في ليلة باذخة الأضواء والدموع، وقف النجم الفرنسي عثمان ديمبيلي على منصة الكرة الذهبية، حاملا بين يديه جائزة طالما بدت بعيدة المنال. وإلى جانبه، كانت والدته فاطيماتا، التي رافقته في رحلة الصعود الشاقة. ولكن خلف هذا التحول اللافت في مسيرة الجناح الفرنسي، هناك شخصية أخرى كان لها التأثير الأكبر وهي زوجته المغربية ريمة إيدبوش.
من نجم ضائع إلى أفضل لاعب في العالم
قبل سنوات فقط، كان ديمبيلي مثالا للموهبة المهدورة. فقد عانى من إصابات متكررة، وتورط في مواقف غير احترافية، وتأخر عن التدريبات، وانشغل بألعاب الفيديو، إلى جانب واقعة عنصرية أحرجته بشدة أثناء وجوده في برشلونة. وقتها، بدا أن مستقبل اللاعب الموهوب في طريقه للانهيار.
لكن كل ذلك تغيّر بعد زواجه من ريمة في عام 2021. شابة مغربية، اشتهرت سابقا على وسائل التواصل الاجتماعي بتقديم محتوى عن الأزياء المحتشمة ونمط الحياة المحافظ، ونجحت في أن تكون نقطة التحول في حياة اللاعب الفرنسي.
ريمة.. "المرأة الخفية" التي غيرت مسار ديمبيلي
ريمة، التي لطالما فضّلت الخصوصية ولم تكشف عن وجهها في الصور احتراما لقناعاتها الدينية، كانت العنصر الثابت في حياة ديمبيلي. اختارت الابتعاد عن الأضواء، وحذفت حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وركّزت على دعم زوجها من خلف الكواليس.
ويُقال إن التزامها الديني وأسلوب حياتها البسيط كان له تأثير بالغ على ديمبيلي، الذي بدأ يتحول تدريجيا من لاعب مثير للجدل إلى نموذج في الانضباط. وبعد الزواج، أنجب الزوجان طفلتهما، واختارا عدم الكشف عن اسمها حفاظا على خصوصيتها، بينما يشير إليها ديمبيلي بـ"الكتالونية" كونها وُلدت في برشلونة.
التغيير يبدأ من الداخل
مع بداية التغيير، قرر ديمبيلي توظيف أخصائي تغذية يعيش معه، وبدأ الخضوع لعلاجات خاصة للوقاية من الإصابات التي لطالما أعاقت مسيرته. كذلك، بدأ يظهر على أرضية الملعب بعقلية مختلفة، يركض، يدافع، يضغط، ويبذل جهداً لا يُصدق، ما جعل الجماهير تصفه بـ"اللاعب الجديد".
في باريس سان جرمان، حيث يلعب حاليا، أصبح من الأعمدة الأساسية للفريق، ويبدو أكثر نضجا وتوازنا، في الملعب وخارجه. وما كان يبدو مستحيلا قبل سنوات، أصبح واقعا هذا الأسبوع بعد تتويجه بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم.
جذور القوة: الأم والأب والأسرة
إلى جانب ريمة، لا يمكن تجاهل دور والدة ديمبيلي، فاطيماتا، التي لعبت دورا محوريا في تربية ابنها الأكبر، خاصة بعد انتقال الأسرة من غرب إفريقيا إلى فرنسا بحثا عن مستقبل أفضل. كانت الأم بمثابة "المدير الرياضي" للعائلة، وقادت مفاوضات انتقاله إلى دورتموند ثم برشلونة.
وفي تصريحاتها عقب تتويجه، قالت لصحيفة لو باريزيان: "حتى في شبابه، كان يحلم ببرشلونة، لكن الكرة الذهبية؟ لم نتخيل هذا يوماً. ومع ذلك، لست مندهشة، كنت أعلم أنه قادر على الوصول إلى القمة".
أما ديمبيلي، فقد أجهش بالبكاء على المسرح، قائلا: "لقد وقفت والدتي إلى جانبي في أصعب اللحظات".
من السقوط إلى القمة
ديمبيلي أمضى 784 يوما مصابا خلال فترة وجوده في برشلونة، وتعرض لـ14 إصابة عضلية، ما جعله أحد أكثر اللاعبين غياباً عن الملاعب. لكن بعد التغييرات الجوهرية في حياته الشخصية، تغير كل شيء.
والآن، وبعد سنوات من الشكوك والانتقادات، يقف ديمبيلي في قمة الهرم الكروي العالمي. وبفضل التزامه، ووقوف زوجته إلى جانبه، ودعم والدته، استطاع النجم الفرنسي أن يغيّر صورته من لاعب متهور إلى أسطورة في طور التكوين.