آخر الأخبار

بعد أوامر الرئيس تبون بالإسراع في إصدار القانون الأساسي الجديد للقضاء: رسائل و أهداف

شارك
بواسطة محمد بلقور
مصدر الصورة
الكاتب: محمد بلقور

الجزائر الآن _ أسدى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ، خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء الأخير، توجيهاته لحكومة الوزير الأول سيفي غريب قصد الإسراع في إصدار القانون الأساسي الجديد للقضاء، الذي ينتظره موظفو المؤسسة القضائية منذ سنوات.

وبعد المناقشة والإثراء، صادق مجلس الوزراء على هذا المشروع الحيوي، تنفيذًا لالتزام رئيس الجمهورية أمام القضاة خلال مراسم افتتاح السنة القضائية 2025–2026.

وقد حرص القاضي الأول في البلاد على إيلاء أهمية قصوى للوضعية الاجتماعية للقضاة، خاصة ما يتعلق بامتيازات التقاعد والسكن، مع ضرورة خضوع القاضي المتخرج لفترة تربص ميداني يحددها التنظيم القضائي قبل تسلّم مهامه.

وفيما يخص التنظيم القضائي، وجّه الرئيس تبون ،توجيهاته لاعتماد نظام الأقطاب القضائية المتخصصة باعتبارها الإطار الأمثل للممارسة القضائية، لما تتيحه من تكوين ميداني عالٍ للقضاة، يساهم في الارتقاء بالعدالة وتطوير المؤسسة القضائية وتعزيز استقلاليتها.

مصدر الصورة

تُظهر هذه التوجيهات بحسب المختصين، أن الرئيس تبون يتعامل مع ملف القضاء باعتباره محورًا لإصلاح الدولة من الداخل، فكل تحديث للمؤسسة القضائية يعني تعزيزًا لمنظومة الحكم الرشيد وترسيخًا لثقة المواطن في مؤسسات الجمهورية.

وهي مقاربة سياسية تعيد رسم علاقة المواطن بالدولة على أسس العدالة والإنصاف، بعيدًا عن البيروقراطية والممارسات القديمة.

● استقلال القضاء… من النص الدستوري إلى التطبيق الفعلي

يرى المختصون في القانون الدستوري أن استقلالية القضاء تمثّل حجر الزاوية في دولة القانون، وهي قيمة دستورية راسخة منذ أول دستور جزائري عام 1963، لكنها ظلت لفترة طويلة حبرًا على ورق.

ومن هذا المنطلق، جاء تعديل الدستور لسنة 2020 خطوة مفصلية منحت استقلال القضاء بعدًا مؤسساتيًا وهيكليًا حقيقيًا، من خلال إصلاحات شملت بنية المجلس الأعلى للقضاء وضمانات حماية القضاة وتحسين أوضاعهم المادية والمهنية.

ومن أبرز المكاسب في هذا السياق دسترة مبدأ التقاضي على درجتين في المواد الإدارية عبر إنشاء محاكم إدارية للاستئناف، ما يتيح مراجعة الأحكام الإدارية وضمان محاكمة عادلة، بعد أن كان مجلس الدولة الجهة الوحيدة للفصل في هذه النزاعات.

كما شملت الإصلاحات إبعاد وزير العدل عن عضوية ونيابة رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، وهي خطوة تهدف إلى تحييد أي تأثير تنفيذي على قرارات التعيين أو التأديب.

كما أُسندت نيابة رئاسة المجلس إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا، بما يعكس التطبيق العملي لمبدأ الفصل بين السلطات.

تُعد هذه الإصلاحات جزءًا من التحول السياسي في الجزائر الجديدة، حيث يسعى الرئيس تبون إلى تحصين المؤسسات من التبعية التنفيذية وبناء نظام رقابي متوازن.

فاستقلال القضاء لا يعني فقط استقلال القاضي عن السلطة التنفيذية، بل عن أي نفوذ اقتصادي أو حزبي، وهو ما يفتح الباب أمام بناء عدالة سيادية تحمي الدولة والمجتمع معًا.

● القانون…تبدأ بحماية القاضي وترسيخ الثقة

ولأول مرة، تم دسترة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء لتضم قضاة منتخبين من زملائهم وشخصيات مستقلة ذات كفاءة، مما يعزز الشفافية ويمنح المجلس الشرعية الدستورية الكاملة التي كانت غائبة سابقًا.

وينص الدستور الجديد في مادته 172 على أن “الدولة تحمي القاضي وتجعله في منأى عن الاحتياج”، وهو نص يعكس التزام الدولة بضمان استقلالية القاضي عن أي ضغط أو إغراء من الخصوم أو السلطات الأخرى.

كما جرم الدستور كل من يمس باستقلال القاضي أو يعرقل سير العدالة، ما يمثل تحولًا نوعيًا في حماية السلطة القضائية من التدخلات الإدارية والسياسية.

مصدر الصورة

هذه المادة الدستورية أعادت الاعتبار لمفهوم “القاضي المواطن” الذي يخدم العدالة والمجتمع دون خوف أو تبعية، ما يجعل من مؤسسة القضاء صمام أمان للجمهورية.

من منظور استراتيجي، تسعى الجزائر من خلال هذه الخطوات إلى تثبيت نموذج “العدالة السيادية”، أي قضاء وطني قادر على الفصل في القضايا الكبرى بعيدًا عن الضغوط السياسية أو الإعلامية.

فالقاضي المحصّن اجتماعيًا ومهنيًا هو الركيزة الأولى لدولة القانون، وهو ما تراهن عليه السلطة السياسية في معركتها ضد الفساد وإعادة بناء الثقة في العدالة.

● الأبعاد الداخلية والخارجية للإصلاح القضائي

تؤكد القراءات الاستراتيجية أن رؤية الرئيس تبون لا تقتصر على الداخل الوطني فحسب، بل تمتد إلى تعزيز صورة الجزائر على الساحة الدولية.

فترسيخ استقلال القضاء يعدّ خطوة محورية نحو تعزيز المصداقية الدولية للدولة الجزائرية وإبراز التزامها بسيادة القانون وحقوق الإنسان.

كما يشكل هذا الإصلاح بعدًا استراتيجيًا في مكافحة الفساد ودعم الشفافية، إذ أن القضاء المستقل هو الضمانة الأساسية لمحاسبة كل من يسيء استخدام السلطة، مما يخلق بيئة قانونية آمنة للاستثمار ويعزز العدالة الاجتماعية.

مصدر الصورة

ومن هذا المنطلق، يعكس الإسراع في إصدار القانون الأساسي الجديد للقضاء إصرار الرئيس تبون على تجسيد استقلال القضاء فعليًا، فالإصلاحات الدستورية والقانونية الجارية تُبرهن على التزامه ببناء دولة المؤسسات وترسيخ أسس الديمقراطية والعدالة في إطار من الشفافية والمصداقية.

على المستوى الدولي، يشكّل هذا التحول القانوني رسالة سياسية واضحة بأن الجزائر تدخل مرحلة جديدة من السيادة القانونية، تجعلها في موقع الدول التي تعتمد العدالة المستقلة كأداة من أدوات قوتها الناعمة.

فكلما اشتد استقلال القضاء، ازدادت قوة الدولة ومكانتها في النظام الدولي.

● القاضي المستقلّ… من موظف إداري إلى فاعل سيادي

في خطوة وُصفت بالأهم منذ تعديل الدستور، خطا الرئيس عبد المجيد تبون خطوة حاسمة نحو ترسيخ استقلالية السلطة القضائية عبر المصادقة على مشروع القانون العضوي المتضمن القانون الأساسي للقضاء، الذي أحدث قطيعة مع القانون السابق رقم 04-11 المؤرخ في 6 سبتمبر 2004 من حيث الحقوق والامتيازات والمسؤوليات.

لم يكتفِ القانون الجديد بتثبيت مكانة القاضي كركيزة لدولة القانون، بل أعاد النظر في مساره المهني والاجتماعي، مؤكدًا أن “كرامة القاضي من كرامة العدالة”، ومجسّدًا الإرادة السياسية للرئيس تبون في بناء قضاء مستقلّ، فعّال، وعصري.

أعاد القانون الجديد صياغة الفلسفة القانونية برمتها، ليُكرّس لأول مرة الاستقلال المؤسساتي للمجلس الأعلى للقضاء، الذي أصبح الجهة الحصرية لتسيير المسار المهني للقاضي من التعيين إلى التقاعد، لينتقل القاضي من موقع “الموظف القضائي” إلى فاعل دستوري مستقلّ بفضل مواد جعلت المجلس سلطة سيادية في النقل والترقية والتأديب.

مصدر الصورة

تمثل هذه النقلة النوعية تتويجًا لمسار سياسي بدأ منذ سنة 2019، يقوم على بناء مؤسسات قوية لا أشخاص أقوياء.

فالقاضي المستقل هو العمود الفقري لأي دولة عادلة، وإصلاح القضاء بهذا الشكل يعكس نضوجًا سياسيًا ورؤية بعيدة المدى تجعل من العدالة هي حجر الزاوية

● العدالة كمعيار لقوة الدولة

بهذا المسار الإصلاحي المتكامل، تضع الجزائر أسس دولة القانون على أرض صلبة، حيث يصبح القضاء سلطة لا سلطة عليها، وحيث يُحمى القاضي باعتباره حارسًا لضمير الأمة قبل أن يكون موظفًا في جهاز الدولة.

لقد جعل الرئيس تبون بحسب المراقبين من استقلال القضاء محورًا أساسيا في برنامجه ، إدراكًا منه أن العدالة ليست مؤسسة فحسب، بل هي جوهر السيادة الوطنية وشرطها الأخلاقي والسياسي في آن واحد.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا