آخر الأخبار

مالي على حافة الهاوية.. خبراء يكشفون أسباب الانهيار ويطرحون سيناريوهات الإنقاذ

شارك
بواسطة محمد بلقور
مصدر الصورة
الكاتب: محمد بلقور

● مالي على حافة الهاوية.. خبراء يكشفون أسباب الانهيار ويطرحون سيناريوهات الإنقاذ

● خبراء يحذرون من انهيار الدولة المالية بعد انقلاب المجلس العسكري الانقلابي على اتفاق الجزائر

الجزائر الآن _ تشهد مالي هذه الأيام انفلاتًا أمنيًا غير مسبوق يهدد بانهيار مؤسسات الدولة وتداعي النظام السياسي القائم، وسط تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة وفرضها حصارًا خانقًا على العاصمة باماكو، ما تسبب في أزمة وقود خانقة وشلل شبه تام في التجارة والنقل، وارتفاع الأسعار بأكثر من 200%.

ويرى مراقبون أن الانقلاب العسكري الذي قاده أسيمي غويتا شكّل منعطفًا خطيرًا في مسار الدولة المالية، بعدما أطاح باتفاق الجزائر للسلام والمصالحة الموقّع عام 2015، والذي كان يمثل الركيزة الأساسية لبناء سلام دائم ودمج المكوّنات الشمالية، خاصة الطوارق، ضمن مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية.

● الجماعات المسلحة تخنق باماكو وتسيطر على الثروة

فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة، منذ أسابيع حصارًا اقتصاديًا على العاصمة باماكو من خلال استهداف قوافل الإمداد القادمة من السنغال وكوت ديفوار. وأسفر ذلك عن انقطاع التموين وشلل النقل العام، في وقت أعلنت فيه الجماعة مسؤوليتها عن اختطاف ثلاثة مصريين، مطالبةً بفدية قدرها خمسة ملايين دولار، في تصعيد يعكس تراجع سلطة الدولة الأمنية وتنامي سطوة التنظيمات الجهادية.

بينما تحدثت تقارير إعلامية أن دولة الإمارات قامت بدفع فدية تقدر ب 50مليون دولار لإطلاق سراح مواطنيها الذين إختطفتهم الجماعات الإرهابية.

وتشير تقارير استخباراتية إلى أن الجماعة باتت تسيطر على نحو 80% من إنتاج الذهب في منطقة كايس، وتستخدم العائدات لتمويل عملياتها العسكرية واللوجستية، ما يُضعف قدرة الحكومة الانقلابية على التحكم في مواردها الطبيعية.

● تحذيرات دولية ومخاوف من انهيار الدولة المالية

في ظل هذا الوضع الأمني المتأزم، صدرت تحذيرات متتالية من عواصم غربية تدعو إلى إجلاء الرعايا من مالي. فقد دعت فرنسا، الولايات المتحدة، ألمانيا، إيطاليا وأستراليا مواطنيها إلى المغادرة الفورية، محذّرة من تدهور الأوضاع الأمنية حتى داخل العاصمة باماكو.

مصدر الصورة

بينما أكدت وزارة الخارجية المصرية أنها تتابع عن كثب أوضاع جاليتها في مالي، بعد حادثة الاختطاف الأخيرة، داعية المواطنين إلى تجنّب التنقل بين المدن.

وفي المقابل، نفت السفارة الروسية ما تردد عن نيتها إجلاء رعاياها، ووصفت تلك الأنباء بأنها معلومات زائفة، في وقت تُتهم فيه قوات الفيلق الإفريقي الروسي بالمشاركة إلى جانب الجيش المالي في مواجهة الجماعات المسلحة.

● الدكتور سليم العايب: الجزائر كانت صمام أمان لمالي.. والانقلابات المتتالية أطاحت بمسار الدولة والمؤسسات

وفي هذا السياق قدّم الدكتور سليم العايب، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة البليدة 2 الجزائرية، قراءة معمّقة للتطورات الأمنية المتسارعة في مالي، مشيرًا إلى أن هذا البلد يواجه فشلًا ذريعًا في بناء دولة القانون والمؤسسات نتيجة تكرار الانقلابات العسكرية التي أطاحت بمسار التحول الديمقراطي وعرقلت قيام مؤسسات شرعية قوية قادرة على تحقيق الاستقرار والتنمية.

● إلغاء اتفاق الجزائر يعيد مالي إلى دوامة الفوضى ويُبعد الطوارق عن المشاركة السياسية

مصدر الصورة

وأوضح العايب أن المشهد السياسي في مالي ظل يُدار بعيدًا عن الشرعية الدستورية والعملية الديمقراطية، ما دفع الدولة إلى اعتماد مقاربة أمنية ضيقة بدل تأسيس نظام مؤسساتي متين يضمن الحقوق والواجبات.

وأضاف أن هذه المقاربة الأمنية لم تُسهم في حل النزاعات الداخلية، بل زادت من حدتها وتعقيداتها.

وأشار إلى أنه خلال فترة الرئيس المنتخب إبراهيم بوبكر كايتا، كانت الأمور تتجه نحو الحل السلمي عبر اتفاق الجزائر للسلام والمصالحة الموقع سنة 2015 مع المكوّن التارقي في الشمال، والذي كان من شأنه دمج الطوارق في مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية. غير أن سلسلة الانقلابات التي شهدتها البلاد أدت إلى تعطيل هذا المسار، حيث قام قائد الطغمة العسكرية الانقلابية، الجنرال أسيمي غويتا، بإلغاء الاتفاق، ما اعتبره العايب السبب المباشر في تفجر الأوضاع واستبعاد المكون التارقي من العملية السياسية.

● السلطة الانقلابية في مالي تُكرّس المقاربة الأمنية وتفتح الباب للجماعات الإرهابية

وأضاف العايب أن السلطة الانقلابية لجأت إلى الاستعانة بالقوات الأجنبية والمرتزقة، بداية بمرتزقة فاغنر ثم لاحقًا بالفيلق الإفريقي الروسي، لقمع الاحتجاجات والحركات الداخلية، ما ساهم في تكريس المقاربة الأمنية على حساب الحلول السياسية.

وأكد أن هذا التوجه زاد الوضع تعقيدًا وأفقد الدولة ما تبقى من شرعية داخلية ودولية.

وشدد على أن غياب الهوية الوطنية الجامعة وفشل الطبقة الحاكمة في إدارة التعدد الاجتماعي عمّقا الشرخ بين الشمال والجنوب وأضعفا وحدة البلاد.

● مالي على حافة الهاوية.. الانقلابات والجماعات المسلحة تهدد استقر الدولة

وأشار العايب إلى أن دعوة الدول الأجنبية لمواطنيها لمغادرة مالي تأتي في سياق طبيعي، نظرًا لكون البلاد تغرق في فوضى خانقة بعد فقدان الحكومة السيطرة.

واعتبر أن تملص النظام العسكري من اتفاق الجزائر فتح الباب أمام الجماعات الإرهابية لاستغلال الفراغ السياسي والأمني، خصوصًا في مناطق الطوارق.

وأكد أن مالي تسير نحو الهاوية، موضحًا أن النخبة الحاكمة لم تقم بدورها في معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، في حين يعيش المشهد السياسي حالة تفكك حاد.

وأضاف أن استمرار الحصار الذي تفرضه الجماعات المسلحة قد يؤدي إلى انهيار داخلي حتمي.

● ماهو السيناريو الأنجح لاستعادة الاستقرار بمالي ؟

وأوضح العايب أن مستقبل مالي مرتبط بإرادة النخبة السياسية والعسكرية في التخلي عن المقاربة الأمنية واعتماد مسار سياسي شامل يعيد الاعتبار للدستور والشرعية الشعبية.

