آخر الأخبار

الإيجارات تثقل كاهل الأتراك والحكومة تلاحق المخالفين

شارك

إسطنبول – تتصدر أزمة السكن المشهد الاقتصادي في تركيا مع انفلات أسعار الإيجارات إلى مستويات غير مسبوقة، في وقت تُظهر فيه المؤشرات الرسمية تراجع التضخم إلى 33.5% في يوليو/تموز 2025.

ورغم أن بيانات هيئة الإحصاء حدّدت معدل الزيادة في الإيجارات عند نحو 43.2%، فإن الواقع الميداني يروي قصة مختلفة تماما، إذ قفزت الأسعار في كثير من المدن، وعلى رأسها إسطنبول، إلى أكثر من ضعف المعدلات الرسمية، لتتحول الإيجارات إلى العبء الأكبر على دخل الأسر التركية.

وبينما يشير وزير المالية محمد شيمشك إلى نجاح السياسات النقدية في خفض التضخم إلى أدنى مستوى منذ 44 شهرا، يظل سوق الإيجار بعيدا عن هذا المسار، ليكشف عن فجوة حادة بين الأرقام الحكومية والواقع المعيشي اليومي.

مستويات قياسية في إسطنبول

تتمركز الأزمة بشكل أوضح في إسطنبول ، العاصمة الاقتصادية للبلاد وأكبر مدنها، حيث سجلت الإيجارات قفزات غير مسبوقة خلال العام الجاري. ووفق بيانات شركة إسطنبول لتقييم العقارات لشهر يوليو/تموز الماضي، بلغ متوسط الإيجار الشهري للشقق نحو 30 ألف ليرة (750 دولارا).

مصدر الصورة مشاريع إسكان جديدة تُشيد في هاتاي لإيواء المتضررين من زلزال العام الماضي (رويترز)

ولم تتوقف الزيادة عند هذا الحد، إذ تجاوزت بعض الأحياء الراقية سقف 60 ألف ليرة (1500 دولار) للمرة الأولى. فقد تصدرت كاديكوي القائمة بمتوسط 62 ألف ليرة (1550 دولارا)، تلتها ساريير بنحو 60 ألف ليرة، ثم بشيكتاش بـ52 ألفا، وبكركوي بـ50 ألفا، وزيتون بورنو بـ45 ألف ليرة.

لكن خلف هذه الأرقام الباردة تبرز معاناة مباشرة للأسر المقيمة في المدينة، فبحسب تقرير صادر عن دويتشه بنك لعام 2025، سجلت إسطنبول أعلى زيادة عالمية في الإيجارات خلال 5 سنوات بنسبة تقارب 193% بالليرة، وحتى عند احتسابها بالدولار بلغت الزيادة نحو 160%، ما يعني أن القفزة لم تكن نتيجة التضخم فقط، بل تعكس ارتفاعا حقيقيا في الكلفة.

معاناة المقيمين

في حديثه للجزيرة نت، يروي المقيم في إسطنبول إبراهيم الحسيني تجربته قائلا: "الإيجار يلتهم نصف الميزانية أو أكثر"، مشيرا إلى أنه كان يدفع قبل عامين نحو 12 ألف ليرة (300 دولار) لإيجار شقة متوسطة في حي شعبي، بينما يطلب المالك اليوم أكثر من 25 ألف ليرة (625 دولارا) للعقار نفسه.

إعلان

ويلفت الحسيني إلى أن الأزمة لا تقتصر على السكن وحده، بل تشمل أيضا تكاليف المعيشة اليومية من غذاء وفواتير وخدمات، مضيفا أن الرواتب لم تعد تكفي لتغطية هذه المتطلبات الأساسية، مما يضع اللاجئين والعائلات الوافدة أمام ضغوط مضاعفة.

انخفاض التملك وزيادة أعباء المستأجرين

وتعكس الإحصاءات الرسمية تحولا لافتا في سوق السكن التركي، فقد تراجعت نسبة تملك المنازل إلى 55.8% عام 2024، وهو أدنى مستوى منذ 18 عاما، ولا يُتوقع أن تتجاوز 56% هذا العام رغم برامج الدعم الحكومية، بعد أن كانت تقارب 61% عام 2014.

هذا التراجع يعني أن نحو 44% من الأسر باتت تعتمد على الإيجار، ما يضاعف الضغط على السوق العقاري.

ويتضح الأثر بشكل خاص بين الشرائح محدودة الدخل، إذ ارتفعت نسبة المستأجرين في هذه الفئة من 24.5% إلى 36.7% خلال سنوات قليلة. وحتى في الطبقة المتوسطة، انخفض معدل التملك من 58.6% إلى 56.3% خلال عام واحد فقط.

محاولات حكومية

وسعت الحكومة منذ منتصف 2022 إلى حماية المستأجرين عبر تشريع حدّد سقف زيادة الإيجار عند 25% سنويا. لكن رغم تمديد هذا السقف حتى يوليو/تموز 2024، فإن كثيرا من الملاك التفوا عليه برفض تجديد العقود ثم طرح الوحدات بأسعار جديدة أعلى، ما أفقد الإجراء فعاليته وأدى إلى نزاعات قضائية متزايدة.

مصدر الصورة أبراج سكنية فاخرة ترتفع خلف أحد مساجد إسطنبول في مشهد يعكس ازدهار سوق العقارات الفاخرة بالمدينة (رويترز)

ومع استمرار الأزمة، أطلقت الحكومة نظام التحقق الإلكتروني للإعلانات العقارية بداية 2025، بحيث لا يُنشر أي إعلان إلا من المالك مباشرة أو مكتب عقاري مرخص. وأسفرت حملات التفتيش عن فرض غرامات تجاوزت 137 مليون ليرة (3.4 ملايين دولار) على أكثر من 1100 مكتب مخالف. وارتفع عدد المكاتب المرخصة خلال أقل من عام بنسبة 20% ليصل إلى 84 ألفا و687 مكتبا، وهو ما اعتُبر خطوة لتعزيز الشفافية والحد من الإعلانات الوهمية.

وفي الأفق المتوسط، تراهن الحكومة أيضا على زيادة المعروض من المساكن، فقد أعلن وزير البيئة والتمدن مراد كوروم خطة لبناء 500 ألف وحدة سكنية اجتماعية لتوفير مساكن ميسورة لشرائح واسعة ورفع نسبة التملك، في محاولة لتخفيف الضغط عن سوق الإيجار.

عوامل ارتفاع الإيجارات

ويرى المحلل الاقتصادي عمر أكوتش أن موجات التضخم التي عرفتها تركيا في 2022 و2023 انعكست على جميع السلع والخدمات، بما فيها الإيجارات. ورغم التراجع النسبي للتضخم، فإن تكاليف المعيشة بقيت مرتفعة، مما دفع الملاك إلى رفع البدلات لتعويض المصاريف المتزايدة.

ويضيف أكوتش أن تراجع الليرة أمام العملات الأجنبية جعل كثيرا من المؤجرين يعيدون تسعير عقودهم، معتبرين أن الإيجارات القديمة فقدت قيمتها الحقيقية. كما لعبت الزلازل التي ضربت تركيا في فبراير/شباط 2023 دورا مهما في زيادة الطلب على المباني الحديثة المقاومة للهزات، خاصة في إسطنبول المعرضة لخطر زلزالي محتمل.

ووفق المحلل، فإن تدفق أكثر من نصف مليون طالب جامعي سنويا إلى المدن الكبرى، إلى جانب الوافدين الجدد إلى سوق العمل، أبقى الضغوط على سوق الإيجار في مستويات عالية. كما ساهمت زيادة تكاليف البناء وارتفاع أسعار الأراضي والتمويل في تقليص حجم المشاريع الجديدة أو رفع أسعارها، ما خلق بيئة مثالية لاستمرار القفزات في بدلات الإيجار.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار