آخر الأخبار

ما سر نهضة الكرة المغربية وطفرة الإنجازات العالمية؟

شارك

شهدت كرة القدم المغربية خلال السنوات الأخيرة تحوّلا نوعيا جعلها واحدة من أبرز تجارب النجاحات الرياضية في أفريقيا والعالم العربي، بعد سلسلة من الإنجازات غير المسبوقة شملت منتخبات الرجال والسيدات والفئات السنية، إضافة إلى كرة الصالات.

تحوّل لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة مشروع إستراتيجي طويل الأمد أعاد بناء المنظومة الكروية على أسس مؤسسية وتنموية.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 ملعب الحسن الثاني منافس سانتياغو برنابيو على نهائي كأس العالم 2030
* list 2 of 2 هذه فرص المغرب لصدارة المجموعة في كأس أمم أفريقيا على حساب زامبيا end of list

طفرة الإنجازات العالمية للمغرب

وتجسدت أبرز ثمار هذا المسار في تألق الكرة المغربية عالميا، إذا نجح منتخب أقل من 20 سنة أن يظفر بلقب كأس العالم بتشيلي على حساب الأرجنتين في أبرز إنجاز للكرة المغربية والعربية بعدما استطاع المنتخب الأول أن يبلغ نصف نهائي كأس العالم قطر 2022، في إنجاز تاريخي غير مسبوق عربيا وأفريقيا.

إلى جانب وصول منتخب السيدات إلى ثمن نهائي كأس العالم 2023، وبلوغ منتخب أقل من 17 عاما الدور ذاته في مونديالي إندونيسيا 2023 وقطر 2025.

مصدر الصورة تتويج منتخب المغرب لأقل من 20 سنة أبرز إنجاز عالمي للكرة المغربية حاليا (الفرنسية)

يضاف إليهم تأهل المنتخب الأولمبي إلى أولمبياد باريس 2024، ليفاجئ الجميع بحصده للميدالية البرونزية في المنافسة.

كما حقق منتخب كرة الصالات قفزة لافتة بتتويجه بكأس القارات 2022، وبلوغه ربع نهائي كأس العالم 2021.

وقد كان الرجاء المغربي السباق لفتح أبواب العالمية للكرة المغربية بوصوله لنهائي كأس العالم للأندية سنة 2013 كأول ناد مغربي وعربي يفعل ذلك.

هيمنة قارية مغربية متصاعدة

على المستوى الأفريقي، فرضت الكرة المغربية حضورها بقوة، حيث توج منتخب المحليين بلقبي كأس أفريقيا للاعبين المحليين (الشان) عامي 2020 و2024، في حين أحرز منتخبا أقل من 23 وأقل من 17 عاما كأس أمم أفريقيا عامي 2023 و2025 على التوالي.

وتواكب هذا التألق بسطوة الأندية المغربية قاريا، بتتويج الوداد الرياضي بدوري أبطال أفريقيا 2022، والرجاء الرياضي بكأس الاتحاد الأفريقي 2021. كما واصلت سيدات الجيش الملكي، العمود الفقري للمنتخب النسوي، هيمنتهن القارية بإحراز دوري أبطال أفريقيا للسيدات عامي 2022 و2025.

إعلان

ورغم ذلك، اكتفى المنتخب النسائي ببلوغ نهائي كأس أمم أفريقيا عامي 2022 و2024 دون التتويج باللقب.

وتأمل الجماهير المغربية في أن يستغل المنتخب الأول إقامة بطولة أفريقيا على أرضه وبين جماهيره للظفر بالتاج الأفريقي الغائب منذ سنة 76، ليكون تاج الألقاب، خاصة بعد عودة أبناء السكتيوي قبل أيام بلقب كأس العرب من قطر بعد تألق لافت كالعادة.

مصدر الصورة لقب كأس العرب قطر 2025 أحدث تتويجات الكرة المغربية (الفرنسية)

ما سر نهضة الكرة المغربية

هذا الزخم المتواصل أعاد طرح سؤال جوهري لدى المتابعين والمحللين: ما سر هذه نهضة الكرة المغربية المتسارعة؟ تتعدد الإجابات، لكنها تلتقي عند حقيقة واحدة مفادها أن "النجاح لا يأتي صدفة".

التخطيط الجيد والرؤيا الصائبة

قبل أقل من عقدين، عاشت الكرة المغربية مرحلة تراجع، تمثلت في الغياب عن عدة نسخ من كأس أمم أفريقيا، والفشل في بلوغ كأس العالم بين 1998 و2018، وسط غياب رؤية واضحة لاكتشاف المواهب وتطويرها، وضعف الاحترافية في التسيير.

هذا الواقع بدأ يتغير مع إطلاق مشروع إصلاحي شامل قاده رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع منذ توليه المنصب عام 2017، مستندا إلى رؤية أوسع تعود جذورها إلى الرسالة الملكية الموجهة لمناظرة الصخيرات عام 2008، والتي أرست أسس إعادة هيكلة الرياضة الوطنية.

مصدر الصورة رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم فوزي لقجع راعي مشروع الإصلاح الكروي المغربي (مواقع التواصل الاجتماعي)

ويقول الدولي المغربي السابق يوسف شيبو، في حديث للجزيرة نت، إن "الطفرة التي شهدتها كرة القدم المغربية انطلقت فعليا قبل نحو 10 سنوات، من خلال إعداد إستراتيجية واضحة ومخطط متكامل للنهوض باللعبة".

بنية تحتية وتكوين قاعدي

ركز المشروع على تطوير البنية التحتية الرياضية، عبر بناء ملاعب حديثة وتجديد أخرى، مما مكّن المغرب من استضافة بطولات قارية كبرى، وأسهم في فوزه بشرف تنظيم كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال.

مصدر الصورة ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط تحفة فنية من ملاعب كأس أمم أفريقيا المغرب 2025 (رويترز)

لكن حجر الزاوية في هذا التحول كان أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي أُنشئت عام 2009 كنموذج يجمع بين التكوين الرياضي والتعليم الأكاديمي. الأكاديمية تحولت، مع مرور الوقت، إلى خزان إستراتيجي للمواهب، وأسهمت في بروز أسماء وازنة في المنتخبات الوطنية، مثل يوسف النصيري، ونايف أكرد، وعز الدين أوناحي، إلى جانب لاعبين في منتخبات الشباب والسيدات.

ويضيف شيبو: "بداية المخطط كانت بالبنى التحتية، حيث أسهمت الدولة في تسخير كل ما يمكن أن يساعد في تطوير البنى التحتية في كل مناطق الدولة من ملاعب وفنادق ومراكز التكوين داخل الأندية ومراكز التكوين الجهوية التابعة للاتحاد المغربي ومركز محمد السادس للمنتخبات".

مصدر الصورة

الاستثمار في الكفاءة الوطنية

كما يشير يوسف شيبو إلى أهمية اهتمام المسؤولين عن الكرة المغربية بالكادر التأطيري الوطني من مؤطرين ومدربين، والنتائج المحققة كان وراءها أطر مغربية، حيث تم تأهيل المؤطرين وتكوينهم.

وإلى جانب تطوير اللاعبين، أُتيحت الفرصة للمدربين المغاربة لاكتساب الخبرة والتكوين، مما أفضى إلى تولي كوادر وطنية تدريب مختلف المنتخبات السنية، من طارق السكتيوي إلى محمد وهبي ونبيل باها وصولا إلى المنتخب الأول بقيادة وليد الركراكي.

المدرب محمد وهبي قاد منتخب المغرب تحت 20 عاما للفوز بمونديال الشباب (الفرنسية)

اعتمد المشروع المغربي أيضا على استقطاب اللاعبين من أبناء الجالية المغربية في أوروبا، خاصة في دول ذات تقاليد كروية راسخة مثل فرنسا وإسبانيا وهولندا.

إعلان

ويتابع شيبو حديثه للجزيرة نت بقوله "والأمر لم يقتصر على المدربين فقط أو الفريق الأول، بل كان هناك خطة لرفع مستوى الفئات الشبابية من خلال البحث عن أي لاعب مغربي موهوب في جميع الأعمار في المغرب وخارجها. كما تم التركيز على اللاعبين المغاربة الناشطين في أفضل الأكاديميات والنوادي الأوروبية الكبيرة كأياكس أمستردام، وبرشلونة، وفرنسا".

ويشير إلى أنه "تمت الاستعانة بمجموعة من كشافي المواهب في كل المناطق في العالم للبحث عن أفضل المواهب وإقناعها بتمثيل المغرب، مما أعطى إضافة لكل المنتخبات".

وبفضل هذه السياسة، عزز المنتخب صفوفه بنجوم مثل حكيم زياش وأشرف حكيمي أفضل لاعب أفريقي لسنة 2025 وسفيان أمرابط ونصير مزراوي، الذين لعبوا دورا محوريا في إنجاز المربع الذهبي بمونديال قطر 2022.

كما أن تألق المنتخب المغرب عالميا واستمرارية مشاركته في بطولات العالم والمنافسات الأولمبية، سهل على المسؤولين مهمة إقناع المواهب ذات الجنسيات المزدوجة في اختيار تمثيل المغرب.

أشرف حكيمي وحكيم زياش أبرز المواهب التي استفاد منها المنتخب المغربي في مونديال 2022 (غيتي )

أكاديمية محمد السادس.. مشروع دولة

بعكس معظم الأكاديميات المرتبطة بحاجات الأندية، وُلدت أكاديمية محمد السادس من تصور وطني لإصلاح كرة تم ثل نموذج المدافع القائد الهادئ، بينما يمنح عز الدين أوناحي المنتخب إيقاعه الفني، ويؤمّن أسامة ترغالين التوازن في وسط الميدان.

أما يوسف النصيري، الذي التحق بالأكاديمية بإمكانات محدودة، فقد صقل تكوينه ليصبح مهاجما حاسما في المواعيد الكبرى، ويأتي عبد الحميد آيت بودلال امتدادا لجيل قادم يحمل المعايير نفسها.

جانب من ملاعب أكاديمية محمد السادس في المغرب (الجزيرة)

رؤية تحولت إلى مؤسسة

يؤكد طارق الخزري، رئيس قسم التوظيف في أكاديمية محمد السادس، أن نجاح المشروع لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة رؤية وإستراتيجية ملكية واضحة.

ويقول: "أكاديمية محمد السادس نتاج رؤية ومبادرة ملكية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس".

طارق الخزري مسؤول التوظيف في أكاديمية محمد السادس (الصحافة المغربية)

وبعكس الأكاديميات العالمية التي تنشأ غالبا لخدمة أندية بعينها، أسست الأكاديمية لتلبية طموح وطني طويل الأمد لإنتاج لاعبين نخبويين بشكل منتظم.

أوكلت المهمة إلى المدرب الفرنسي المغربي ناصر لارجيت، أول مدير فني للأكاديمية، الذي يصف المشروع بأنه "ورقة بيضاء يجب تصميم المؤسسة قبل تصميم اللاعبين".

وبين 2007 و2010، تم تطوير الخطة المعمارية، المنهج الرياضي، النموذج التعليمي ومسار اختيار اللاعبين، لتختار الأكاديمية 37 لاعبا فقط من بين أكثر من 15 ألف مرشح.

ناصر لرقط أول مدير فني لأكاديمية محمد السادس (مواقع التواصل)

وبعد عامين فقط، بدأت علامات النجاح بالظهور، مع انضمام لاعبي الأكاديمية إلى فرق الشباب والمنتخبات الأولمبية.

يقول شيبو: "زيادة على ما ذكرت فإن تأسيس أكاديمية محمد السادس سنة 2009، كان هو لب المشروع. فاليوم نرى أمثلة ناجحة تكونت وتخرجت من الأكاديمية كأكرد وأوناحي والنصيري، ليلعبوا مع الأندية ثم احترفوا في الخارج".

قصص نجاح نجوم المغرب

ويقول شيبو: "هذا هو الأساس هو البدء من القاعدة، من الفئات السنية والشباب. وما وصلنا إليه من ألقاب هو نتيجة العمل القاعدي وتطوير البنى التحتية، حتى مستوى الأندية تطور من خلال منحها ملاعب ذات عشب طبيعي، ومرافق عالمية".

ويضيف نجم المغرب السابق: "شخصيا أسهمت في هذا المشروع بتأسيس أكاديميتي في قنيطرة. والتي تشتغل بشكل احترافي، تتوافر على جميع المرافق، ولدينا لاعبون من كل مناطق المغرب، حيث إن منهم من وقعوا عقودا مع أندية محلية ومنهم من حصل على عقد احترافي أوروبي".

(من اليمين) أوناحي وأكرد والنصيري وعبد الحميد آيت وبودلال من خريجي أكاديمية محمد السادس (وكالات)

الموهبة بالفطرة في شمال أفريقيا

يختم يوسف شيبو حواره مع الجزيرة نت مشيرا إلى أن دول شمال أفريقيا كالمغرب والجزائر وتونس ومصر تزخر بالمواهب، وبالمادة الخامة المميزة التي تنافس المواهب العالمية وما تحتاجه هو التكوين والتأطير بشكل جيد ومستمر والأمثلة كثيرة ومتعددة كمحمد صلاح وأبو تريكة، أكرد، المساكني وعمورة وغيرهم.

التعليم قبل الكرة

رغم النجاحات الرياضية، يصر القائمون على الأكاديمية على أن جوهر التجربة تعليمي بالدرجة الأولى. يقول لارغيت: "عندما تحدثنا عن التعليم، كنا نتحدث عن كل شيء".

إعلان

الانضباط، الحياة الجماعية، الدراسة الموازية لكرة القدم، والاستعداد لما بعد الاعتزال، كانت ركائز أساسية. فمعظم الأطفال الذين التحقوا بالأكاديمية في سن مبكرة لم يصبحوا محترفين، وكان ذلك واضحا منذ البداية. "المسيرة تنتهي في سن الـ30 أو الـ35، ويجب الاستعداد لما بعدها"، يوضح لارغيت.

الشباب والسيدات في صلب المشروع

إلى جانب الأكاديمية، ألزمت الجامعة الأندية بإنشاء فِرَق للفئات السنية، مما وسّع قاعدة اكتشاف المواهب ورفع مستوى المنافسة محليا. كما حظيت كرة القدم النسائية بدعم خاص، تُوّج بتتويج الجيش الملكي بدوري أبطال أفريقيا للسيدات، وظهور مشرّف للمنتخب الوطني في كأس العالم.

وفي عام 2020، خصصت الجامعة منحة الدعم التي قدمها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لمواجهة تداعيات جائحة كورونا لتطوير كرة القدم النسائية، بما في ذلك التعاقد مع المدرب الفرنسي رينالد بيدروس، وتوسيع دائرة اكتشاف اللاعبات داخل المغرب وخارجه.

كرة القدم كرافعة اقتصادية

في هذا السياق، يرى فوزي لقجع أن التجربة المغربية باتت نموذجا يبرز الدور الإستراتيجي لكرة القدم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بأفريقيا. ويؤكد أن نجاح هذا النموذج يقتضي الاستثمار في التكوين والحوكمة، لأن كرة القدم "لم تعد نشاطا محدود الموارد، بل نظاما اقتصاديا متكاملا".

ويعزز هذا الطرح ما يقدمه أكاديميون، مثل رئيس جامعة محمد الخامس محمد رشاشي، الذي يعتبر أن اقتصاد كرة القدم أصبح مسارا واعدا لجذب الاستثمارات وخلق فرص الشغل، ورافعة من روافع القوة الناعمة والإدماج الاجتماعي.

كأس أفريقا في المغرب.. اختبار المشروع

ومع احتضان المغرب كأس أمم أفريقيا 2025، لا يقتصر الرهان على التتويج بل يتجاوز ذلك إلى تأكيد نجاعة المشروع. بالنسبة للاعبين، تحمل البطولة معنى خاصا.

يقول نايف أكرد: "اللعب في كأس أمم أفريقيا على أرض الوطن شرف عظيم"، مضيفا أن المسؤولية تتمثل في "الدفاع عن الأكاديمية، وعن البلد وقيمه".

من حفل افتتاح بطولة كأس أفريقيا المغرب 2025 (رويترز)

إرث المغرب يتشكل

هل سيكون كأس أفريقيا تتويجا لمسار طويل، أم محطة تأسيسية لمرحلة جديدة؟ يجيب طارق الخزري: "أختار الأمرين معا".

وبين حلم اللقب وترسيخ النموذج، تبدو كرة القدم المغربية أمام اختبار يتجاوز النتائج، نحو تثبيت مشروع بدأ قبل نحو عقدين، بصبر وتخطيط، وأعاد رسم موقع المغرب على خريطة كرة القدم الأفريقية والعالمية.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا