● حُكم سيادي حاسم يعيد العلاقات الجزائرية–الفرنسية إلى مفترق الطرق..خبراء يشرحون
الجزائر الآن – أكد مراقبون في الشأنين الاستراتيجي والدبلوماسي أن لحظة الانفراج التي رافقت تصريحات الرئيس ماكرون في قمة العشرين بجنوب إفريقيا حول “بناء علاقة هادئة للمستقبل” مع الجزائر سرعان ما واجهت عراقيل جديدة، وسط تدخلات اليمين المتطرف الفرنسي الذي أعاد ملف الصحفي الفرنسي كريستوف غليز إلى واجهة التوتر والاحتقان مابين الجزائر وباريس.
● تهدئة موعودة وتصعيد متعمّد عبر قضية غليز
وفي ذات السياق يشير المراقبين بأنه و في الوقت الذي كانت الجزائر وباريس تهيئان لمسار جديد يقوم على ترميم الثقة وتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، وتصريحات وزير الداخلية الفرنسي الجديد لطي رواسب روتاريو.
فقد تحوّلت إدانة الصحافي الفرنسي غليز — المتهم بأفعال تمس مباشرة بالأمن القومي الجزائري — إلى منصة ضغط سياسية بفعل تدخلات بعض الأطراف الفرنسية اليمينية المتطرفة.
● الجزائر ورقة انتخابية في الصراعات الداخلية الفرنسية
وفي ذات الخصوص يرى المختصين بأن هذه التدخلات ليست منعزلة، بل مرتبطة مباشرة بالمزايدات الحزبية والانتخابية لليمين المتطرف الفرنسي في الداخل الفرنسي ، حيث تُستغل أي تقارب محتمل للعلاقات الجزائرية الفرنسية كورقة ضاغطة لاستقطاب الرأي العام في الداخل الفرنسي، ولاسيما خصوصًا في ظل الاستحقاقات المحلية والأوروبية والرئاسية المقبلة.
● ماكرون ما بين حسابات الداخل الفرنسي وإرادته في بناء علاقة متوازنةمع الجزائر
ويلاحظ المراقبون في ذات الخصوص إلى أن الرئيس ماكرون وإن كان يحاول الدفع بمسار انفتاح جديد، مستشهداً بتصريحاته في قمة العشرين بأن العلاقات الثنائية مابين البلدين تتطلب “تصحيح الكثير من الأمور”، غير أن هذه المساعي تبقى هشّة أمام الضغوطات السياسية الداخلية، خاصة من التيارات اليمينية المتطرفة.
● العيد زغلامي: التوتر الجزائري–الفرنسي لم يغادر المشهد الدبلوماسي المتجمد رغم إرادة ماكرون السياسية
يشرح المحاضر في كلية علوم الاعلام والاتصال والمحلل السياسي البروفيسور العيد زغلامي في تصريحه لصحيفة الجزائر الآن الاليكترونية بأن التوتر في العلاقات الجزائرية–الفرنسية، قد ظل تحت ما يشبه “الصمت الاستراتيجي”، قبل أن تعيد بعض الدوائر الفرنسية في الداخل الفرنسي إحياء مناوراتها التقليدية من جديد .
ومشيراً إلى أن هذه التحركات قد نسفت تلميحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز التقارب مابين قصر المرادية وقصر الإليزيه والتي من شأنها بأن تجعل العلاقة في مفترق طرق حساس يتميز ما بين إعادة البناء على خطوات إيجابية أو الانزلاق نحو التصعيد.
● خبراء: تحييد الأصوات المزايدة ضرورة لإنقاذ المسار الدبلوماسي المتجمد ما بين الجزائر وباريس
في سياق ذي صلة يشدد الخبراء على أن مآل العلاقات الجزائرية–الفرنسية مرتبطة يقدرة الرئيس ماكرون على كبح الأصوات المتطرفة في الداخل الفرنسي، والتي تستخدم الملفات الثنائية الظرفية كالهجرة والإسلاموفوببا كأوراق ضغط سياسية، دون التركيز على الملفات الاستراتيجية المشتركة ما بين البلدين مثل الأمن والطاقة وملفات الهجرة والتعاون الأمني .
● الدكتورة زينب فريح: صدام مابين السيادة الجزائرية والرؤية الفرنسية لملف غليز
أكدت الدكتورة المحاضرة في كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة البليدة 2 زينب فريح في تصريح لصحيفة الجزائر الآن الاليكترونية ، بأن قضية غليز قد كشفت عن صدام عميق ما بين مقاربة الجزائر لسيادتها القضائية والأمنية، وبين القراءة الفرنسية التي تحصر الملف في زاوية حرية الصحافة والتعبير.
وأضافت أن حساسية القضية تتأصل في طبيعتها الأمنية، خصوصًا مع الاتهامات الموجهة لغليز بالنشاط مع أطراف مصنّفة إرهابية، ما يجعل التعامل معها مرتبطًا بحماية الأمن القومي الجزائري.
● زغلامي: العودة إلى الضغوط الفرنسية رغم وضوح المسار القضائي
وعلى صعيد موازي فقد كشف زغلامي إلى أن أصوات الضغط السياسي في باريس قد عادت للواجهة من جديد بالرغم من حسم القضاء الجزائري لقضية الصحافي الفرنسي كريستوف غليز الذي دخل بتأشيرة سائح فرنسي، وسرعان ما كشف عن نواياه الإجرامية لممارسة نشاط صحافي غير معتمد، وقيامه بإتصالات مع أفراد منتمين لحركة “الماك” المصنفة إرهابية.
ويرى أن الحديث الفرنسي الحالي يأتي “في الوقت بدل الضائع”، مع بقاء قرار العفو الرئاسي هو الأداة الوحيدة لتخفيف الحكم.
● فريح: البعد السيادي للجزائر محور التشدد القضائي
وعلى صعيد مغاير فقد أكدت فريح أن البعد السيادي للجزائر كان محددًا في تشدد القضاء الجزائري للعقوبة الجزائية إتجاه غليز، حيث اعتُبر بأن دخوله للجزائر بتأشيرة سياحية وممارسته لنشاط صحافي دون اعتماد رسمي يمثل خرقًا واضح وصريحًا للقانون الجزائري وتجاوزًا للسيادة الوطنية.
ورغم مشروعية التشدد من زاوية السيادة الوطنية ، تضيف بحسبها فإنه تبقى المعايير الدولية للعدالة والشفافية تمثل نقطة حساسة عند تقييم مثل هذه القضايا.
● اليمين الفرنسي المتطرف: استثمار سياسي وإعلامي مستمر
لفت كل من زغلامي وفريح إلى أن اليمين الفرنسي المتطرف يوظف قضية غليز لتأجيج الخطاب القومي، مهاجمة سياسات ماكرون، والادعاء بأنه “ضعيف ومتساهل” مع الجزائر. وأضافت فريح أن استضافة وسائل الإعلام لعائلة غليز، بما فيها العمومية، يمثل تدخل في استراتيجية ضغط سياسية غير مباشر على السلطات الجزائرية، وإعادة إنتاج خطاب وصائي يحمل بقايا ذهنية استعمارية.
● ردود الفعل الفرنسية: استمرار لذهنية الوصاية؟
وفي سياق مساعي المطالب الفرنسية بالإفراج عن غليز خارج نطاق القانون الجزائري ترى فريح بأن هذه المحاولات اليائسة تعكس بقايا ذهنية وصائية فرنسية وتدخل سافر في الشأن الداخلي للجزائر ومساسا بإستقلالية السلطة القضائية.
حيث يُفهم التدخل في مسار قضائي جارٍي كنوع من محاولة فرض امتياز لمواطن فرنسي على حساب السيادة الجزائرية.
وتوضح أن هذه النبرة الاستعلائية قد تعيد التوتر والتشنج من جديد إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية وتعرقل أي جهود للتهدئة وبعث مسارات ديبلوماسية جديدة للتقارب وتنسف الإرادة السياسية لماكرون.
● الموقف الرسمي الجزائري: الندية والتعاون القائم على المصالح المشتركة
وفي ذات السياق فقد ختم زغلامي تحليله بالتأكيد على أن السياسة الخارجية للجزائر تقوم على مباديء التعامل بالندية والإحترام فالجزائر وبحسبه تتمسك بعلاقات إستراتيجية قائمة العمل بالمثل وترسيخ ، الشراكات الحقيقية المبنية على أساس قاعدة رابح–رابح.
بعيدًا عن أي ضغوط خارجية أو منطق وصاية، بينما يبقى احترام السيادة الوطنية وعدم تسييس القضايا القضائية الطريق الوحيد لتجنب الانزلاقات المتكررة للعلاقات الجزائرية الفرنسية.
● تحولات ميزان القوة والفرص المستقبلية للعلاقات
وعلى صعيد ذو صلة فقد أشارت الدكتورة فريح إلى أن التغير الحاصل لا يمثل انقلابًا في ميزان القوة العسكري أو الاقتصادي،و لكنه يعكس تحولًا في واقع و طبيعة العلاقات الجزائرية الفرنسية ، مدفوعًا بالوضع الجيوسياسي والاقتصادي الجديد للجزائر كفاعل دولي وإقليمي مؤثر في صناعة القرار الدولي.
وتزايد الطلب الأوروبي على الغاز الجزائري ودورها الإقليمي الفاعل في دول الساحل الإفريقي وليبيا.
وموضحة بأن الجزائر أصبحت سياستها الخارجية اليوم تبحث عن تنويع الشركاء الاستراتيجيين والتحالفات مع الأقطاب الدولية مما قلّل كما آسف من “الاستثناء الفرنسي”، مما يجعل العلاقات الجزائرية الفرنسية ، أكثر حساسية وحزمًا من الجانب الجزائري.
● مسار العودة ممكن لكنه يتطلب ضبطًا دبلوماسيًا
خلصت الدكتورة فريح إلى أن استعادة المسار الطبيعي للعلاقات الجزائرية–الفرنسية ممكنة، لكنها تحتاج إلى وقت وجهود مكثفة، مع التركيز على المصالح الاستراتيجية المشتركة، والاعتراف الفرنسي بالسيادة الجزائرية و الإحترام المتبادل والتعامل بالمثل.
وفق معالجة قضائية شفافة، وتجنب أي خطاب تصعيدي من الداخل الفرنسي، بهدف إعادة بناء الثقة وإذابة الجليد الديبلوماسي الجزائري الفرنسي ، تدريجيًا عبر ملفات التعاون التقنية والأمنية.
● ماكرون يعلن تحركًا عاجلًا لإطلاق سراح الصحافي الفرنسي غليز بعد إدانته بالجزائر
غداة تأكيد القضاء الجزائري الحكم بالسجن سبع سنوات على الصحافي الفرنسي كريستوف غليز بتهمة “تمجيد الإرهاب”، والصادر عن مجلس قضاء ولاية تيزي وزو.
فقد أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن قلقه البالغ إزاء الوضع، مؤكداً عزمه على التحرك الدبلوماسي لإطلاق سراحه.
كما قد أصدرت الرئاسة الفرنسية بياناً أكدت فيه أن ماكرون “يتوجه بأفكاره إلى الصحافي وعائلته”، مشددة على استمرار التواصل والتنسيق مع السلطات الجزائرية لضمان الإفراج عن غليز وعودته إلى فرنسا في أقرب وقت ممكن”.
● ماكرون أمام اختبار دبلوماسي حاسم: حماية مواطنيه دون المساس بسيادة الجزائر
يرى خبراء العلاقات الدولية أن موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعكس ضغوطاً سياسية داخلية كبيرة، في وقت يسعى فيه إلى تحقيق توازن دقيق بين حماية مواطنيه في الخارج والحفاظ على مسار العلاقات الثنائية مع الجزائر.
ويشير المحللون إلى أن قدرة باريس على التوصل إلى حل دبلوماسي مع الجزائر لن يكون ممكناً إلا باحترام سيادة الجزائر وقرارات مؤسساتها القضائية وإستقلاليتها بكل حيادية وموضوعية.
مما سوف يجعل من الأزمة الراهنة لقضية الصحافي الفرنسي كريستوف غليز ، بمثابة رهان واختباراً حقيقياً لكفاءة الإدارة الفرنسية و قدرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ترجمة حرفية لتصريحاته في بناء مستقبل هاديء مع الجزائر ولاسيما في التعامل مع الملفات الحساسة في ضفتي المتوسط كالهجرة ومحاربة الجريمة المنظمة والتعاون الأمني والتقني ما بين الجزائر وباريس.
، بينماأن الجزائر تسعى إلى تعزيز موقعها الاستراتيجي الرائد والفاعل في القارة الإفريقية بوضوح من خلال التمسك بسيادتها الوطنية وحماية مصالحها الوطنية وبناء شراكات جيو إستراتيجية متوازنة مع باريس قائمة على الإحترام المتبادل والتعامل بالمثل والندية.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة