أعلن البروفيسور كمال جنوحات، رئيس مصلحة المناعة بمستشفى الرويبة ورئيس الجمعية الجزائرية للمناعة، أن الوذمة الوعائية الوراثية تعد من الأمراض الجينية النادرة والخطيرة التي تهدد حياة المصابين بها، حيث يعاني منها حاليا ما بين 260 إلى 300 مريض في الجزائر، مشيرا إلى أن هذا المرض ظل لفترة طويلة غير مشخص بشكل كاف، حيث كان يتم الخلط بينه وبين الحساسية البسيطة، لكنه أصبح اليوم محل اهتمام متزايد من قبل السلطات الصحية، خاصة مع التوقعات بإدخال علاجات نوعية قريبا لتحسين رعاية المرضى.
وأوضح جنوحات خلال لقاء توعوي نظم السبت الماضي بالجزائر العاصمة تحت عنوان “تأثير الوذمة الوعائية الوراثية على نوعية حياة المرضى في الجزائر”، أن هذا المرض، الذي يعاني منه حاليا ما بين 260 إلى 300 شخص في الجزائر، ذو أصل جيني يتميز بنوبات غير متوقعة من التورمات التي تصيب الجلد والأغشية المخاطية، وقد تمتد أحيانا إلى الجهاز التنفسي أو الهضمي، وقد نظم هذا اللقاء بمبادرة من مختبر تاكيدا، الممثل في الجزائر من قبل مجموعة كلينيكا، بحضور خبراء وطنيين ودوليين.
وأشار جنوحات إلى أن عدد المرضى المصابين في الجزائر يقدر بين 260 و300 حالة، مع تسجيل 24 حالة وفاة، مؤكدا أن هذه الأرقام تبقى على الأرجح أقل من الواقع، بسبب التأخر في التشخيص وقلة المعرفة بالمرض.
ومن النقاط المهمة التي تم التطرق إليها خلال هذا اللقاء، تطور الإطار العلاجي في الجزائر، فبحسب البروفيسور جنوحات، اعترفت وزارة الصحة رسميا بهذا المرض من خلال إدراجه ضمن قائمة 128 مرض نادر معترف به، مما يفتح الطريق أمام تنظيم أفضل لمسار العلاج وإدخال أدوية نوعية لعلاج النوبات والوقاية منها.
وصرح قائلا: “الجهود جارية لضمان توفر هذه العلاجات في أقرب وقت ممكن”، معتبرا أن توفيرها سيسهم في التقليل بشكل كبير من خطورة النوبات والاستشفاءات المتكررة والمخاطر الحيوية، خاصة تلك المتعلقة بإصابة الجهاز التنفسي.
وشدد المختص على أن الوصول إلى العلاجات لا يمكن أن يكون فعالا بشكل كامل دون تشخيص مبكر ودقيق. المشكلة الرئيسة، كما أوضح، تكمن في تشابه الأعراض مع أمراض الحساسية. فبسبب قلة المعرفة، يقوم بعض الأطباء بوصف علاجات مضادة للحساسية تثبت عدم فعاليتها، وقال متأسفا: “العديد من المرضى يواصلون الخلط بين التورمات وردود الفعل التحسسية البسيطة، مما يؤدي إلى تأخيرات في الرعاية قد تكون لها عواقب وخيمة”.
ووفقا للبروفيسور جنوحات، يتميز هذا المرض النادر، الذي يعاني منها حاليا ما بين 260 إلى 300 مريض في الجزائر، بظهور تورمات متكررة تصيب الأنسجة تحت الجلد والطبقات العميقة من الجلد والأغشية المخاطية. يمكن أن تصيب النوبات الوجه والأطراف، وأيضا الجهاز الهضمي، مسببة آلاما بطنية حادة وتقيؤا وإسهالا شديدا، وفي بعض الحالات، قد يؤدي تراكم السوائل بشكل كبير في البطن إلى انخفاض مفاجئ في ضغط الدم وصولا إلى الصدمة.
كما حذر من أحد المضاعفات الأكثر خطورة، وهي إصابة الجهاز التنفسي العلوي. فالتورم على مستوى الحلق أو الحنجرة قد يسبب انسدادا تنفسيا حادا، مما يعرض المريض لخطر الاختناق الذي قد يؤدي إلى الوفاة. كما يمكن أن يتموضع التورم على مستوى الجهاز الهضمي، مشكلا أحيانا حالة طوارئ جراحية حقيقية.
وبالإضافة إلى المظاهر الجسدية، تترافق الوذمة الوعائية الوراثية مع أعراض عامة مثل التعب المزمن والطفح الجلدي غير المسبب للحكة، بالإضافة إلى اضطرابات نفسية، خاصة القلق والاكتئاب والعصبية.
وبحسب المختص، يؤثر المرض بشكل عميق على الحياة الاجتماعية للمرضى، الذين يعيشون تحت ضغط دائم. فالدراسة والعمل والزواج وحتى مشاريع الإنجاب تصبح مصدر قلق، بسبب الخوف من نقل المرض إلى الأطفال.
وأضاف قائلا: “من الضروري توعية الجهاز الطبي بهذا المرض النادر”، مشيدا في هذا الصدد بجهود الجمعية الوطنية للمرضى المصابين بالوذمة الوعائية الوراثية، التي تناضل من أجل الاعتراف بالمرض وتحسين رعاية المصابين به.
وبالتالي، يشكل التكوين المستمر للأطباء، خاصة في الطب العام والطوارئ وطب الأطفال، محورا أساسيا لتحديد المرضى بسرعة وتوجيههم نحو رعاية متخصصة.
من جهتها، سلطت الدكتورة دلفين غوبير من مركز سان أنطوان الاستشفائي بباريس الضوء على أن أدوات المتابعة تشكل ركيزة أساسية في إدارة الوذمة الوعائية الوراثية، لكن يجب أن تستند إلى فهم علمي معمق.
وأشارت إلى التقدم المحرز في مجال الأمراض الجينية، خاصة الأمراض أحادية الجين، مما يفتح آفاقا واعدة في مجال العلاجات المبتكرة، بل وحتى تعديل تطور المرض. لكنها أشارت إلى أن التكلفة المرتفعة للغاية للعلاجات الجينية، التي قد تصل إلى مليونين أو ثلاثة ملايين دولار، تبقى عائقا كبيرا أمام الوصول إليها في العديد من البلدان.
ورغم هذه القيود، أكدت المختصة على أهمية عدم تهميش المرضى المصابين بأمراض نادرة، مؤكدة أن البحث المستمر فقط، المدعوم بسياسات صحية تضامنية، يمكن أن يضمن رعاية عادلة ومستدامة.
المصدر:
الإخبارية