● من شركة نقل إلى أداة نفوذ اقتصادي واستراتيجي.. “الخطوط الجوية الجزائرية” تفتح أجنحتها للتحول
الجزائر الآن _ في زمن تتسابق فيه الدول على إعادة رسم خرائط النقل الجوي كأداة للنفوذ الاقتصادي والسيادي، تعود الخطوط الجوية الجزائرية لتتبوأ مكانتها كمكوّن استراتيجي في رؤية الجزائر الجديدة.
فالمسألة لم تعد تتعلق فقط بتسيير الرحلات أو تحديث الأسطول، بل بصناعة حضور دولي يعكس صورة الدولة ويخدم دبلوماسيتها الاقتصادية على المدى البعيد.
وانطلاقًا من هذه الرؤية، تواصل الخطوط الجوية الجزائرية تنفيذ خطتها الهادفة إلى تعزيز شبكتها الدولية وتحديث خدماتها، بما يتماشى مع التحولات الاقتصادية والإقليمية التي تشهدها البلاد.
وقد جاءت القرارات الأخيرة للإدارة العامة للشركة تنفيذا للإرادة السياسية العليا للبلاد ، لتؤكد هذا التوجه الاستراتيجي نحو عصر جديد من الكفاءة، التنافسية، والانفتاح على الأسواق.
وحاء إعلان الشركة ، عن الإطلاق الرسمي لأول رحلاتها نحو مدينتي غوانزو الصينية وروتردام الهولندية، في إطار استراتيجيتها الرامية إلى توسيع شبكتها الجوية وربط الجزائر بمراكز اقتصادية وتجارية بارزة في آسيا وأوروبا.
وأوضح بيان الجوية الجزائرية أن الرحلتين الافتتاحيتين انطلقتا يومي 27 و28 أكتوبر الجاري، ضمن برنامج طموح لتوسيع الوجهات الدولية وتقديم خدمات نقل مباشر ومريح لزبائنها سواء من رجال الأعمال والمستثمرين أو السياح الجزائريين، وذلك بما يعزز موقع الجزائر كمحور إقليمي في مجال النقل الجوي.
● عبد القادر مشدال: الخطوط الجوية الجزائرية تدخل مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي وتدعيم الحضور الدولي للجزائر.
تعكس هذه الخطوة توجهًا سياسيًا استراتيجيًا يعيد تموضع الجزائر ضمن خريطة العلاقات الدولية، من خلال استخدام أدوات النقل الجوي كوسيلة لتعزيز نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي.
فالتحرك نحو الصين وهولندا ليس مجرد توسيع خطوط، بل هو جزء من دبلوماسية اقتصادية جديدة تسعى الجزائر من خلالها إلى تثبيت حضورها في مراكز القرار الاقتصادي العالمي، وإرسال رسالة واضحة مفادها أن البلاد باتت لاعبًا فاعلًا في الاقتصاد الدولي.
وفي هذا السياق ،أكد الخبير الاقتصادي عبد القادر مشدال لصحيفة “الجزائر الآن” الإلكترونية أن فتح الخطوط الجوية الجزائرية الجديدة نحو الصين وهولندا، وقبلها نحو عدد من الدول الإفريقية، يمثل خطوة استراتيجية ذات أبعاد اقتصادية وتنموية عميقة، تعكس التحول الكبير الذي تعرفه الجزائر في سياق انفتاحها على الأسواق الدولية وتعزيز حضورها في محيطها الإفريقي والعالمي.
وقال إن هذه الخطوط “تشكل رافعة حقيقية للتبادل الاقتصادي والاستثماري”، موضحًا أن الوجهات الإفريقية الجديدة، على غرار الخط نحو لاغوس عبر نجامينا، تندرج ضمن رؤية جزائرية طموحة للتواجد في العمق الإفريقي وخلق فرص تعاون واستثمار حقيقية مع الدول الإفريقية.
وأضاف أن الجزائر تسعى من خلال هذه التوجهات إلى توسيع حضورها الاقتصادي في القارة السمراء، ليس فقط من خلال الاستثمارات والتبادلات التجارية، بل أيضًا عبر تعزيز المساعدات الإنسانية والتعاون التنموي، مشيرًا إلى أن الخطوط الجوية الجديدة ستنهي معاناة المسافرين الذين كانوا يضطرون في السابق إلى المرور عبر مطارات أوروبية أو خليجية للوصول إلى بعض العواصم الإفريقية.
وبحسب المختصين ،فإن الانفتاح نحو الأسواق الإفريقية والصينية يعكس رغبة الدولة في كسر التبعية التجارية للمحروقات عبر بناء اقتصاد متنوع قائم على الخدمات والنقل والتبادل المباشر.
فكل خط جوي جديد ليس مجرد وسيلة سفر، بل هو خط تموين واستثمار يربط الجزائر بفرص اقتصادية جديدة، ويفتح أمامها أسواقًا واعدة في إفريقيا وآسيا بعيدًا عن الحواجز البيروقراطية التقليدية.
وفي السياق ذاته، أوضح مشدال أن هذه الخطوات تتكامل مع التحولات الاقتصادية الكبرى التي تعرفها الجزائر، خصوصًا في ظل انخراطها في منطقة التبادل الحر الإفريقية، وتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية الهادفة إلى الترويج للمنتجات الصناعية والفلاحية الجزائرية في الأسواق الخارجية، ما سيؤدي إلى زيادة الحركية التجارية وتوسيع الصادرات الوطنية خارج قطاع المحروقات.
أما بخصوص الخط الجديد نحو الصين، فأكد الخبير أن أهميته تكمن في تعزيز جسور التعاون التجاري والاستثماري والصناعي بين البلدين، مضيفًا أن الخط المباشر سيتيح للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين الوصول بسهولة إلى السوق الصينية الضخمة، والتعامل مباشرة مع الموردين والمصنعين دون الحاجة إلى وسطاء، ما سيساهم في تقليص التكاليف وتحقيق مكاسب اقتصادية ملموسة.
ويرى بأن هذا التطور سيمنح الجزائر فرصًا حقيقية لتنشيط التعاون الصناعي، خاصة في مجالات الصناعة الميكانيكية وصناعة السيارات والصناعات التحويلية، من خلال إقامة شراكات مباشرة مع المؤسسات الصينية الرائدة.
الربط الجوي المباشر مع الصين وهولندا يعيد رسم موازين القوة في المجال الجيو-اقتصادي للجزائر، ويحوّلها إلى محور لوجستي محتمل يربط بين إفريقيا وأوروبا وآسيا.
فهذه الخطوط الجوية ليست مجرد مسارات نقل، بل ممرات استراتيجية للتحالفات التجارية المستقبلية، تعزز قدرة الجزائر على لعب دور الوسيط الإقليمي في التجارة العابرة للقارات.
أما بالنسبة للخط نحو روتردام الهولندية، فقد وصفه مشدال بأنه “محطة استراتيجية بامتياز”، باعتبار أن روتردام تضم أحد أكبر وأهم الموانئ التجارية في العالم، ما سيتيح للجزائر بوابة مباشرة نحو السوق الأوروبية، ويساهم في تسهيل حركة السلع والاستثمارات وتعزيز المبادلات التجارية بين الجزائر وأوروبا.
وختم الخبير الاقتصادي تصريحه بالتأكيد على أن فتح الخطوط الجوية الجزائرية الجديدة، سواء نحو إفريقيا أو الصين أو أوروبا، يعكس رؤية وطنية شاملة لبناء منظومة نقل جوي قوية تخدم الاقتصاد الوطني، وتُسهم في تنويع مصادر الدخل وتعزيز مكانة الجزائر كقطب لوجستي وتجاري إقليمي.
بهذه الخطوات، تُحوِّل الجزائر النقل الجوي إلى أداة لتفعيل النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل. فتعزيز النقل بين القارات يُنشئ شبكة تبادل متكاملة تدعم الصادرات، وتقلّص الكُلف اللوجستية، وتُحرك قطاعات موازية كالسياحة والخدمات. إنها مرحلة جديدة من الاقتصاد الطموح المبني على الانفتاح الذكي والمُوجَّه.
● الخطوط الجوية الجزائرية.. بوابة جديدة لتنويع الاقتصاد وتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية للجزائر.
قال الدكتور هواري تيغرسي، أستاذ الاقتصاد بجامعة بن عكنون وخبير في الشأن الاقتصادي، “للجزائر الآن”، إن الخطوط الجوية الجزائرية تخطو اليوم بثبات نحو مرحلة جديدة من التحول الاستراتيجي، تعكس الرؤية الاقتصادية الطموحة التي يقودها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والرامية إلى تنويع الاقتصاد الوطني وبناء منظومة نقل جوي حديثة تكون رافعة أساسية للانفتاح الاقتصادي والاستثماري للبلاد.
وأوضح ذات المتحدث أن إطلاق الخطين الجديدين نحو غوانزو الصينية وروتردام الهولندية لا يُعدّ مجرد توسع في شبكة النقل الجوي، بل يمثل تحركاً اقتصادياً ودبلوماسياً عميق الأثر، يسهم في تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية ويدعم جهود البلاد لتعزيز حضورها في الأسواق الآسيوية والأوروبية، وفتح منافذ جديدة أمام الصادرات الوطنية والمنتجات الجزائرية.
وأشار الخبير إلى أن هذه المبادرة تندرج ضمن رؤية شاملة لبناء اقتصاد متنوع يخرج تدريجياً من هيمنة قطاع المحروقات، مؤكداً أن “الخطوط الجوية الجزائرية باتت اليوم أداة اقتصادية فعّالة، تواكب التحول الوطني وتساهم في تيسير حركة التجارة والاستثمار والسياحة”.
وفي هذا الصدد ،يعتبر الكثير من الخبراء ،هذا الانفتاح المتوازن على الشرق والغرب يعكس استقلالية القرار الجزائري وتأكيده على تبنّي سياسة خارجية متعددة المحاور.
فالجزائر، من خلال هذه الوجهات، تؤكد أنها ترفض الاصطفاف، وتختار مسارها الخاص المبني على الشراكات المتوازنة التي تخدم مصالحها الوطنية العليا، بعيدًا عن الاستقطابات الدولية.
وأضاف أن الرحلات المباشرة نحو مراكز اقتصادية كبرى مثل غوانزو وروتردام ستتيح فرصاً واعدة أمام رجال الأعمال والمستثمرين الجزائريين لتوسيع أنشطتهم وتنمية علاقاتهم التجارية، كما ستسهم في تقليص تكاليف النقل ورفع تنافسية المنتجات الجزائرية في الأسواق الخارجية.
كما نوّه الخبير الاقتصادي إلى أن هذه الخطوة تأتي متكاملة مع الاستراتيجية الوطنية لتحديث أسطول الخطوط الجوية الجزائرية، التي شهدت مؤخراً إدخال طائرات A330-900neo الحديثة إلى الخدمة، مؤكداً أن هذا التحديث يعزز قدرات الشركة في مجال الشحن الجوي ويدعم الربط اللوجستي بين إفريقيا وآسيا وأوروبا.
وختم الدكتور تيغرسي تصريحه قائلاً إن “الجزائر تمتلك اليوم فرصة حقيقية لتتحول إلى مركز لوجستي وتجاري إقليمي، إذا تمّ استثمار هذه الديناميكية الجديدة في النقل الجوي ضمن رؤية تكاملية تشمل البنى التحتية، الخدمات اللوجستية، والإصلاحات الاقتصادية الجارية، وهو ما من شأنه أن يجعل من النقل الجوي أحد أقوى محركات النمو الاقتصادي الوطني في السنوات المقبلة.”
ويرى المراقبون بأن الجزائر نحرك بخطة هادئة لكنها واثقة نحو التحول إلى محور نقل إقليمي، إذ تجمع بين بعدها الإفريقي وموقعها المتوسطي وانفتاحها على آسيا.
هذا التموقع يمنحها ورقة قوة في المعادلة الجيو-اقتصادية المستقبلية، خاصة مع تنافس القوى الكبرى على النفوذ في إفريقيا، حيث تبرز الجزائر كقوة توازن واستقرار.
● الخطوط الجوية الجزائرية… أرقام تصعد بالناقل الوطني إلى آفاق النمو والريادة
وبلغة الأرقام، فقد نقلت الخطوط الجوية الجزائرية خلال النصف الأول من عام 2025 أكثر من 3.9 مليون مسافر، مسجلة ارتفاعًا بنسبة 8.3% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
كما بلغ عدد المسافرين على الشبكة الداخلية أكثر من 1.3 مليون مسافر، بزيادة تفوق 8%، فيما تجاوز عدد الرحلات الداخلية 40 ألف رحلة خلال النصف الأول من العام الجاري.
وعلى الصعيد الدولي، شهدت الشركة ارتفاعًا بنسبة 67% في عدد الركاب خلال عام 2023، إلى جانب نجاحها في تنفيذ عروض ترويجية واسعة، أبرزها بيع 97 ألف تذكرة في عرض رمضان بتخفيض 50%، و213 ألف تذكرة في عرض “عطلة” بتخفيض 60%، ما يعكس ديناميكية جديدة في استراتيجيتها التجارية.
كما تولّت الشركة خلال موسم الحج نقل أكثر من 19 ألف حاج عبر 76 رحلة انطلقت من عشر مطارات وطنية.
و تظهر هذه الأرقام أن الخطوط الجوية الجزائرية لم تعد مجرد ناقل وطني، بل فاعل اقتصادي متكامل يواكب مسار التحول الوطني.
فنجاحها في توسيع شبكتها وتحقيق نسب نمو متقدمة يؤكد فعالية الإصلاحات الحكومية، ويعزز قدرة الجزائر على تنويع مداخيلها، وترسيخ موقعها كقوة اقتصادية صاعدة تربط بين قارات ثلاث وتبني مستقبلها عبر السماء.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة