أنفقت الحكومة الاتحادية والولايات في العام الماضي نحو 28 مليار يورو على طالبي اللجوء والاندماج فقط. أو ما يُعرف بـ"إعانة المواطن": نحو نصف المستفيدين منها يحملون الآن جواز سفر أجنبي. وهذا ما يُنتقد بوصفه "هجرة إلى أنظمة الرعاية الاجتماعية". لكن هناك أيضًا جانب آخر، جانب يفيد البلاد والناس: الكثير من المهاجرات والمهاجرين الذين يُبقون العمل جارياً في دور الرعاية والمستشفيات في ألمانيا، وسائقو الطرود من تركيا، وخبراء تكنولوجيا المعلومات من الهند. من منظور مادي بحت: هل الهجرة مجدية اقتصاديًا؟ أم أنها عبء مالي؟. تتساءل صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية حيث تكشف عن جوانب إيجابية للهجرة ظهرت في دراسة اقتصادية.
الخبير الاقتصادي مارتن فيردينغ قدّم حصيلة تتعارض مع الدراسات السابقة في هذا المجال. قال فيردينغ يوم الجمعة (السادس من يونيو/ حزيران 2025) أثناء عرض النتائج في برلين: "زيادة صافية في عدد المهاجرين إلى ألمانيا بمقدار مئتي ألف شخص سنويًا تعني على المدى الطويل زيادة بمقدار مئة مليار يورو سنويًا – وهذا تأثير هائل". فيردينغ أستاذ في جامعة الرور في بوخوم ويُعدّ أحد ما يُعرف بـ"الحكماء الاقتصاديين" الذين يقدمون المشورة للحكومة الألمانية. وبحسب قوله، فإن كل شخص يأتي إلى ألمانيا في إطار هجرة دائمة من هذا النوع، يُخفف العبء عن ميزانية الدولة بمقدار سبعة آلاف ومئة يورو سنويًا. ويأخذ الاقتصادي في حساباته، على سبيل المثال، أن المهاجرين، لا سيما اللاجئين، يتلقون دعمًا من الدولة في البداية، ويشاركون في دورات الاندماج، وغالبًا ما يظلون بلا عمل لسنوات قبل أن يجدوا وظيفة ويبدؤوا في دفع الضرائب والمساهمات الاجتماعية.
يعاني قطاع الصحة في ألمانيا من نقص حاد في العمالة الماهرةصورة من: Raquel Cunha/REUTERSوترى الصحيفة إن فيردينغ يوفّر بهذه الدراسة "ذخيرة جديدة للنقاش المحتدم حول ما إذا كانت الهجرة إلى ألمانيا تمثل ربحًا أم عبئًا". فقد قدّم الخبير الاقتصادي المعروف في فرايبورغ بيرند رافلهويشن في العام الماضي حصيلة عن الهجرة كانت متجهة في الاتجاه المعاكس وأثارت ضجة. وكان استنتاجه: "الهجرة إلى ألمانيا تشكل عبئًا ماليًا في ظل الظروف الحالية". وقد جمع رافلهويشن ما اعتبره أعباء مستقبلية ناتجة عن الهجرة، وخلص إلى مبغ ضخم ومثير للقلق. قال حينها لصحيفة "بيلد": "الهجرة، كما تحدث حتى الآن، تكلّفنا من الناحية الاقتصادية الإجمالية خمسة فاصل ثمانية تريليون يورو". وذلك على الرغم من أن المهاجرين أصغر سنًا في المتوسط من السكان المحليين، وبالتالي يمكنهم نظريًا المساهمة لفترة أطول في تمويل صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي والدولة من خلال العمل. وتُعد هذه الدراسة دليلًا، في نظر المعارضين الجذريين لسياسة الهجرة الألمانية، على فشل تلك السياسة، كما يستند إليها حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي مرارًا لتأكيد مزاعمها حول خطورة "الهجرة الجماعية" إلى ألمانيا.
لكن فيردينغ يرى أن مثل هذه الحسابات غير صحيحة. فدراسة رافلهويشن تأخذ بالحسبان ما يعنيه المهاجرون بالنسبة لميزانية الدولة وصناديق الضمان الاجتماعي، لكنها لا تُقدّر بشكل كافٍ كيف يساهمون في النمو والرخاء في البلاد – مثلًا من خلال شغل وظائف كانت ستبقى شاغرة، أو رعاية الأطفال مما يُتيح للأمهات المحليات العودة إلى العمل في وقت أبكر، أو من خلال الاستهلاك. يقول فيردينغ: "تأثيرات النمو لا تُؤخذ بعين الاعتبار".
يعاني قطاع الصحة في ألمانيا من نقص حاد في العمالة الماهرةصورة من: Raquel Cunha/REUTERSالحصيلة الاقتصادية تعتمد إلى حد كبير على مَن يهاجر وبأي طريقة. فعادةً ما يأتي مواطنو الاتحاد الأوروبي من أجل العمل، ويجدون وظيفة بسرعة، وبالتالي نادرًا ما يعتمدون على المساعدات الاجتماعية. أما طالبو اللجوء، فغالبًا ما يستغرق الأمر سنوات قبل أن يجدوا عملًا ويتمكنوا من إعالة أنفسهم. ومع ذلك، لم يتم استقبالهم بسبب الفائدة الاقتصادية، بل لمساعدتهم في أوقات الشدة. ويكتب فيردينغ في دراسته: "حجم العائدات الإضافية يعتمد قبل كل شيء على مدى جودة وسرعة إدماج المهاجرين في سوق العمل"، بحسب ما نقلت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ".
وإلى جانب فيردينغ، يؤكد اقتصاديون آخرون أيضًا على الفوائد، خصوصًا من خلال هجرة الكفاءات واليد العاملة. ويعود ذلك إلى التراجع السكاني الناتج عن الشيخوخة في ألمانيا. ويقدّر معهد أبحاث سوق العمل والمهن (IAB) أن هناك حاجة إلى نحو أربعمئة ألف مهاجر مؤهل سنويًا لتعويض هذا النقص. وقال مارسيل فراتسشر، رئيس معهد البحوث الاقتصادية الألماني (DIW)، خلال النقاش إن المهاجرين يشكلون عبئًا اقتصاديًا وماليًا كبيرًا على المدى القصير، لكنهم يحققون على المدى الطويل فائدة كبيرة للاقتصاد، وبدونهم قد لا تتمكن العديد من الشركات من البقاء، وسيضطر الكثير من المواطنين إلى تحمّل خسائر مؤلمة.
المصدر: infomigrants.net