الجزائر الآن _ انطلقت، يوم الثلاثاء، من مطار الجزائر الدولي “هواري بومدين”، أول رحلة جوية مباشرة للخطوط الجوية الجزائرية نحو العاصمة التشادية نجامينا، لتدشّن رسميًا خطًا استراتيجيًا جديدًا يعزز الحضور الجزائري في قلب القارة الإفريقية.
وجرت مراسم الإطلاق تحت إشراف رئيس ديوان وزارة الداخلية والجماعات المحلية والنقل، بوعمامة بلمخفي، ممثلًا لوزير القطاع، وبحضور الرئيس المدير العام للخطوط الجوية الجزائرية حمزة بن حمودة، وسفير التشاد لدى الجزائر مختار واوا ذهب، في مشهد عكس الأهمية الدبلوماسية والاقتصادية للمبادرة.
ويأتي الخط الجديد تنفيذاً لتعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي دعا في سبتمبر الماضي، خلال افتتاح معرض التجارة البينية الإفريقية، إلى فتح خطوط جوية مباشرة تربط الجزائر بعدة عواصم في القارة، وفي مقدمتها نجامينا، تجسيداً لسياسة الانفتاح الإفريقي وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.
وسيُشغَّل الخط بمعدل رحلتين أسبوعيًا، يومي الثلاثاء والجمعة، مرورًا بمدينة دوالا الكاميرونية، بعد أن حصلت الجزائر على حق الحرية الخامسة في النقل الجوي، ما يسمح للخطوط الجزائرية بتقديم خدمات نقل بين دوالا ونجامينا أيضًا.
وأكد ممثل وزارة الداخلية أن هذا المشروع يترجم الرؤية السياسية الجديدة للدولة الجزائرية، الهادفة إلى جعل النقل الجوي رافعة للتعاون الاقتصادي والتجاري والإنساني بين الجزائر والدول الإفريقية.
ويمثل الخط الجديد بحسب المراقبين تجسيدًا عمليًا لمبدأ “الاندماج القاري” الذي تتبناه الجزائر منذ سنوات، خاصة بعد انضمامها إلى اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية.
فالربط الجوي بين الجزائر ونجامينا ليس مجرد خطوة في مجال النقل، بل هو امتداد جيو-اقتصادي نحو الساحل الإفريقي، يعزز نفوذ الجزائر في منطقة تُعدّ حيوية من حيث الأمن والطاقة والمبادلات التجارية.
الخط الجديد بحسب ذات المراقبين ،هو ممر دبلوماسي وتجاري في آن واحد، يربط شمال إفريقيا بوسطها في سياق تنافس استراتيجي متصاعد بين القوى الإقليمية.
من جهته، صرّح الرئيس المدير العام للخطوط الجوية الجزائرية حمزة بن حمودة أن فتح هذا الخط يعكس التزام الشركة بمرافقة التوجهات الاستراتيجية للدولة نحو القارة الإفريقية، مؤكداً أن هذه المبادرة ستُعزّز موقع الجزائر كمنصة جوية مركزية في إفريقيا.
وأشار بن حمودة إلى أن تطوير شبكة النقل الجوي الإفريقية سيسمح بخلق ديناميكية اقتصادية جديدة، لا سيما من خلال تسهيل حركة رجال الأعمال والبعثات التجارية والطلابية بين البلدين.
أما سفير التشاد لدى الجزائر، فقد عبّر عن سعادته بهذا الحدث الذي وصفه بـ”التاريخي”، مؤكدًا أن فتح الخط الجديد يجسّد عمق العلاقات الجزائرية-التشادية ويترجم الإرادة السياسية المشتركة لقيادتي البلدين في بناء تعاون نموذجي.
وأشاد السفير بالجهود المشتركة التي بُذلت خلال السنوات الأخيرة لتقريب وجهات النظر وتفعيل مشاريع النقل والبنية التحتية، معتبرًا أن هذا الإنجاز خطوة نحو “توحيد الأفق الإفريقي المشترك”.
كما دعا السفير إلى رفع وتيرة الرحلات مستقبلًا، تماشياً مع توقعات زيادة الطلب التجاري والسياحي بين العاصمتين.
و يأتي هذا التطور في سياق عودة قوية للجزائر إلى فضائها الإفريقي التقليدي، عبر دبلوماسية النقل والربط الجغرافي.
فالخط الجوي نحو نجامينا يكتسب أهمية أمنية واقتصادية مزدوجة: من جهة، يرسخ التعاون مع دول الساحل التي تواجه تحديات الإرهاب والهجرة غير النظامية، ومن جهة أخرى، يفتح بوابة أمام التبادلات التجارية المباشرة دون المرور عبر مراكز أوروبية.
هذا النوع من المشاريع يعيد رسم خريطة النفوذ في إفريقيا، حيث تسعى الجزائر إلى منافسة النماذج المغربية والفرنسية والتركية عبر استراتيجية “الربط جنوب-جنوب”، مستندة إلى أدوات سيادية: الخطوط الجوية، الدبلوماسية الاقتصادية، والاستثمار في البنية التحتية.
وفي ختام المراسم، شدد ممثل وزارة الداخلية على أن هذه المبادرة ليست سوى مرحلة أولى ضمن خطة أشمل لربط الجزائر بعدة عواصم إفريقية، مثل أبوجا، نيروبي، وأديس أبابا، في أفق بناء شبكة نقل جوي قارية تضع الجزائر في مركز الحركة الإفريقية الجديدة.
وأكد أن نجاح هذا المشروع يعتمد على مرافقة دبلوماسية فعالة، وتسهيلات في التأشيرات والخدمات اللوجستية، بما يضمن تحقيق الأهداف الاقتصادية والإنسانية المنشودة.
بهذا الخط، ترسخ الجزائر مبدأ “السيادة عبر الربط”، أي استخدام البنية التحتية والنقل كأدوات لبناء نفوذ جيوسياسي متكامل. فحين تربط الجزائر نجامينا ودوالا، فإنها لا تنقل فقط المسافرين، بل تربط مجتمعات وأسواق ومجالات نفوذ.
الرحلة الجوية الجديدة ليست مجرد حدث تقني، بل هي تعبير عن تحول استراتيجي في رؤية الجزائر لإفريقيا: من فضاء تضامن تاريخي إلى فضاء نفوذ اقتصادي وسياسي متوازن، يجعل من الجزائر مركزًا للتفاعل الإفريقي في القرن الحادي والعشرين.