في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
ينتظر أكثر من 100 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها للحصول على قلب أو كلى أو عضو آخر في إطار جراحات زراعة الأعضاء، ويفارق كثيرون منهم الحياة أثناء رحلة الانتظار. ويرى بعض الباحثين أن الأمل في إنقاذ هذه الأرواح يتمثل في الحصول على أعضاء من خنازير معدلة وراثيا، ويعتبرون ذلك هو الحل الفني لمشكلة جوهرية تتمثل في أن عدد من يحتاجون لزراعة أعضاء يفوق بكثير عدد الأعضاء التي يمكن الحصول عليها من متبرعين على قيد الحياة أو أشخاص متوفين سريريا.
وخلال السنوات القليلة الماضية، حصل عدد قليل من الأشخاص في الولايات المتحدة والصين على قلوب وأكباد وكلى خنازير معدلة وراثيا، ولكن ضمان استمرار فاعلية هذه الأعضاء داخل أجسام المرضى على المدى الطويل ينطوي على تحديات كبيرة، وفق دراسة أوردتها الدورية العلمية Annual Review of Animal Biosciences العام الماضي.
والآن بفضل تقدم العلوم التكنولوجية والطبية، بدأت شركة تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية وتحمل اسم "يونايتد ثيرابيوتيكس" بولاية ميريلاند الأميركية إجراء أول اختبارات سريرية رسمية بشأن زرع أعضاء من نوع إلى آخر، ويعتقد كثير من الباحثين أنه من الممكن أن يتحول هذا النوع من الجراحات في نهاية المطاف إلى إجراء روتيني.
ويقول الجراح محمد منصور محيي الدين مدير برنامج زراعة الأعضاء بين الأنواع الحية بجامعة ميريلاند في مدينة بلتيمور الأميركية "للأسف بينما نتحدث الآن، فإن شخصا ما يفارق الحياة في انتظار إجراء عملية زراعة أعضاء".
وبعد رحلة طويلة من تجارب زراعة الأعضاء من الحيوان، خلص العلماء إلى أن الخنازير تعد المصدر الرئيسي للحصول على أعضاء من أجل زراعتها في أجساد البشر، نظرا لسهولة تربية هذه الحيوانات وسرعة نموها، كما أن أعضاءها تماثل في حجمها حجم أعضاء البشر، ولا توجد أمراض كثيرة يمكن أن تصيب كلا من البشر والخنازير، مما يقلل فرص انتقال العدوى بين الطرفين.
ويقول وينينج كين نائب رئيس "إي جينيسيس الأميركية" لشؤون الابتكارات، وهي شركة بولاية ماساشوسيتس متخصصة في إجراء تعديلات وراثية على الخنازير من أجل استخدامها في جراحات زراعة الأعضاء، "أعتقد أن الخنزير هو متبرع مثالي للأعضاء إلى البشر"، غير أنه استطرد قائلا في تصريحات للموقع الإلكتروني Knowable Magazine المتخصص في الأبحاث الطبية "لكن من دون إجراء تعديلات وراثية على تلك الأعضاء، فإن الجسم البشري سوف يهاجمها على الفور".
ويحدث "اللفظ الحاد للأعضاء المزروعة" داخل جسم المريض عندما تتعرف الأجسام المضادة بالجهاز المناعي على العضو المزروع باعتباره جسما غريبا. ويوضح كين أن الجهاز المناعي للإنسان بمقدوره التعرف على 3 جزيئات لمواد سكرية تعيش على الأوعية الدموية للخنازير، حيث تلتصق الأجسام المضادة بخلايا هذه الأوعية وتقوم بسلسلة من التفاعلات المسببة للجلطات وتمنع تدفق الدم داخل العضو المزروع. وأضاف كين "وخلال 10 دقائق يتحول العضو من اللون الوردي إلى الأسود ويموت داخل جسم المريض".
ومن أجل التصدي لهذه المشكلة، نجح باحثون من شركتي "إي جينيسيس" و"يونايتد ثيرابيوتكس" في توظيف تقنية للتعديل الوراثي تحمل اسم CRISPER/CAS لتعديل الحمض الوراثي للخنازير، حيث نجحوا في التخلص من 3 جينات مسؤولة عن تكون الجزيئات السكرية على الأوعية الدموية للخنازير. ووجد الباحثون أن النظام المناعي البشري ظل بمقدوره التعرف على العضو المزروع ومهاجمته.
ويقول الباحث منصور محيي الدين لموقع Knowable Magazine إن الأدوية التقليدية المثبطة للمناعة التي تستخدم في حالات نقل الأعضاء بين البشر لا تعمل بنفس الفاعلية في حالة نقل أعضاء من الخنازير إلى البشر.
وعمد خبراء من الشركتين إلى إدخال جينات بشرية في خلايا الخنازير، وتقوم هذه الجينات بصنع طبقة من البروتينات البشرية على سطح خلايا الخنازير بحيث تتنكر كما لو كانت خلايا بشرية. وفي إطار تجارب مماثلة، أعلنت شركة "إي جينيسيس" أن 5 من بين 15 قردا أجريت لهم جراحات زراعة كلى من خنازير ظلوا على قيد الحياة لمدة أطول من عام.
وطور محيي الدين وباحثون آخرون أدوية يمكنها تثبيط الاستجابة المناعية للأعضاء المزروعة من أنواع أخرى، إذ نجحوا خلال التجارب في زرع قلوب خنازير داخل أجسام 5 من قردة البابون. وبفضل هذه الأدوية الجديدة، ظلت القرود على قيد الحياة لفترة وصلت إلى عامين ونصف العام.
ويأمل باحثون آخرون التوصل إلى إمكانية الاستغناء عن تناول أدوية مثبطة للمناعة لفترات طويلة بعد إجراء جراحات زرع الأعضاء عن طريق تدريب الجهاز المناعي للجسم على تجاهل العضو المزروع، سواء أكانت أعضاء مزروعة من بشر أو أنواع حيوانية.
وأجرت الباحثة ميجان سايكس مدير مركز كولومبيا للأبحاث المناعية بمدينة نيويورك الأميركية تجارب في هذا الاتجاه عن طريق زراعة أنسجة إضافية من النظام المناعي للمتبرع مثل نخاع العظام داخل جسم المريض الذي سيحصل على العضو. وتأمل من خلال هذه التقنية أن تجعل النظام المناعي للمتلقي "أكثر تسامحا" حيال العضو المزروع.
وتجري حاليا تجارب لخفض كمية الأدوية المثبطة للمناعة التي تحصل عليها بعض قرود البابون التي أجريت لها جراحات زراعة أعضاء وفق هذه التقنية الجديدة. وتقول سايكس "نحن نعيش وقتا مثيرا في مجال زراعة الأعضاء بين الأنواع الحية، وأعتقد أننا سوف نشهد تقدما ملموسا في هذا المجال في المستقبل القريب".
ويقول الباحث محيي الدين "نحن لا نزعم أننا توصلنا إلى الحل المثالي، ولكننا نأمل أن تصبح الأعضاء المزروعة من أنواع حيوانية مصدرا فعليا لتوريد الأعضاء الحية للبشر، لا سيما في ضوء التعديل الوراثي لخلايا الخنازير والتقدم الذي يتحقق في مجال الأبحاث التي قد تقلل من الحاجة إلى تناول الأدوية المثبطة للمناعة لفترات طويلة".