● بين ضغوط الداخل الفرنسي وثبات الموقف الجزائري… أيُّ مستقبلٍ للعلاقات الجزائرية–الفرنسية؟
الجزائرالٱن _ تعود العلاقات الجزائرية–الفرنسية مجددًا إلى واجهة المشهد، في لحظة تتقاطع فيها الحسابات السياسية داخل فرنسا مع تمسّك الجزائر بثوابتها السيادية.
● ويأتي إطلاق بوعلام صنصال بعد الطلب الذي تقدم به الرئيس الألماني للرئيس تبون ، كإشارة مبكرة لنزع فتيل أزمة امتدّت لأشهر، ومحاولة لإعادة بعض الدفء إلى علاقة أثقلتها ملفات عالقة وتوترات متكررة.
● قرار حاسم وسط بيئة متوترة
هذه الخطوة، رغم رمزيتها، أعادت فتح باب النقاش حول مستقبل العلاقات الثنائية في ظل تعقيدات المشهد الفرنسي، وتصاعد اليمين المتطرف، وتفاعل ملفات حسّاسة آخرها تصويت اليمين في باريس على إلغاء اتفاقية الهجرة الموقعة عام 1968، و تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين الفرنسيين و التي تارة تصب في الخانة الايجابية وتارة أخرى تعود للغة التنديد والابتزاز ما لا ينفع مع الجزائر.
● ارادة واضحة من الجانب الفرنسي
ويرى متخصصون في الشأن الاستراتيجي أنّ الخطوة، على أهميتها، تبقى محدودة ما لم تُبنَ عليها إرادة سياسية صلبة ورؤية واضحة من الجانب الفرنسي .
فالعلاقة بين الجزائر وباريس، بما تحمله من إرث تاريخي معقد وتشابكات سياسية واقتصادية وثقافية، تحتاج إلى مسار ثقة جديد يقوم على الاحترام المتبادل ويبتعد عن منطق الظرفية وردود الفعل.
● لوفيغارو: رسالة تهدئة… وفرصة لإعادة فتح القنوات
وفي هذا الإطار، اعتبرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أنّ الإفراج عن صنصال ليس قرارًا عابرًا، بل رسالة سياسية مدروسة يمكن أن تساهم في إعادة تفعيل قنوات الحوار بعد أشهر من الجمود.
● مدخل لإعادة ترتيب ملفات شائكة
وترى الصحيفة أنّ باريس قرأت الخطوة كمدخل لإعادة ترتيب ملفات شائكة، من بينها تسهيل حركة الفرنسيين نحو الجزائر، مقابل تعاون جزائري في بعض قضايا الترحيل وتنظيم وضع المعنيين بقرارات الإبعاد.
● شايب بشير: الانفراج ممكن… لكن الطريق معقّد
وتشير الصحيفة أيضًا إلى أنّ الملفات الأكثر حساسية ما تزال مفتوحة: اعتماد القناصل الجدد، ومصير الموظف القنصلي الجزائري الموقوف في فرنسا، وقضايا أخرى تتطلب توازنًا دبلوماسيًا دقيقًا، في وقت تتمسك فيه الجزائر بمبدأ السيادة الكاملة، بينما تصر باريس على استقلالية قضائها.
● بوادر انفراج الأزمة
وفي هذا السياق، اعتبر الدكتور والمحلل السياسي شايب بشير في تصريح لـ” الجزائر الآن” أنّ العلاقات الجزائرية–الفرنسية قد تعرف خلال المرحلة المقبلة نوعًا من الانتعاش، ولو على مستوى الخطاب السياسي والمشاورات الدبلوماسية.
وأضاف أنّ إطلاق بوعلام صنصال، الذي كان “حجر العثرة” في الموقف الفرنسي، قد يفتح نافذة صغيرة للحوار
● قمة العشرين… لحظة رمزية محتملة
وترى لوفيغارو أن لقاءً محتملاً بين الرئيسين تبون وماكرون خلال قمة العشرين في جنوب إفريقيا قد يعكس رغبة مشتركة في تخفيف التوتر.
غير أنّ الصحيفة تشدد على أن مثل هذه اللحظات الرمزية لا تكفي وحدها لإعادة بناء شراكة أصابها التعطيل منذ أشهر، وأن إعادة تشغيل آليات التعاون المجمّدة تبقى شرطًا ضروريًا لأي تحوّل حقيقي.
وهنا يبرز شايب بشير بأن “العلاقة بين الجزائر وباريس تبدو معقدة وصعبة للغاية”، وأن استمرار فرنسا في تبني مواقف تصادمية قد يجعل استعادة العلاقات لمسارها الطبيعي أمرًا يحتاج إلى إرادة قوية من الطرفين وربما وقتًا أطول مما يتوقعه البعض.
● الاقتصاد… قطاع يدفع ثمن التوتر
وفي الجانب الاقتصادي، تكشف الصحيفة عن تداعيات ملموسة للتوتر الدبلوماسي؛ شركات فرنسية نقلت نشاطاتها نحو دول مجاورة، وأخرى أُبعدت عن مناقصات اعتادت المشاركة فيها، بينما بات الحصول على تأشيرات وتصاريح العمل أكثر تعقيدًا.
● الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية… خطوة عمّقت الشرخ
وتعود لوفيغارو إلى قرار الرئيس الفرنسي ماكرون الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في صيف 2024، وهو القرار الذي اعتبرته الجزائر خرقًا للتوازن الإقليمي وتخليًا عن الموقف التقليدي لفرنسا.
هذا الموقف، إضافة إلى تصريحات متشددة من مسؤولين فرنسيين، عمّق الأزمة وخلق شعورًا لدى الجزائر بأن باريس لا تفي بالتزاماتها.
● توقعات حذرة… وإعادة بناء بحدّها الأدنى
وتختم الصحيفة تحليلها بالتأكيد على أنّ الطريق نحو مصالحة حقيقية لا يزال طويلًا، وأن أي تقارب سيبقى مرهونًا بآليات إدارة الملفات الكبرى في المرحلة المقبلة. وتنقل عن مصادر فرنسية قولها: “سنحاول أن نعيد البناء… لكن دون رفع سقف التوقعات. فكل شيء سيبقى مرتبطًا بالأزمات القادمة.”
● اليمين المتطرف… كل اقتراب بين الجزائر وباريس يشعل الغضب
أعاد أي تحرك دبلوماسي إيجابي بين الجزائر وفرنسا إشعال موجة غضب داخل أوساط اليمين المتطرف الفرنسي، الذي قابل مؤشرات التقارب الأخيرة بحملة تصريحات عدائية.
ويكشف هذا التصعيد حساسية هذا التيار من أي انفتاح بين البلدين، خاصة أنه يستثمر في خطاب الهوية والصدام.
● رسالة ماكرون ودعوة نونيز… شرارة الغضب
بدأ التوتر مع الرسالة التي وجّهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون بمناسبة ذكرى أول نوفمبر، بالتزامن مع إعلان وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز تلقيه دعوة رسمية من الجزائر. خطوة فسّرها اليمين المتطرف باعتبارها “تنازلات”، لتبدأ موجة الاتهامات.
● هجوم إعلامي ممنهج… واستدعاء لخطاب ما بعد الاستعمار
وتصدر السفير الفرنسي الأسبق في الجزائر كزافيي دريانكور قائمة المهاجمين عبر قناة “سي نيوز”، معتبرًا أنّ “الفرنسيين غير محترمين في الجزائر”، في مزج متعمّد بين العلاقات الرسمية وملفات الهجرة والإسلام.
وفي السياق ذاته، أطلق الصحفي جيرار كارييرو تصريحات عدائية وصف فيها المغاربيين في فرنسا بـ“الطابور الخامس”، داعيًا إلى “إحصائهم”، في خطاب ينسجم مع تصعيد إعلامي يهدد السلم الأهلي داخل فرنسا نفسها.
● زمور… تحويل الدبلوماسية إلى معركة هوية
ولم يتأخر إريك زمور في التدخل، إذ عاد عبر “بي إف إم تي في” بخطابه الذي يربط الجريمة بالأقليات ويصف الجزائر بـ“البلد العدو”، في محاولة واضحة لاستثمار أي بادرة تقارب في معركته الأيديولوجية.
● ضغط سياسي من المحافظين… واستغلال الملف الجزائري
كما لم يتردد حزب “الجمهوريون” بقيادة ريتايو في معارضة انضمام الجزائر إلى برنامج “إيراسموس”، في خطوة تكشف الاستثمار السياسي في الملف.
وذهب أحد معلقي “سي نيوز” إلى حد وصف الجزائر بأنها “بلد بغيض”، في انزلاق خطير يعكس طبيعة المناخ الإعلامي.
● ازدواجية في الخطاب… وسخرية من لويس ساركوزي
وانضم لويس ساركوزي للهجوم باتهام القادة الجزائريين بـ“الفساد”، رغم أنّ والده يواجه قضايا مشابهة، ما أثار موجة سخرية واسعة.
● ردود داخل فرنسا… ومخاوف من انفلات الخطاب
في المقابل، حذر النائب اليساري توماس بورت من التطرف الإعلامي لدى “سي نيوز”، كما أعلن عميد مسجد باريس شمس الدين حفيظ تقديم شكوى أمام “أركوم” بسبب خطابات الكراهية التي تهدد الانسجام الاجتماعي.
● البعد الاستراتيجي… خوف من تعافي العلاقات الجزائرية–الفرنسية
ويرى مختصون في العلاقات الدولية أنّ هذه الحملة تعكس خشية التيارات اليمينية المتطرفة من أي تقارب ثنائي، لأن استقرار العلاقات يضعف روايتها السياسية المبنية على التخويف من العرب والمسلمين، ويُربك أدواتها الانتخابية.
●الخلاصة واضحة: كل خطوة تقارب بين الجزائر وباريس تُشعل خطاب الكراهية داخل اليمين المتطرف الفرنسي، فيما يبقى المسار الدبلوماسي رهينًا بقدرة باريس على الفصل بين مصالح الدولة واصطراخ التيارات الشعبوية. ومع ذلك، فإن إعادة تشغيل قنوات الحوار، ولو بحدّها الأدنى، تظل ضرورة لضبط التوتر وإعادة بناء علاقة تُركت طويلًا رهينة الأزمات المتراكمة التي تسير فيها مسؤولي باريس.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة