ناهزت من العمر 63 عاما ومع ذلك خاضت في 24 أكتوبر 1901 مغامرة شديدة الخطورة. جلست داخل برميل ضخم مغلق وتدحرجت من قمة شلالات نياجارا وهوت إلى الأسفل مع المياه المتدفقة.
اسمها آنا إدسون تايلور وكانت تعمل معلمة وتاوزت مرحلة الشباب، فما الذي دفعها إلى المخاطرة بحياتها؟
وصفها تقرير حديث بأنها "أشجع امرأة في العالم". الحقيقة أنها أقدمت على هذه المغامرة ليس لإثبات ذلك. كانت ببساطة في حاجة ماسة للمال.
وُلدت آنا تايلور في أسرة ثرية عام 1838 في منطقة أوبورن بنيويورك، وكانت متعودة على العيش في رفاهية ورخاء.
تزوجت حين بلغت من العمر 18 عاما، والتحقت بالجامعة وأصبحت معلمة. عاشت حياة هانئة حتى عام 1865 حين ترملت بمقتل زوجها في إحدى معارك الحرب الأهلية الأمريكية.
اضطرت الأرملة إلى التخلي عن منزلها لعدم قدرتها على دفع تكاليفه. تنقلت في جميع أرجاء الولايات المتحدة وواصلت عملها في سلك التدريس، كما افتتحت أيضا بعض المشاريع الخاصة مثل مدرسة للرقص.
سمعت المرأة لأول مرة بشلالات نياجارا عام 1898 حين استقرت في مدينة باي سيتي بولاية ميشيغان. كان بعض المغامرين وقتها يمدون حبالا مشدودة فوق الشلالات ويخوضون مياهه المتدفقة من طرف إلى الآخر.
المتفرجون كانوا يدفعون عن طيب خاطر رسوما مقابل هذا النوع من الترفيه المرهق للأعصاب. لم يكن من النادر انقطاع الحبال وسقوط المغامرين في الشلال.
كانت آنا تايلور تعاني من ضائقة مالية، وخطرت لها فكرة ظنت أنها مثالية للفت انتباه زوار شلالات نياجارا والحصول على عائد. كانت ذكية وتتمتع بإرادة قوية وبتفاؤل دائم. قررت أن تكون أول من يقفز من قمة شلالات نياجارا داخل برميل.
اقتربت من تنفيذ هذا المشروع الخطير بطريقة علمية. أجرت الحسابات والقياسات الضرورية وكلفت بصنع برميل من تصميمها الخاص. وزن البرميل 72 كيلو غراما وارتفاعه مترا ونصف وعرضه 90 سنتمترا.
البرميل صنع من شرائح من خشب البلوط مثبتة بحلقات حديدية. وضعت أفرشة ووسائد داخل البرميل وغلّف بالعديد من الأشرطة الجلدية لتثبيت من يجلس بداخله.
أمرت صاحبة المغامرة أيضا الصانع بتثبيت سندان ثقيل وزنه 900 كيلو غراما في قاع البرميل كي يبقى في الماء بشكل دائم في وضع رأسي.
كانت آنا تايلور حذرة وحريصة على سلامتها. قبل أن تخاطر بحياتها، خاطرت بحياة قطتها. أجرت تجربة على البرميل. وضعت القطة داخله وبعد إغلاقه رُمي البرميل في الماء. دفعت المياه البرميل وسقط في الشلال. بعد دقائق التقط البرميل وتم فتحه. كانت القطة على قيد الحياة ولم تصب إلا بحالة من الذعر.
التجربة أثارت ضجة بين الحاضرين وسكان المدينة. كتبت الصحافة تقارير عنها، وهذا ما كانت تنتظره هذه المرأة الطموحة. بالمقابل انتبهت السلطات للخطر وقامت بحظر مثل هذه العروض.
تأجلت المغامرة الخطرة لبعض الوقت إلى أن هدأت الأمور. فعلت آنا تايلور كل ما في وسعها، وتمكنت من إقناع الجميع بأن القفزة بالبرميل آمنة.
في الساعة الرابعة من مساء 24 أكتوبر 1901، تجمع حشد كبير من المتفرجين. انطلقت عدة قوارب إلى قمة شلالات نياجارا. صعدت تايلور إلى البرميل وربطت نفسها بالأشرطة الجلدية. أُغلق البرميل وألقي في الماء.
راقب المتفرجون البرميل وهو يطفو ويسبح ببطء نحو الجرف. في لحظة ما تدفقت المياه بقوة وتكونت ما يشبه الأمواج الفوارة حول البرميل. تسارعت الحركة وفي لحظة هوى البرميل من الجرف وغطس في الماء.
مرت لحظات من الترقب في صمت رهيب. فجأة علت صرخات الابتهاج وبدأت الأيدي تشير إلى البرميل الذي تتقاذفه المياه في مجرى النهر.
سُحب البرميل إلى الشاطئ، وبعد أن أُزيل الغطاء، خرجت آنا تايلور برأسها إلى الناس. كانت سليمة ولم تصب إلا ببعض الكدمات في رأسها.
أصبحت تايلور منذ تلك اللحظة تدعى "ملكة الضباب". كانت على يقين من أن مغامرتها ستجلب لها الشهرة والثروة، إلا أن ذلك لم يحدث.
سُرق البرميل وجميع المخططات التي وضعتها. لم تستطع رسميا إثبات واقعة المغامرة رغم أنها جرت أمام أعين المئات.
لم تلق مغامرتها الاهتمام المرجو، وزاد من هذا الإهمال أن العديد من الأشخاص بعدها مروا بنفس التجربة وقفزا من الشلال الخطير، ولم تعد بذلك لقفزتها الأولى، أي قيمة تذكر.
كلفت "ملكة الضباب" محققين خاصين للكشف عن اللصوص الذين سرقوا البرميل والمخططات. عمل هؤلاء لسنوات لكنهم لم يتوصلوا إلى أي شيء.
خاطرت بحياتها وبحياة قطتها وتبددت آمالها في الثروة والشهرة. توفيت آنا تايلور، كسيرة القلب عام 1921.
دُفنت في قسم خاص بمقبرة نيويورك. هذا القسم مخصص لمن يلقى حتفه نتيجة أعمال خطيرة ومغامرات فاشلة. بهذا تضاعفت المأساة. ضاعت محاولاتها لنيل المجد والشهرة الثراء ليس فقط وهي حية بل وميتة أيضا.
المصدر: RT
المصدر:
روسيا اليوم
مصدر الصورة
مصدر الصورة