وأشار إلى أن مستقبل مالي مرتبط أيضًا بقرار القوى الكبرى، سواء عبر تدخل مباشر أو من خلال دعم تدخل إفريقي لإعادة إنتاج عملية سياسية ديمقراطية وتنظيم مؤسسات الدولة.

واعتبر أن تدخل الإيكواس يمثل الخيار الأنسب والأكثر واقعية لإعادة بناء الدولة المالية.

الدكتور شعيب العابد: مالي تغرق في الفوضى والجزائر تدق ناقوس الخطر

من جهته ، أوضح الدكتور شعيب العايد، أستاذ العلوم السياسية لصحيفة” الجزائر الآن” الالكترونية ، والمتخصص في الشؤون الإفريقية، أن الانقلاب العسكري زاد من تعقيد مسار التسوية السياسية وأدى إلى وقف العمل باتفاق السلام المبرم عام 2015 في الجزائر.

وأشار إلى أن المجلس العسكري يعتقد بقدرته على السيطرة على الشمال مستفيدًا من انسحاب القوات الفرنسية والعجز النسبي للقوات الأممية، إضافة إلى الدعم الخارجي.

● مالي بين الانقسامات الداخلية واستغلال القوى الأجنبية

مصدر الصورة

وأوضح العايد أن الانقلاب أدى إلى تعميق الانقسامات المجتمعية، مع سيطرة الجماعات الإرهابية على السلاح والمواقع الاستراتيجية.

وأضاف أن استمرار المواجهات يخدم مصالح الجماعات الإرهابية ويتيح للأطراف الخارجية التدخل لتحقيق أجنداتها.

وعلى الصعيد الدولي، أكد العايد أن انسحاب فرنسا فتح الباب لتدخل قوى دولية أخرى، لا سيما روسيا، وأن التعاون بين الحكومة العسكرية ومرتزقة فاغنر ثم الفيلق الإفريقي الروسي لم يحقق مكاسب حقيقية.

● الجزائر ترفع مستوى اليقظة الاستراتيجية

مصدر الصورة

أما القلق الجزائري، فيكمن وفق تصريحات وزير الخارجية أحمد عطاف، في أن الجزائر لا يمكنها تجاهل ما يجري في الساحل.

وقد شدد العايد على ضرورة اتباع الجزائر مسارين متوازيين:

1. تعزيز القدرات الذاتية للدولة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا.

2. تفعيل الدور الإفريقي والإقليمي مع الحفاظ على دور الجزائر كوسيط محوري.

وختم العايد بأن الحوار بين حركة الأزواد وحكومة باماكو يظل الخيار الاستراتيجي الأنجع لتسوية النزاع.

● مالي على حافة الانهيار: انتهاء اتفاق الجزائر يفتح الباب للفوضى المسلحة

أكد خبراء الشؤون الإفريقية أن مالي دخلت مرحلة حرجة بعد إعلان المجلس العسكري إنهاء العمل باتفاق السلام الموقّع عام 2015 في الجزائر. وأوضحوا أن انهيار الاتفاق بدأ فعليًا في 2022 بعد اندلاع مواجهات جديدة.

● رد فعل الحركات الانفصالية

أكدت جبهة تنسيق حركات أزواد أنها لم تتفاجأ بالقرار، معتبرة أن تحركات الجيش كانت تمهيدًا لإنهاء الاتفاق.

● المخاطر الأمنية والاستراتيجية

وحذر خبراء من تفاقم التمرد واحتمال امتداده إلى النيجر وبوركينا فاسو، ما يمنح الجماعات الجهادية فرصة لإعادة الانتشار.

● توتر العلاقات الجزائرية المالية

وترزح العلاقات بين الجزائر ومالي تحت توتر شديد بعد لجوء باماكو إلى محكمة العدل الدولية واتهام الجزائر بدعم الإرهاب.

● الأسباب والدوافع وراء التصعيد

ويرى الخبراء أن السلطة العسكرية سعت إلى تدويل الأزمة والبحث عن شرعية خارجية، مما ساهم في تصاعد الهجمات المسلحة وتفاقم معاناة الماليين.

● الدور الاستراتيجي للجزائر

تبرز الأزمة الأمنية الراهنة في مالي الدور المحوري الذي تضطلع به الجزائر في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومنع انزلاق الأوضاع نحو فوضى شاملة قد تمتد آثارها إلى دول الساحل كافة. فباعتبارها الدولة الراعية لاتفاق الجزائر لعام 2015 والوسيط الأساسي في مسار المصالحة بين حكومة باماكو وحركات الأزواد، تُعد الجزائر الطرف الأكثر قدرة على إعادة دفع العملية السياسية نحو مسارها الطبيعي، مستفيدة من خبرتها الطويلة في إدارة النزاعات الداخلية، ومن قدرتها على جمع الأطراف المتصارعة على طاولة الحوار.

وترى الأوساط الدبلوماسية أن الجزائر، خلافًا للقوى الأجنبية التي تنظر إلى الأزمة بمنطق النفوذ الجيوسياسي، تنطلق في مقاربتها من مبدأ أساسي هو حماية الأمن الإقليمي ومنع انتقال الفوضى إلى حدودها الجنوبية الشاسعة. ولهذا حافظت على موقف ثابت يدعو إلى اعتماد الحل السياسي بدل الانخراط في المواجهات العسكرية التي أثبتت التجارب السابقة أنها تُفاقم الصراع بدل أن تُنهيه.

وتؤكد المصادر المتابعة للملف أن الجزائر رفعت من مستوى اليقظة الاستراتيجية خلال الأشهر الأخيرة، خصوصًا بعد توسع رقعة الاشتباكات قرب مناطق حدودية حساسة وانتشار الجماعات الإرهابية التي تبحث عن موطئ قدم بالقرب من حدودها.

ولا يستبعد المراقبون أن تفعل الجزائر أدواتها الدبلوماسية والإقليمية من خلال الاتحاد الإفريقي ومبادرات قد تكون بصيغ مختلفة، بهدف إعادة جميع الأطراف إلى مسار التفاوض وإحياء روح اتفاق الجزائر .

ويجمع الخبراء على أن الجزائر تمثل اليوم الضامن الأبرز لإعادة الاستقرار في مالي، خاصة في ظل تراجع ثقة الماليين في القوى الأجنبية وتزايد القناعة بأن الحل الدائم لا يمكن أن يتحقق إلا عبر حوار شامل تشرف عليه دولة محايدة لها خبرة في معالجة النزاعات، وهو ما ينطبق على الجزائر التي حافظت لعقود على سياسة مبدئية تقوم على عدم التدخل واحترام سيادة الدول.

وفي ضوء الوضع المعقد الذي تمر به مالي، يتوقع المحللون أن تلعب الجزائر خلال المرحلة المقبلة دورًا محوريًا في إعادة بناء الثقة بين الأطراف الداخلية، وإطلاق عملية سياسية جديدة تُعيد دمج المكونات الاجتماعية والسياسية، وتدفع نحو تنظيم انتخابات شرعية تُعيد للمؤسسات هيبتها، وتضع حدًا لدوامة الانقلابات والصراعات المسلحة.

ويُنظر إلى العودة إلى اتفاق الجزائر باعتبارها المدخل الأساس لإعادة بناء الدولة المالية على أسس سلمية وتوافقية، بعد أن أثبتت التجربة أن تجاهل الاتفاق أو محاولة القفز عليه يؤدي مباشرة إلى فراغ سياسي وأمني خطير تستغله التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة. ولذلك يُتوقع أن تشكل الجزائر ركيزة رئيسية في أي مسار دولي أو إفريقي لإعادة الاستقرار إلى مالي، بما يحمي المنطقة من موجة جديدة من عدم الاستقرار ويفتح الطريق أمام مرحلة جديدة من المصالحة والتنمية المستدامة.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا