بعد مرور أكثر من مائتي عام على رواية "فرانكنشتاين" الشهيرة، يعود الوحش الأدبي الأبرز إلى الواجهة من جديد مع إطلاق نسخة سينمائية جديدة على منصة "نتفليكس" من إخراج غييرمو ديل تورو.
وفي ضوء هذا الإنتاج الجديد، يتناول الخبراء والعلماء مسألة إمكانية إعادة إحياء الأجساد البشرية من منظور علمي حديث.
ويطرح التشريح البشري تحديات كبيرة أمام تحقيق هذه الفكرة، بدءا من تلف الأنسجة سريعا بعد الموت، وصولا إلى استحالة إعادة وظائف الدماغ.
بناء الجسد البشري
أول عقبة تواجه أي محاولة حديثة لخلق "فرانكنشتاين" هي عملية بناء الجسد نفسه. ففي الرواية الأصلية، جمع الدكتور فرانكنشتاين عظاما من مقابر الموتى، واختار بعناية أجزاء مختلفة من جثث متعددة بناء على قوتها وتناسقها.
ومن الناحية العلمية، تفشل هذه التجربة منذ خطوتها الأولى. فحين تنفصل الأنسجة البشرية عن الجسم، تبدأ بالتحلل فورا خلال دقائق. وتضمر العضلات، وتنهار الأوعية الدموية، وتموت الخلايا بسبب انقطاع الأكسجين عنها. حتى مع استخدام التبريد، لا يمكن الحفاظ على حيوية الأنسجة لأكثر من بضع ساعات.
أما عملية إعادة ربط هذه الأجزاء فتشكل تحديا أكبر. فهي تتطلب إعادة توصيل دقيقة للشرايين والأوردة والأعصاب بغرز جراحية أدق من الشعرة البشرية. ففكرة خياطة جسد كامل من أجزاء متفرقة وإعادة الحياة إليه بتوصيل الدورة الدموية بين كل هذه الأجزاء تتعارض مع كل ما نعرفه عن علم وظائف الأعضاء والإمكانيات الجراحية المتاحة.
وبتحليل عملية البناء بشكل عملي، نجد أن الأطراف وحدها تحتاج إلى أكثر من 200 عملية توصيل جراحية. ولكل قطعة نسيج، يجب تحقيق توافق نسيجي لمنع رفض الجهاز المناعي لها، مع الحفاظ على تعقيم كامل ومنع موت الأنسجة من خلال إمداد دم مستمر.
وهذه التعقيدات تجعل فكرة تجميع جسد حي من أجزاء ميتة مستحيلة علميا، حتى مع أحدث ما توصلت إليه التقنيات الطبية اليوم.
الوهم الكهربائي
تخيل أن الأجزاء اجتمعت بشكل مثالي، فهل تكفي صعقة كهربائية لإحياء الجسد؟.
التجارب القديمة التي جعلت ضفادع ميتة ترتعش أوهمت الكثيرين بأن الكهرباء تستطيع إعادة الحياة. لكن الحقيقة أن الكهرباء تنشط الخلايا الحية الموجودة أصلا لفترة وجيزة فقط، ولا تخلق حياة جديدة. وهذا يشبه تماما عمل جهاز إنعاش القلب، فهو يعيد ضبط نبض القلب عندما يكون ما يزال حيا، لكنه عاجز عن إحياء قلب توقفت خلاياه عن العمل للأبد.
معضلة العقل البشري
الدماغ البشري يعمل مثل محطة طاقة ضخمة تستهلك وقودا مستمرا من الأكسجين والجلوكوز. ويحتاج إلى بيئة مستقرة بدرجة حرارة مضبوطة، وإمداد متواصل بالدم والسائل النخاعي. وبمجرد انقطاع الإمداد، تبدأ خلايا الدماغ بالموت خلال 6-8 ساعات. ورغم إمكانية إبطاء هذه العملية بالتبريد، كما يحدث في العمليات الجراحية العصبية، تبقى زراعة الدماغ مستحيلة عمليا بسبب تعقيدات إعادة توصيل الحبل الشوكي والأعصاب.
الوعي والإدراك
لو افترضنا نجاح زراعة دماغ في جسد جديد، سيكون هذا الدماغ محملا بذكريات وشخصية شخص آخر. وقد ينشأ وعي جديد، لكنه سيكون مشوها، سجين جسد لا يستطيع الشعور أو الحركة.
والسؤال ليس تقنيا فحسب، بل فلسفيا أيضا: من سيكون هذا الكائن؟
حدود العلم الحديث
رغم تقدمنا المذهل في الطب، ما زلنا عاجزين عن خلق الحياة. فزراعة الأعضاء وأجهزة الإنعاش تبقي على الحياة الموجودة، لكنها لا تخلق حياة جديدة. وعندما يتوقف الدماغ عن العمل، تنتهي الحياة الحقيقية، وكل ما نفعله بعدها هو مجرد محافظة على المظهر الخارجي.
الدرس الأخلاقي الخالد
تذكرنا رواية فرانكنشتاين بأن الطموح العلمي يجب أن يقترن دائما بالمسؤولية الأخلاقية. ففشل فرانكنشتاين لم يكن في عدم معرفته العلمية، بل في تجاهله للعواقب الأخلاقية لعمله.
واليوم، ونحن نشهد تطورات مذهلة في الطب التجديدي وزراعة الأعضاء، تبقى الأسئلة الأساسية التي طرحتها الرواية دون إجابات كاملة. فالعلم يمكنه أن يشرح لنا كيف تعمل الأجساد، لكنه يعجز عن الإجابة عن سؤال: ما الذي يجعل الحياة إنسانية؟.
المصدر: إندبندنت
المصدر:
روسيا اليوم