آخر الأخبار

الجزائر تصنع مستقبلها الصناعي الرقمي: من "الحامول" إلى العالم

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

الجزائر تصنع مستقبلها الصناعي الرقمي: من “الحامول” إلى العالم

الجزائرالٱن _ لم تعد الرقمنة في الجزائر مجرّد عنوان إصلاحي أو طموحٍ بيروقراطي، بل أصبحت واقعًا تصنعه المشاريع الميدانية التي تغيّر وجه الصناعة الوطنية.

تقرير الجمعية العالمية لوكالات ترقية الاستثمار (WAIPA) لعام 2024–2025، وضع الجزائر في مقدّمة الدول التي نجحت في تحويل التحوّل الرقمي إلى ممارسة تشغيلية، مستشهدًا بتجربةٍ صناعية فريدة تمثّلت في المشروع المشترك بين شركة الحاج العربي للصناعة (SHLI) والمجمع الصناعي الصيني DOUBLESTAR TIRE، باستثمارٍ فاق 450 مليون دينار جزائري.

هذه التجربة، التي تمّت متابعتها رقمياً منذ تخصيص الأرض إلى بدء التنفيذ، تُعدّ نموذجًا جديدًا في حوكمة الاستثمار ومتابعة الأداء الصناعي في الزمن الحقيقي، ما يعكس تحوّلًا عميقًا في فلسفة التسيير الاقتصادي داخل الجزائر.

صناعة السيادة… لا مجرد إنتاج

في المنطقة الصناعية “الحامول” بوهران، يتشكّل اليوم واحد من أضخم المشاريع الصناعية في تاريخ الجزائر. مشروع SHLI لا يهدف فقط إلى إنتاج العجلات، بل إلى إعادة تعريف الصناعة كأداة سيادة وطنية، تعكس استقلال القرار الاقتصادي وقدرة الدولة على إدارة المشاريع الكبرى وفق معايير الشفافية والفعالية.

التقرير أشاد بالمنهج الجديد الذي تتعامل به السلطات الجزائرية مع الاستثمار، حيث أصبحت الأولوية لـ النجاعة، السرعة في المعالجة، والرقمنة الكاملة للإجراءات، وهي عناصر يرى الخبراء أنها أكثر جذبًا للمستثمرين من أي حوافز مالية.

منصة إنتاج ضخمة برؤية تكنولوجية متقدمة

يدخل المصنع مرحلته الثانية بإسناد أشغال “ورشة خلط المطاط الكبرى” إلى شركة ركيمة (EG REKIMA)، بعد منافسة قوية بين العروض المحلية والأجنبية.

الورشة تُعتبر القلب النابض للمصنع، الذي يُتوقع أن ينتج 7 ملايين عجلة سنويًا في مرحلته الأولى، منها مليون مخصصة للشاحنات والمركبات الثقيلة، على أن ترتفع القدرة الإنتاجية تدريجيًا إلى 22 مليون عجلة مع توسع وحدات الإنتاج عبر ولايات أخرى.

الاستثمار الإجمالي للمشروع يقدّر بنحو 50 مليار دينار جزائري، وهو رقم يعكس رهان الدولة على بناء قاعدة صناعية متكاملة تمتد من المواد الأولية إلى التصدير.

الذكاء الاصطناعي يدخل قلب الصناعة الجزائرية

التميّز الحقيقي للمشروع لا يكمن فقط في ضخامته، بل في التكنولوجيا المستخدمة داخله.

مصدر الصورة

فلأول مرة في الجزائر، سيتم اعتماد تقنية “الأطياف الصناعية المعقدة”، وهي منظومة متقدمة تعتمد الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة الإنتاج وكفاءة المواد في الزمن الفعلي.

هذه التقنية لا توجد إلا في عدد محدود من المصانع عبر العالم، ما يجعل المشروع خطوة رمزية في انتقال الجزائر من مرحلة استيراد التكنولوجيا إلى مرحلة صناعتها وتكييفها.

التحول الرقمي هنا ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة لتأسيس صناعة ذكية ومستقلة تُعيد للجزائر مكانتها كقوة صناعية صاعدة.

إرادة تنفيذ تتجاوز تحديات الأرض والظروف

رغم الصعوبات الهندسية الناتجة عن طبيعة الأرض السبخية في “الحامول”، وارتفاع تكاليف التهيئة، تتواصل الأشغال بوتيرة منضبطة ومنتظمة تضمن احترام الآجال المحددة لنهاية سنة 2026.

هذا الانضباط لم يعد استثناءً، بل أصبح جزءًا من ثقافة جديدة في التسيير الصناعي، حيث باتت الدولة تتعامل مع الزمن بوصفه عنصرًا من عناصر السيادة الاقتصادية.

فاحترام المواعيد وتحقيق الأهداف في آجالها لم يعد تفصيلاً إداريًا، بل مؤشرًا على كفاءة الدولة في تحويل قراراتها إلى منجزات ميدانية.

منصات تشغيل وفرص جديدة للكوادر الوطنية

من المنتظر أن يخلق المشروع أكثر من 2000 منصب عمل مباشر، إلى جانب آلاف الوظائف غير المباشرة ضمن شبكات المناولة، والخدمات اللوجستية، والنقل.

هذا الامتداد الوظيفي يجعل المصنع قطبًا اقتصاديًا في غرب الجزائر، ونقطة دعمٍ قوية لسلسلة الإنتاج الوطني في مجال النقل وصناعة السيارات.

ولتعزيز صورة هذا الإنجاز، أعدّت شركة SHLI خطة تواصل غير مسبوقة تشمل تنظيم زيارات تقنية للصحفيين وخبراء الاقتصاد، في خطوة تهدف إلى تسويق الصناعة الجزائرية كقصة نجاح وطنية تُروى للعالم.

تحالف متوازن يعيد تعريف الشراكة الدولية

تجربة SHLI وDOUBLESTAR لم تكن مجرّد اتفاق تجاري، بل تحالف متكافئ الأدوار يجمع بين الخبرة التكنولوجية الصينية والقدرات التنظيمية والبشرية الجزائرية.

الجزائر لا تدخل هذه الشراكة من موقع التبعية، بل من موقع المساهمة الفاعلة في صياغة قواعد جديدة للاستثمار الدولي، تجعل من نقل المعرفة والتقنيات شرطًا أساسيًا لأي تعاون اقتصادي.

بهذا، تتحوّل الجزائر من سوق مستهلكة إلى فاعل صناعي يصدر منتجات وتكنولوجيا نحو الخارج.

نموذج استثماري جديد برؤية إفريقية

تقرير WAIPA خلص إلى أن الجزائر تتقدم بثبات نحو بناء نموذج استثماري شفاف وفعال يقوم على الإصلاح المؤسسي والرقمنة الشاملة.

الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار (AAPI) أصبحت اليوم منصة إقليمية مؤثرة، تتجاوز الإطار الوطني نحو تشكيل فضاءٍ إفريقي متكامل لجذب الاستثمارات النوعية.

هذا التحول يعكس نضج الرؤية الاقتصادية الجزائرية التي لم تعد تكتفي بجذب رؤوس الأموال، بل تسعى لصياغة مشروعٍ استراتيجي يربط القارة الإفريقية بالاقتصاد العالمي.

الجزائر تبني… لا تنتظر

من وهران إلى باقي الولايات، تكتب الجزائر فصلًا جديدًا من تاريخها الصناعي.

فهي اليوم لا تبحث عن مصانع تُقام مؤقتًا، بل عن منظومات تُبنى بعقل الدولة وإرادة السيادة.

لم تعد تكتفي بالشعارات، بل تجسّد “الجزائر الجديدة” في مصانع حقيقية، تُدار بالذكاء وتُبنى بالجرأة.

ومن قلب “الحامول”، تنطلق الجزائر لتضع توقيعها على أول صفحة من مستقبلٍ صناعيٍّ رقميٍّ سياديّ يربط بين التكنولوجيا، التنمية، والكرامة الوطنية.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا