوديو مصر" عام 1986، لكنه لم يكتمل ولم يُعرض على شاشة السينما، بسبب وفاة المخرج، كما لم تصل إلينا أغنياته التي لحنها الموسيقار حسين فوزي.
تزوج الشيخ سيد النقشبندي مرتين، وله من الأبناء ثمانية، خمسة من زيجته الأولى من ابنة عمته (صِدّيقة)، وثلاثة من زوجته الثانية (هدية) التي قضى معها آخر أربع سنوات من حياته، بعد وفاة زوجته الأولى.
ويقول جامع تراث النقشبندي إن زوجته الثانية كان قد سبق لها الزواج، وقد عُرف عنها أنها غير قادرة على الإنجاب، لكنها "أنجبت له 3 أبناء خلال 4 سنوات" فيما تناقله محبوه على أنها "كرامة" للشيخ سيد بعد زواجه منها.
ومما يروى عن "كرماته" أنه شعر بدنو أجله وقدم آخر ابتهال له بمسجد السيدة زينب بالقاهرة فيما يُشبه نعي الذات أو الوداع، حيث ترنّم بصوت حزين بكلمات لم يسبق له أن أنشدها من قبل ولم يكررها، قائلاً:
يا مُخلصاً في ذِكره أبشر بحُسنِ المُنقلَبْ
بُشراك دارٌ كلُّها نِعمٌ وما فيها تعبْ
ويروي رضا حسن لبي بي سي عن وفاته أن النقشبندي اعتاد تلاوة قرآن الجمعة في مسجد الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو، فسافر إلى القاهرة يوم الخميس وكتب وصيته وسلمها لأخيه سعد الذي كان يعيش هناك، وعاد إلى طنطا مساء الجمعة، ليرحل عن عالمنا يوم السبت في الرابع عشر من فبراير/شباط عام 1976 وهو في منتصف الخمسينيات من عمره، ليدفن في القاهرة بجوار والدته في سفح المقطم، تنفيذاً لوصيته.
واليوم، وبعد مرور قرابة خمسين عاماً على وفاته، يكاد لا يخلو شارع مصري في رمضان من صوت ابتهالات وأدعية الشيخ النقشبندي التي يصدح بها الراديو أو التلفزيون بالتزامن مع مدفع الإفطار، ناهيك عن مئات الأصوات الشابة التي تجد في صوته مساحة لاستعراض جمال أدائها.
لقد استطاع الموسيقار بليغ حمدي أن يُثبت أنه لم يكن يبالغ حين قال إنه صنع ألحاناً للنقشبندي "لتعيش 100 عام"، ولربما لم تكن تلك الألحان لتحقق هذه الشعبية الساحقة لولا الشيخ سيد الذي نقش بصوته على القلب والوجدان.