شهدت السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا لتطبيقات الزواج والارتباط عبر الإنترنت في العالم العربي، لتصبح وسيلة مفضلة لدى الشباب والفتيات للبحث عن شريك حياة. ورغم ما تقدمه هذه التطبيقات من إغراءات ظاهرة كـ "التعارف السهل والسريع"، فإن باطنها يخفي مخاطر تهدد الأمن المجتمعي والأخلاقي، بل تمتد إلى الأمن السيبراني للأفراد.
فهل هذه التطبيقات وهم أم واقع؟
وما هي مخاطرها؟
وما العقوبات التي تواجه أصحابها؟
أشار الدكتور محمد محسن رمضان، رئيس وحدة الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني بمركز العرب للأبحاث والدراسات، في تصريحات لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت"، إلى أن أبرز مخاطر تطبيقات الزواج تتمثل في أربعة عناصر: "أولها الاستغلال الجنسي، حيث يستدرج ضعاف النفوس الضحايا، خصوصًا الفتيات، تحت مسمى "التعارف الجاد"، ليجدن أنفسهن أمام محاولات ابتزازية للحصول على صور أو مقاطع شخصية تُستغل لاحقًا في أعمال غير أخلاقية. وثانيها النصب المالي، حيث تنتشر عصابات إلكترونية تستغل هذه التطبيقات للإيقاع بالضحايا وإقناعهم بتحويل مبالغ مالية تحت ذرائع مختلفة مثل تجهيزات الزواج، أو ظروف إنسانية مزيفة، أو التظاهر بأنهم من دول غنية ويحتاجون شريكًا".
وأضاف: "ثالثها الابتزاز الإلكتروني، فبعد الحصول على صور أو محادثات خاصة، يهدد المجرمون الضحية بنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، ليتحول "الحلم بالزواج" إلى "كابوس رقمي" يطارد الضحية ويدمر سمعتها. ورابعًا التشهير وضياع السمعة، حيث إن بعض هذه التطبيقات غير محمية أمنيًا، مما يجعل البيانات الشخصية في متناول القراصنة. وهنا يتحول الملف الشخصي للضحية إلى أداة للتشهير أو لتزييف حسابات وهمية باسمها".
وأشار إلى أن المواجهة تنحصر في خمسة عناصر رئيسية، "أولها التوعية المجتمعية، حيث يجب نشر الوعي بخطورة مشاركة البيانات والصور الشخصية على هذه التطبيقات، خاصة بين الشباب والفتيات. وثانيها التشريعات الصارمة، فمن الضروري سن قوانين واضحة لمراقبة هذه التطبيقات، وحجب غير المرخص منها، ومعاقبة من يستخدمها كوسيلة للنصب أو الابتزاز، ثالثها التعاون مع مزودي الخدمة، بإلزام الشركات المطورة لهذه التطبيقات بفرض معايير حماية للبيانات الشخصية، وتفعيل أنظمة التحقق من الهوية لتقليل انتشار الحسابات الوهمية".
وأضاف أن "رابعها الإبلاغ الفوري، فعلى أي مستخدم يتعرض لابتزاز أو تهديد أن يتقدم ببلاغ عاجل إلى الجهات المختصة، وعدم الخضوع للمجرمين تحت أي ظرف. وخامسها تعزيز الثقافة الرقمية، بإدخال مواد تعليمية وتوعوية عن "الأمن الرقمي" ضمن المناهج والبرامج التثقيفية، حتى نضمن جيلًا واعيًا قادرًا على التعامل مع التكنولوجيا بأمان".
واختتم بأن "الاعتماد على تطبيقات الزواج دون وعي أمني أو أخلاقي يجعلها سلاحًا ذا حدين. فكما أنها قد تفتح بابًا للتعارف، فإنها أيضًا تُعد مرتعًا للمجرمين الرقميين. والحل يكمن في التوازن بين الانفتاح الرقمي والحذر السيبراني، عبر وعي المستخدمين، وجهود الدولة، والتشريعات الصارمة، لحماية المجتمع من "زواج إلكتروني" ينتهي بابتزاز وفضائح بدلًا من الاستقرار الأسري".
من جانبه، قال مساعد وزير الداخلية الأسبق لأمن المعلومات، اللواء محمود الرشيدي، في تصريحات خاصة لـ "العربية.نت" و"الحدث.نت" إنه انتشرت في الآونة الأخيرة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل "العديد من التطبيقات الإلكترونية بأسماء مختلفة، تستغل الصعوبات الاقتصادية وغيرها التي تواجه الشباب من الجنسين وتحول أو تعوق زواجهم أو اختيار الزوج أو الزوجة المناسبة. وتدعو تلك التطبيقات مستخدميها من الجنسين إلى عرض معلوماتهم الشخصية وصورهم وأساليب الاتصال بهم حال إجابة طلباتهم، وفي مقابل ذلك تطلب سداد رسوم معينة من خلال الوسائل الإلكترونية المتاحة، وتتكرر تلك المطالبات المادية من المستخدمين".
وتابع اللواء الرشيدي: "تكمن خطورة تلك التطبيقات في أن الكثير منها تقوم بالنصب والاحتيال على مستخدميها من خلال القرصنة المعلوماتية على حساباتهم الإلكترونية وإمكانية الابتزاز الإلكتروني المادي والجنسي، وأيضًا السطو الإلكتروني على حساباتهم البنكية التي تعاملوا بها مع تلك التطبيقات. وأسفرت عمليات الرصد والمتابعة الإلكترونية أن معظم تلك التطبيقات تبث من خارج حدود الدولة باستخدام أساليب إلكترونية متقدمة للتحايل والهروب من الملاحقات الأمنية والقانونية. وبالتالي، فإن كانت تلك التطبيقات تبث من خارج الدولة فلا يمكن تتبع أو معاقبة منفذيها إعمالًا لمبدأ إقليمية القوانين ما لم تكن هناك معاهدات تعاون دولي واتفاقيات تسليم وتسلم متهمين".
وأشار مساعد وزير الداخلية الأسبق، إلى أنه بالنسبة للتطبيقات التي تتم من داخل الدولة فمن السهل تحديد المسؤولين عنها وضبطهم وغلق وإسكات تلك المواقع ثم محاكمتهم طبقًا للقوانين الخاصة بتجريم أي استخدام غير آمن وغير مشروع أو مخالف أو غير مرخص به لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها المختلفة، لافتًا إلى أنه في مصر فإن قانون العقوبات العام وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات 175/2018 يجرمان استخدام تلك التطبيقات في أية عمليات غير مشروعة وغير آمنة كالنصب والاحتيال والابتزاز الإلكتروني بأنواعه المختلفة.
وأوضح اللواء الرشيدي أن العقوبات الجنائية تتراوح بين الغرامات المادية (5 آلاف إلى 20 ألفًا) وعقوبات السجن من 3 إلى 5 سنوات، مع عقوبات احترازية أخرى تحول دون تمكين الجناة من إعادة تنفيذ جرائمهم، مشيرًا إلى أنه في مصر توجد إدارة متخصصة لتلقي بلاغات المواطنين ضحايا تلك التطبيقات الإلكترونية أو غيرها من الجرائم التكنولوجية المستحدثة، وهي إدارة مباحث الإنترنت ويعمل بها مجموعة متميزة من الضباط الآمنيين والفنيين من مختلف التخصصات (من الجنسين) ومزودين بأحدث الأجهزة الرقمية والتقنيات التكنولوجية الحديثة لتلقي بلاغات المواطنين واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة.
واختتم بالقول: "في ضوء ما سبق وما يتطلبه عالمنا الرقمي المعاصر والذي يفرض نفسه علينا بكل قوة في جميع مناحي حياتنا المعاصرة، فإننا نأمل في ضرورة تغليظ العقوبات المقررة في تلك القوانين، وخاصة بعد انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي أحدثت ثورة تكنولوجية غير مسبوقة في كافة الاستخدامات التكنولوجية والأمن السيبراني، وتنوع وزيادة غير مسبوقة في الاستخدامات غير الآمنة وغير المشروعة، وتعدد أساليب تجنب الملاحقات الأمنية والقانونية".