في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أنقرة- تشهد تركيا جدلا سياسيا محتدما مع تزايد التكهنات حول إمكانية ترشح الرئيس رجب طيب أردوغان لولاية جديدة، رغم القيود الدستورية التي تقف في طريقه.
وبينما تحتدم المواجهة بين الحكومة والمعارضة، تتشابك التحديات السياسية والاقتصادية في مشهد استقطابي حاد، يضع مستقبل البلاد أمام اختبار جديد، بين مشروع يسعى للاستمرار، وآخر يطمح إلى التغيير.
وتتسارع وتيرة النقاشات داخل حزب العدالة والتنمية وشركائه في تحالف الشعب، حول السبل الدستورية التي قد تتيح للرئيس أردوغان الترشح لولاية جديدة، رغم القيود التي تحول دون ذلك في ظل الوضع الحالي، حيث ينص الدستور التركي على إمكانية ترشح الرئيس الذي فاز بولايتين، شريطة أن تُجرى انتخابات مبكرة خلال الفترة الثانية من ولايته.
أكدت تصريحات نائب رئيس حزب العدالة والتنمية مصطفى أليطاش، وجود توجه داخل الحزب لتقديم موعد الانتخابات إلى أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني 2027، مشيرا إلى أن هذا الإجراء -الذي يستوجب موافقة ثلاثة أخماس (60%) البرلمان بمجموع 360 نائبا- لا يُعتبر انتخابات مبكرة بالمعنى المتعارف عليه، مشيرا إلى أن اللجوء إلى تعديل الدستور لا يزال على الطاولة.
وفي سياق متصل، يظهر تعديل الدستور كأحد الخيارات التي يروج لها "تحالف الشعب"، إذ صرح دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية وشريك أردوغان الأساسي، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بأن الدستور الجديد يهدف إلى إزالة العقبات أمام ترشح أردوغان لولاية جديدة.
إلى جانب ذلك، طرح كبير مستشاري الرئيس للشؤون القانونية محمد أوتشوم، إمكانية أن تتيح "فرصة استثنائية" للرئيس الترشح، من خلال قرار برلماني يُتخذ قبل مايو/أيار 2028.
ومع ذلك، تبدو هذه الخطوات محفوفة بالتحديات السياسية والقانونية، إذ إن الأغلبية البرلمانية المطلوبة ليست متوفرة بالكامل لدى الحزب الحاكم، مما يستدعي تحالفات جديدة أو توافقات قد تكون صعبة في ظل الانقسام الحاد بين الكتل السياسية.
من جانبه، لمّح الرئيس التركي، خلال حضوره اجتماعا لحزب "العدالة والتنمية" مطلع الشهر الجاري، في مدينة شانلي أورفا جنوب شرقي البلاد، للمرة الأولى إلى إمكانية ترشحه لولاية رئاسية جديدة.
وفي لقطة لافتة أثناء الاجتماع، دار حديث بين أردوغان والمغني التركي الشهير إبراهيم تاتليس، الذي طرح عليه سؤالا صريحا حول نيته الترشح للرئاسة مجددا، وجاء رد أردوغان مبتسما "إذا كنت أنت مع ذلك، فأنا مع ذلك أيضا".
تتصاعد دعوات المعارضة التركية لإجراء انتخابات مبكرة، وسط انقسام واضح في الإستراتيجيات والرؤى بين أحزابها، فمن جهته طالب زعيم حزب "الشعب الجمهوري" أوزغور أوزال مرارا بتحديد موعد أقصى للانتخابات المبكرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، مؤكدا جاهزية حزبه لخوض الانتخابات.
كما أكد رئيس حزب "النصر" أوميت أوزداغ، توقعه إجراء انتخابات مبكرة في منتصف عام 2025، مشيرا إلى دلائل مثل استعداد المجلس الأعلى للانتخابات وقرارات الحزب الحاكم كتقديم موعد مؤتمره العام، والأحداث في سوريا.
وأعلنت المعارضة رفضها القاطع للمشاركة في صياغة دستور جديد مع الحزب الحاكم، معتبرة ذلك محاولة لتعزيز سيطرة أردوغان على المشهد السياسي، وأكد أوزال موقف حزبه بقوله "لن نشارك في أي عمل دستوري مع من لا يحترمون الدستور الحالي".
يرى الباحث في الشأن التركي، علي أسمر في حديث للجزيرة نت، أن الرئيس رجب طيب أردوغان لديه دوافع إستراتيجية واضحة للترشح لولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ووفقا له، فإن أردوغان يسعى إلى الحفاظ على استمرارية مشروعه السياسي والاقتصادي، الذي شهد خلال فترة حكمه طفرة كبيرة في مجالات البنية التحتية والصناعات الدفاعية، فضلا عن تعزيز مكانة تركيا على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وبحسب أسمر، يعتمد أردوغان على عدة أوراق قوة تدعمه في المشهد الانتخابي، أبرزها قاعدته الشعبية الواسعة التي ما زالت ترى فيه رمزا يعبر عن تطلعاتها وهويتها، كما يستند إلى سجل إنجازاته الاقتصادية، التي يعتبرها دليلا ملموسا على نجاح سياساته، خاصة المشاريع العملاقة التي غيّرت البنية التحتية للبلاد.
أما على المستوى الخارجي، فيوضح أسمر أن أردوغان يوظف السياسة الخارجية لتعزيز صورته كزعيم قوي يدافع عن مصالح تركيا، إذ إن ملفات حساسة مثل أزمة شرق المتوسط، وقضية اللاجئين، والنزاعات الإقليمية، تمثل محاور رئيسية يستخدمها لتقوية موقفه أمام ناخبيه.
ويشير أسمر إلى أن المعارضة التركية تتخذ موقفا حاسما ضد تعديل الدستور الذي قد يسمح لأردوغان بالترشح مجددا، معتبرة أن بقاءه في السلطة يعزز مركزية الحكم ويهدد التوازن الديمقراطي، في حين تدعو للعودة إلى النظام البرلماني باعتباره حلا أكثر عدالة في توزيع السلطات.
ويضيف أن إصرار المعارضة على إجراء انتخابات مبكرة يأتي ضمن إستراتيجية تهدف إلى استغلال التحديات الاقتصادية الحالية، مثل التضخم المرتفع وغلاء المعيشة، التي تراها فرصة لإضعاف شعبية الحكومة، كما تعتمد على المكاسب التي حققتها في الانتخابات المحلية الأخيرة في المدن الكبرى لتعزيز موقفها الانتخابي.
وازداد التوتر السياسي في تركيا مع فتح تحقيقات قضائية واعتقالات طالت شخصيات بارزة من المعارضة، مما أثار نقاشا واسعا حول العلاقة بين القضاء والسياسة في البلاد.
والبداية كانت مع اعتقال رئيس فرع الشباب في حزب "الشعب الجمهوري" جيم آيدين، من منزله فجر الاثنين الماضي، بناء على قرار المدعي العام في إسطنبول، بعد أن وُجهت له تهم بـ"إهانة مسؤول عام" و"استهداف الأشخاص الذين يحاربون الإرهاب" على خلفية منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من الإفراج عنه لاحقا، فُرضت عليه قيود صارمة، منها المنع من السفر وإلزامه بالتوقيع في مركز الشرطة 3 مرات أسبوعيا.
وخلال ندوة حول القانون وتسييس القضاء، دافع رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، عن زميله آيدين بلهجة حادة، انتقد فيها المدعي العام قائلا "السيد المدعي العام، أنا أقول لك، سنستأصل العقل الفاسد الذي يحكمك من أذهان هذه الأمة، من أجل إنقاذ حتى أطفالك، سنقتلعه حتى لا يطرق أحد باب أطفالك عند الفجر بهذه الطريقة".
ودفعت هذه التصريحات المدعي العام إلى فتح تحقيق فوري ضد إمام أوغلو، متهما إياه بـ"تهديد موظف عام وعائلته"، ورد إمام أوغلو عبر حسابه في "إكس" قائلا "لم أهدد أحدا، كلماتي كانت تعبيرا عن رفض الظلم، ودعوة لتحقيق العدالة للجميع".
كما امتدت التحقيقات أيضا إلى رئيس حزب "النصر" أوميت أوزداغ، الذي وُجهت له تهمة "إهانة الرئيس"، بعد تصريحات وصف فيها سياسات أردوغان بأنها "ألحقت أضرارا جسيمة بالأمة التركية" و"بث الكراهية والعداوة المجتمعية".
بدوره، وصف زعيم حزب "الشعب الجمهوري" أوزغور أوزال، هذه التطورات بأنها "محاولة لترهيب المعارضة"، قائلا "نحن نواجه قضاء مسيّسا يُستخدم أداة في الصراع السياسي، رغم ذلك، نحن مستعدون للانتخابات المقبلة، ومرشحنا جاهز، صندوق الاقتراع هو المكان الوحيد للمحاسبة".
وفي السياق، يقول الباحث في الشأن التركي علي أسمر، إن التحقيقات الجارية مع عدد من قادة المعارضة تثير تساؤلات جدية حول توقيتها ودوافعها، ويؤكد أن الحكومة ترى هذه التحقيقات جزءا من جهودها لتطبيق العدالة ومكافحة الفساد، لكن السياق السياسي يجعل من الصعب فصلها عن التحضيرات للانتخابات المقبلة.
ووفقا له، فإن توقيت هذه الخطوات يثير الشكوك، حول احتمال استخدامها كأداة لإضعاف المعارضة، وتشويه سمعتها أمام الناخبين، مضيفا أن "هذه التحركات قد تؤدي إلى إرباك المعارضة وإضعاف قياداتها، خاصة إذا استهدفت شخصيات بارزة قد تؤثر على تماسكها الداخلي".