كشف فريق بحثي بقيادة جامعة بنسلفانيا عن الآلية الجزيئية التي يقوم عليها عمل دواء "الهيدرالازين"، أحد أقدم أدوية خفض ضغط الدم والمستخدم منذ سبعة عقود كعلاج أولي لتسمم الحمل. وفي مفاجأة علمية، وجد الباحثون أن الدواء نفسه يمكنه أيضاً وقف نمو أورام الدماغ العدوانية، ما يفتح آفاقاً علاجية جديدة في مجالين طبيين مختلفين تماماً.
وقد ظلّت آلية عمل الهيدرالازين لغزًا طوال عقود، رغم استخدامه الواسع كموسع وعائي فعّال وآمن. ويعود ذلك إلى أن الدواء طُوّر في ما يُعرف بـ"عصر ما قبل الاستهداف"، حين كان الباحثون يعتمدون على الملاحظة السريرية أولاً، قبل فهم الأساس البيولوجي لاحقاً.
ويقول الدكتور كيوسكي شيشيكورا، الطبيب والباحث في جامعة بنسلفانيا: "الهيدرالازين لا يزال العلاج القياسي لتسمم الحمل، وهو اضطراب ارتفاعي مسؤول عن 5 إلى 15% من وفيات الأمهات عالمياً".
وفي دراسة نُشرت في مجلة ("ساينس أدفانسيز " Science Advances ) بتاريخ 15 أكتوبر 2025، بيّن الفريق أن "الهيدرالازين" يعمل عبر تثبيط إنزيم يُدعى "ديوكسيجينيز 2-أمينوإيثانثيول" (ADO)، وهو إنزيم يستشعر مستويات الأكسجين في الجسم ويعمل كمفتاح جزيئي سريع الاستجابة.
وأوضحت الدكتورة ميغان ماثيوز، الباحثة الرئيسية في الدراسة: "إنزيم ADO أشبه بجرس إنذار يُفعّل نفسه بمجرد انخفاض الأكسجين. لا يحتاج إلى تصنيع بروتينات جديدة أو تعديلات جينية؛ بل يغيّر الحالة الكيميائية الحيوية خلال ثوانٍ".
ويشرح الباحثون أن الهيدرالازين، عند ارتباطه بالمركز المعدني للإنزيم، يُسكت هذا الجرس، مما يمنع تكسير بروتينات تُعرف باسم "منظمي إشارات بروتين G" (RGS). ويؤدي تراكم هذه البروتينات إلى تثبيط انقباض العضلات الملساء في جدران الأوعية الدموية عبر خفض مستويات الكالسيوم داخل الخلايا ــ وهو ما يُشار إليه على أنه "المنظم الرئيسي للتوتر الوعائي" ــ مما يؤدي إلى توسيع الأوعية وانخفاض ضغط الدم.
وأثناء البحث، لاحظ الفريق أن إنزيم ADO يلعب أيضاً دوراً حيوياً في البقاء الخلوي للأورام داخل بيئات منخفضة الأكسجين، خصوصاً في الورم الأرومي الدبقي (Glioblastoma)—أكثر أورام الدماغ الأولية عدوانية.
وقد أظهرت دراسات سابقة أن مستويات مرتفعة من ADO ومنتجاته الأيضية ترتبط بمرض أكثر شراسة، لكن الباحثين لم يكن لديهم مثبّط فعّال لاختبار فرضيتهم. وهنا برز الهيدرالازين كمرشح مثالي.
وباستخدام تقنية التحليل البلوري بالأشعة السينية في جامعة تكساس، تمكن الباحثون من توثيق ارتباط الهيدرالازين مباشرة بالمركز المعدني لإنزيم ADO.
وفي تجارب على خلايا الورم الأرومي الدبقي في جامعة فلوريدا، تبيّن أن الدواء لا يقتل الخلايا السرطانية كما تفعل العلاجات الكيميائية، بل يوقف نموها عبر تحفيز حالة "الشيخوخة الخلوية" (Senescence)—وهي حالة توقّف دائم عن الانقسام دون إحداث التهاب أو مقاومة دوائية.
وتشير النتائج إلى أن الأدوية القديمة قد تحمل إمكانيات علاجية لم تُكتشف بعد، خصوصاً عندما يُفهم عملها الجزيئي بدقة. ويشير الباحثون إلى أن الخطوة التالية تتمثل في تطوير مثبّطات جديدة لإنزيم ADO تكون أكثر استهدافاً لأنسجة معيّنة، وأكثر قدرة على اختراق الحاجز الدموي الدماغي أو استغلال نقاط ضعفه لاستهداف الورم دون التأثير على الأنسجة السليمة.
وتضيف ماثيوز، التي تأثّرت عائلتها بشكل مباشر بتسمم الحمل: "المرض لا يزال يهدد النساء، وخصوصاً الأمهات السود في الولايات المتحدة. فهم آلية عمل دواء مثل الهيدرالازين قد يقودنا إلى علاجات أكثر أماناً وفعالية".
المصدر:
يورو نيوز