بأداء متقن وحضور طاغٍ، فرض ممثلان سودانيان نفسيهما بقوة على المشهد الدرامي المصري في رمضان هذا العام. إسلام مبارك، بقدرتها الفريدة على تقمص الشخصيات، أضفت بُعدًا مميزًا إلى دورها في "أشغال شقة جدا"، بينما قدّم محمود ميسرة السراج تجربة تمثيلية استثنائية في مسلسل "أهل الخطايا" لفتت أنظار الجمهور والنقاد.
لم يكن ظهور النجمة السودانية إسلام مبارك في "أشغال شقة جدا" مجرد مشاركة عابرة، بل محطة مفصلية أثبتت من خلالها قدرتها على التلون وتقديم أداء يتجاوز حدود الكوميديا التقليدية. بشخصية "مدينة"، مديرة المنزل النيجيرية، استطاعت أن تصنع كيمياء لافتة مع أبطال العمل، هشام ماجد، أسماء جلال ومصطفى غريب، ما جعل المشاهدين يتعلقون بها منذ الحلقات الأولى.
خطفت "مدينة" الأضواء بشدة في مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت حديث المستخدمين، حيث انتشرت مقاطع أدائها على نطاق واسع، وسط إشادات بطريقة تجسيدها للدور وخفة ظلها الفريدة.
نجم العمل، الفنان هشام ماجد، لم يخفِ إعجابه بأداء إسلام، حيث نشر صورة من كواليس المسلسل تجمعه بها ومع الفنانة أسماء جلال، معلقًا: "في حبك يا مدينة، شكرًا الفنانة السودانية إسلام مبارك". هذه الإشادة لم تأتِ من فراغ، إذ أظهرت إسلام تحكمًا بارعًا في استخدام صوتها وتعابيرها الجسدية، مما جعلها خيارًا مثاليًا للدور.
لكن تألقها لم يكن وليد الصدفة. فمنذ ظهورها في فيلم "ستموت في العشرين"، الذي حملها إلى الأوسكار كأول ترشيح سوداني في تاريخ الجائزة، أثبتت قدرتها على تقديم أدوار تحمل أبعادًا درامية عميقة. نجاحها الحالي قد يكون بوابتها إلى أدوار أكثر تنوعًا في الدراما العربية، خاصة بعد تعاونها مع مخرج صاحب رؤية مختلفة أتاح لها فرصة تقديم أداء أكثر نضجًا وتنوعًا.
على الجانب الآخر، يواصل محمود ميسرة السراج ترسيخ اسمه في الدراما المصرية بعد سنوات من العمل الجاد. الممثل والمؤلف الموسيقي الذي بدأ رحلته الأكاديمية في كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم قبل أن ينتقل إلى عالم المسرح والموسيقى، أصبح اليوم واحدًا من الأسماء السودانية اللامعة في المشهد الفني العربي.
مشاركته في أعمال مثل "ستموت في العشرين" و"الرضي" أكسبته خبرة سينمائية عميقة، لكنه في رمضان هذا العام أثبت أنه قادر على التنقل بسلاسة بين السينما والتلفزيون، مقدّمًا أداءً تمثيليًا لاقى استحسان النقاد. هذه الرحلة الفنية لم تكن سهلة، لكنها تعكس إصرارًا واضحًا على تطوير أدواته والبحث عن فرص جديدة تمنحه مساحة إبداعية أوسع.
بدوره، يؤكد الناقد الفني هيثم الطيب لـ"العربية.نت" أن نجاح إسلام مبارك ومحمود ميسرة السراج لا يعود فقط إلى موهبتهما الفطرية، بل إلى التطوير المستمر في أدواتهما التمثيلية واستفادتهما من البيئة الفنية المصرية، التي تُعد واحدة من أعظم مناخات الدراما العربية.
ويضيف الطيب لـ"العربية.نت": "الموهبة وحدها لا تكفي للاستمرار في الساحة الفنية المصرية، فالأمر يحتاج إلى تطوير مستمر ومرونة في التعامل مع مدارس الإخراج المختلفة. وهذا ما نجح فيه كلاهما، إذ استطاعا تحقيق كاريزما خاصة بشخصياتهما، وخلق صورة مشرفة للممثل السوداني في المحافل العربية".
وينهي الطيب حديثه لـ"العربية.نت" قائلا:" لا شك أن هذه التجربة قد تفتح آفاقًا أوسع لكلا الفنانين، خاصة أن الدراما المصرية تمتلك القدرة على اكتشاف المواهب وصقلها من تجربة إلى أخرى. ما قدمته إسلام مبارك في أشغال شقة جدا، وما يضيفه محمود ميسرة السراج لمسيرته، يؤكدان أن الممثل السوداني قادر على تحقيق حضور قوي متى ما توفرت له البيئة المناسبة والتدريب المطلوب".
في النهاية، يبدو أن ما بدأ كنقطة ضوء في مشهد رمضان هذا العام، قد يتحول إلى مسار جديد يكرّس حضور الممثلين السودانيين في الدراما العربية. فهل يكون هذا النجاح مجرد بداية لقفزة أكبر نحو النجومية؟