آخر الأخبار

من فلسطين إلى الصومال: كيف تحوّلت أنظمة التطبيع إلى خط دفاع عن المشروع الصهيوني

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

من فلسطين إلى الصومال: كيف تحوّلت أنظمة التطبيع إلى خط دفاع عن المشروع الصهيوني

الجزائرالٱن _ في لحظة تاريخية كان يُفترض أن تشهد وقوف الأمة العربية والإسلامية صفاً واحداً ضد عدوان صهيوني سافر على سيادة دولة عربية، اختارت ثلاث دول أن تتخلى عن أبسط واجباتها القومية والدينية: المغرب، والإمارات، والبحرين.

لم تكتفِ هذه الدول بالصمت المريب، بل امتنعت صراحة عن التوقيع على بيان عربي وإسلامي جامع يرفض اعتراف الكيان الصهيوني بما يسمى “دولة أرض الصومال” الانفصالية، في سابقة خطيرة تكشف حجم الارتهان السياسي والأخلاقي الذي وصلت إليه هذه الأنظمة.

مصدر الصورة

ما حدث ليس حادثة عابرة أو موقفاً دبلوماسياً تقنياً، بل هو تجسيد صارخ لحقيقة مرة: هذه الدول لم تعد جزءاً من المنظومة العربية والإسلامية في مواقفها وسياساتها.

بل أصبحت أدوات طيّعة في يد المشروع الصهيوني، تنفذ أجندته، وتحمي مصالحه، وتصمت عن جرائمه، حتى لو كان الثمن تمزيق الوطن العربي وتفتيت دوله.

● نمط متكرر من الخيانة المنهجية

الامتناع عن التوقيع على البيان الخاص بالصومال ليس حدثاً معزولاً، بل هو حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المواقف المخزية التي تبنتها هذه الدول منذ إمضائها اتفاقيات التطبيع المشبوهة مع الكيان الصهيوني.

مصدر الصورة

منذ ذلك الحين، دأبت المغرب والإمارات والبحرين على الانسحاب التدريجي من أي موقف عربي أو إسلامي جماعي يدين تجاوزات الكيان الصهيوني، مهما بلغت فداحتها، ومهما كان ضحاياها من أبناء الأمة.

● غزة .. الصمت المتواطئ على الإبادة

عندما شنّ الكيان الصهيوني حرب إبادة ممنهجة على قطاع غزة، راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء، وقفت الأمة العربية والإسلامية – رغم ضعفها – محاولة إصدار بيانات استنكار وإدانة.

لكن المغرب والإمارات والبحرين كانت دائماً في موقع المتردد، المتحفظ، أو الممتنع صراحة عن أي إدانة واضحة للكيان الصهيوني.

بينما كانت جثث الأطفال تُنتشل من تحت الأنقاض، وبينما كانت المستشفيات تُقصف، والمدارس تُدمر، والمخيمات تُحرق، كانت هذه الدول مشغولة بحماية صورة “الكيان الصهيوني الديمقراطي”، وبتبرير صمتها بحجج واهية حول “الحياد” و”عدم التدخل” و”الحكمة السياسية”.

لكن الحقيقة أبسط وأمرّ: هذه الدول تعهدت بموجب اتفاقيات التطبيع السرية بعدم انتقاد السياسات الصهيونية، مهما كانت وحشيتها.

● العدوان على لبنان وسوريا ..غض الطرف المُمنهج

لم يقتصر الأمر على غزة. عندما اعتدى الكيان الصهيوني على لبنان، وقصف مناطق مدنية، وانتهك السيادة اللبنانية بشكل متكرر، كان الموقف ذاته: صمت مريب، تحفظ مشبوه، وامتناع عن أي إدانة صريحة. وعندما شنّ العدوان الصهيوني غارات على الأراضي السورية، كان الموقف نفسه.

مصدر الصورة

بل إن المغرب، الإمارات والبحرين ذهبتا إلى أبعد من ذلك، حيث عملتا على تطبيع العلاقات الأمنية والاستخباراتية مع تل أبيب، وفتحت أراضيها لمشاريع استثمارية صهيونية.

وأقامت علاقات تجارية وثقافية وسياحية مع دولة الاحتلال، في الوقت الذي كانت فيه هذه الدولة تقتل العرب وتهدم بيوتهم وتسرق أراضيهم.

● اتفاقيات التطبيع .. عقود العبودية الطوعية

لفهم هذا السلوك الخياني المتكرر، يجب العودة إلى طبيعة اتفاقيات التطبيع التي وقّعتها هذه الدول مع الكيان الصهيوني. هذه الاتفاقيات لم تكن مجرد “اتفاقيات سلام” كما تُسوَّق إعلامياً، بل كانت عقود استسلام وارتهان شامل.

● البنود المخفية .. التعهد بحماية الكيان الصهيوني

تشير تسريبات ومعلومات موثوقة إلى أن هذه الاتفاقيات تضمنت بنوداً سرية تلزم الدول الموقّعة بـ:

1 ت عدم انتقاد السياسات الصهيونية علناً، مهما كانت طبيعتها أو فداحتها.

2 ـ الامتناع عن دعم أي بيانات أو قرارات دولية تدين الكيان الصهيوني في المحافل الإقليمية والدولية.

3 ـ التعاون الأمني والاستخباراتي الكامل مع الأجهزة الصهيونية، بما في ذلك تبادل المعلومات عن “الجماعات المعادية للكيان الصهيوني”.

4 ـ فتح الأسواق والمجالات الاقتصادية والثقافية للنفوذ العبري دون قيود.

5 ـ العمل على تطبيع الرأي العام العربي مع الكيان الصهيوني من خلال الإعلام والتعليم والثقافة.

هذه البنود تحوّل الدول الموقعة إلى دول تابعة، محمية، مرتهنة، فاقدة لسيادة قرارها، عاجزة عن الدفاع حتى عن أبسط مصالح الأمة التي تنتمي إليها.

● الصومال .. تهديد الوحدة الترابية لدولة عربية

ما حدث في حالة الصومال يمثل ذروة الانحطاط والخيانة. فللمرة الأولى، يُقدم الكيان الصهيوني على خطوة استفزازية غير مسبوقة: الاعتراف بكيان انفصالي على أراضي دولة عربية عضو في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

هذا القرار ليس مجرد موقف سياسي، بل هو تهديد مباشر للوحدة الترابية لدولة عربية، وهو سابقة خطيرة قد تُستخدم لاحقاً ضد دول عربية أخرى تعاني من نزاعات انفصالية أو إقليمية.

إنه ضوء أخضر صهيوني لتمزيق الدول العربية وتفتيتها، ورسالة واضحة بأن تل أبيب ستتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وستدعم أي حركة انفصالية تخدم مصالحها الاستراتيجية.

● عجز الأنظمة المطبّعة عن التنديد

رغم فداحة هذا العدوان، ورغم خطورته على مستقبل الأمة العربية بأسرها، عجزت المغرب والإمارات والبحرين عن التوقيع على بيان بسيط يرفض هذا القرار.

لم تطلب منها الدول العربية قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ولم تطلب منها إعلان الحرب، ولم تطلب منها حتى فرض عقوبات اقتصادية. كل ما طُلب منها هو التوقيع على بيان استنكار، مجرد كلمات على ورق، لكنها عجزت حتى عن ذلك.

هذا العجز ليس ضعفاً، بل هو خيانة واعية ومتعمدة. إنه تنفيذ حرفي لبنود اتفاقيات التطبيع التي تمنع هذه الدول من انتقاد الكيان الصهيوني، حتى لو كانت تل أبيب تهدد بتفكيك دول الأمة وتمزيق وحدتها.

● الثمن الباهظ .. من بيع فلسطين إلى بيع الصومال

المغرب والإمارات والبحرين التي صمتت عن فلسطين، وصمتت عن غزة، وصمتت عن لبنان وسوريا، تصمت اليوم عن الصومال. وغداً ستصمت عن دولة عربية أخرى، ثم أخرى، حتى يأتي دورها هي نفسها.

التطبيع لم يكن “سلاماً” كما صُوِّر، بل كان استسلاماً كاملاً وتخلياً عن كل ثوابت الأمة. كان بيعاً للقضية الفلسطينية، وللقدس، وللمقدسات، وللكرامة العربية، وللسيادة الوطنية.

والثمن الذي دُفع لقاء هذا التطبيع لم يكن مجرد اعتراف بالكيان الصهيوني، بل كان التخلي الكامل عن حق الدفاع عن مصالح الأمة وسيادة دولها.

● عندما يصبح كل عربي هدفاً

ما يحدث اليوم للصومال قد يحدث غداً لليمن، أو السودان، أو ليبيا، أو حتى للمغرب، أو للإمارات في جزرها المحتلة، أو للبحرين في نزاعاتها الحدودية. الكيان الصهيوني يُمهّد لمرحلة جديدة من التدخل المباشر في الشؤون العربية، والدول المطبّعة هي أول من سيدفع الثمن.

تل أبيب لا تعرف الوفاء، ولا تحترم المعاهدات إلا بقدر ما تخدم مصالحها. واليوم الذي ستجد فيه هذه الأنظمة نفسها في مأزق، وتحتاج فيه إلى دعم عربي أو إسلامي، ستكتشف أنها محاصرة: لا الكيان الصهيوني سيحميها، ولا الأمة ستنسى خيانتها.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا