آخر الأخبار

مقال رأي | وزارة البريد تكتب السطر الأول

شارك
بواسطة محمد قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد قادري

مقال رأي| من ثورة التحرير إلى ثورة التوظيف.. وزارة البريد تكتب السطر الأول

الجزائر الآن _ في مشهد يعيد إلى الأذهان روح الريادة الجزائرية في لحظات التحول التاريخي، تبدو وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ،وكأنها تكتب فصلا جديدا من الثورة.

لكن هذه المرة ليست ثورة ضد الاستعمار، بل ضد البيروقراطية، والمحسوبية، وكل ما عرقل لعقود مسار العدالة في التوظيف العمومي.

ما حدث في مسابقة بريد الجزائر الأخيرة لم يكن مجرّد امتحان رقمي، بل حدث وطني يستحق أن يُدرّس كنقطة انطلاق لعصر إداري جديد.

مصدر الصورة

أكثر من 129 ألف مترشح اجتازوا امتحانًا رقميا بالكامل دون خلل تقني يُذكر، في تجربة تشهد على قدرة الدولة الجزائرية على مواكبة التحول الرقمي الحقيقي، لا الشكلي.

فبين 182 ألف مترشح مسجل، تمكن 130 ألفًا من الولوج إلى المنصة في الموعد المحدد، ضمن تنظيم دقيق ومستوى عالٍ من الانضباط والثقة في الآليات الرقمية الجديدة.

لكن الأرقام لا تحكي القصة كاملة.

فالفلسفة التي وقفت وراء هذه التجربة أعمق بكثير.

لقد اعتمدت المسابقة على نظام متطور من الذكاء الاصطناعي كشف آليًا أكثر من 13 ألف محاولة تحايل، ما يعني أن معايير العدالة والشفافية لم تعد شعارات مكررة، بل أصبحت واقعًا رقميًا يُقاس ويُنفذ لحظة بلحظة.

لطالما عانى المواطن الجزائري من بطء الإدارة وثقل الإجراءات، حيث كانت المحسوبية تُقصي الكفاءات، وتتحكم العلاقات في النتائج.

لكن ما حدث في هذه المسابقة شكّل قطيعة حقيقية مع الماضي.

لم يعد المترشح مضطرًا للتنقل، أو لانتظار أسابيع لمعرفة نتيجته.

كل شيء تم في بضع ساعات، التسجيل، الامتحان، التصحيح، وحتى إعلان النتائج، وكل ذلك في بيئة رقمية مؤمنة وشفافة.

بهذا النموذج، انتقلت الإدارة الجزائرية من منطق الوصاية إلى منطق الخدمة، ومن فكرة “الانتظار” إلى ثقافة “السرعة والدقة”.

المواطن لم يعد موضوعًا للإدارة، بل أصبح محورًا لها، والكفاءة باتت المعيار الوحيد للنجاح.

مصدر الصورة

مؤكد بأن المديرة العامة للبريد شيراز بشيري المنصبة مؤخرا تستحق التنويه بعد هذا الإنجاز .

وبالتالي سننتظر منها ما هو أفضل و أكبر في المستقبل ،لأن بدايتها كانت ناجحة ،قوية و غير مسبوقة على رأس المؤسسة .

لكن ،لا يمكن الحديث عن هذه التجربة دون التوقف عند وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، سيد علي زروقي، الذي برهن أنه لا يكتفي بالشعارات، بل يملك رؤية استراتيجية واضحة لمستقبل القطاع ككل.

فمنذ توليه المنصب، كان واضحًا أن مشروعه يتجاوز الإصلاح الإداري إلى تحديث ذهني شامل في طريقة عمل القطاع.

تجربة “ بريد الجزائر” لم تكن قرارًا إداريًا عابرًا، بل نموذجًا تطبيقيًا يُظهر أن التحول الرقمي ليس ترفًا، بل أداة لتحقيق العدالة.

زروقي لم ينتظر اكتمال البنية التحتية أو جاهزية كل القطاعات، بل انطلق بالفعل، ليبرهن أن التغيير يبدأ من الإرادة، وأن التكنولوجيا يمكن أن تكون حليفًا للشفافية.

ما يميز هذا النموذج أنه ألغى تمامًا الفوارق الجغرافية والاجتماعية.

المترشح من تمنراست اجتاز نفس الامتحان في نفس اللحظة وبنفس الظروف التي اجتازها فيها المترشح من الجزائر العاصمة.

مصدر الصورة

لا وساطة، لا تنقل، لا تكاليف إضافية. الذكاء الاصطناعي تولى المراقبة، والخوارزميات قيّمت الإجابات، والنتائج ظهرت فورًا.

إنها ثورة في المفهوم قبل أن تكون في التقنية.

ثورة تجعل من الكفاءة المعيار الوحيد، وتعيد الثقة إلى المواطن في عدالة الدولة وقدرتها على التحديث.

كما أنها وفّرت للدولة ملايين الدنانير كانت تُصرف على القاعات والمراقبين والأوراق والتصحيح اليدوي.

إذا كانت ثورة التحرير قد أعادت للجزائر سيادتها، فإن ثورة التوظيف الرقمي تُعيد لها هيبة مؤسساتها وعدالة إدارتها.

إنها خطوة أولى في مسار طويل نحو جزائر رقمية حديثة، عادلة، وسريعة الاستجابة لتطلعات شعبها.

تجربة وزارة البريد ليست مجرد نجاح إداري، بل بيان ثوري يؤكد أن الجزائر قادرة على قيادة تحول حقيقي في إدارة الشأن العام، تمامًا كما قادت من قبل معارك التحرر والسيادة.

لقد كُتب السطر الأول من هذه الثورة… والبقية رهن بإرادة القطاعات الأخرى في أن تلتحق بالركب، لأن الجزائر لا تنتظر المترددين، بل تصنع مستقبلها بشجاعة وروح ابتكار.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا