آخر الأخبار

بعد سقوط روتايو.. باريس تبعث برسائل جديدة إلى الجزائر

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

بعد سقوط روتايو.. باريس تبعث برسائل جديدة إلى الجزائر

الجزائرالٱن _ في خطوة تهدئة جديدة تجاه الجزائر، أعرب وزير الداخلية الفرنسي الجديد لوران نونيز عن رغبته الصريحة في إعادة فتح قنوات الحوار مع الجزائر، مشدداً على أن انقطاع التعاون الأمني يمثل “مشكلة كبيرة” بالنسبة لفرنسا. التصريحات التي جاءت في مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية رئيسية، تمثل تحولاً واضحاً في النبرة الفرنسية بعد أشهر من التصعيد والمواجهة الكلامية .

“ يجب استئناف الحوار في مرحلة ما “

قال نونيز في تصريحاته لوسائل الإعلام الفرنسية (فرانس إنتر، فرانس إنفو، لوموند): “أدرك أن التوتر الحالي مع الجزائر يعني أننا لم نعد نقيم علاقات أمنية معها، ولا أي تبادل أمني. بالنسبة لوزير الداخلية، هذه مشكلة، بل مشكلة كبيرة “.

وأضاف بنبرة حازمة لكن منفتحة: “لا شك أن هناك حاجة إلى تحرك في هذا الشأن. وفي مرحلة ما، سيتعين علينا استئناف الحوار مع الجزائريين بشأن القضايا الأمنية وتبادل المعلومات “.

وأكد الوزير الجديد: “سأعمل على ذلك بنفسي”، في إشارة واضحة إلى التزامه الشخصي بحل هذا الملف العالق .

ملف تصاريح العبور على الطاولة

أوضح نونيز أنه لم يتواصل بعد مع نظيره الجزائري، لكنه أكد عزمه على استعادة العمل بـ”الوثائق القنصلية” الخاصة بعمليات الترحيل، قائلاً: “من الواضح أننا نحتاج إلى استئناف (استصدار) تصاريح العبور. سأعمل على ذلك “.

هذا الملف يمثل أحد أبرز نقاط الخلاف بين البلدين في الأشهر الأخيرة، حيث ترفض الجزائر منذ جانفي الماضي استقبال رعاياها المبعدين من فرنسا، بسبب عدم حصول باريس على الترخيص القنصلي اللازم .

نهاية عهد روتايو تعيد الهدوء

تشكل تصريحات نونيز تبايناً صارخاً مع خطاب سلفه برونو روتايو، الذي اتسمت فترة ولايته بالتصعيد المستمر والخطابات النارية ضد الجزائر .

مصدر الصورة

روتايو، الشخصية البارزة من اليمين الفرنسي، كان قد هدد بالاستقالة في حال طُلب منه “الاستسلام” في ملف الجزائر، ودعا إلى “رد متدرج” قد يصل إلى إعادة النظر في اتفاق 1968 الذي ينظم إقامة الجزائريين في فرنسا .

الجزائر: روتايو “يتحمل المسؤولية الكاملة “

ردت وزارة الخارجية الجزائرية بقوة على ممارسات روتايو، واصفة تصرفه بـ”المشين”، ومتهمة إياه بأنه “يجيد الممارسات القذرة لأغراض شخصية بحتة”. كما شددت الجزائر على أن روتايو “يتحمل المسؤولية الكاملة للمنحى الذي ستأخذه العلاقات بين الجزائر وفرنسا “.

سقوط روتايو من الحكومة الحالية، وتعيين لوران نونيز خلفاً له، اعتُبر من قِبل عدد من المتابعين مؤشراً على رغبة باريس في خفض منسوب التوتر مع الجزائر .

من هو لوران نونيز؟

نونيز، الذي شغل سابقاً منصب محافظ شرطة باريس ومدير عام الأمن الداخلي، يُعرف بخلفيته التقنية وابتعاده عن الخطابات الإيديولوجية .

مصدر الصورة

ما يثير الاهتمام أكثر هو جذوره العائلية، فنونيز من أصول تعود لوهران، لعائلة من الأقدام السوداء. هذه الخلفية قد تمنحه فهماً أعمق لتعقيدات العلاقات الجزائرية-الفرنسية، وربما تساعده في بناء جسور الثقة مع الجزائر .

نهج تقني بعيد عن الأيديولوجيا

على عكس روتايو الذي استخدم ملف الجزائر كورقة سياسية في حملته الانتخابية لقيادة حزب الجمهوريين، يُتوقع من نونيز أن يتبنى نهجاً تقنياً وبراغماتياً في التعامل مع الملفات الأمنية والدبلوماسية .

خلفية الأزمة .. من صيف 2024 إلى اليوم

تمر العلاقات بين باريس والجزائر بمرحلة جمود حاد منذ صيف 2024، عقب اعتراف فرنسا بخطة الحكم الذاتي المغربي المزعوم في الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي اعتبرته الجزائر خطاً أحمر وانقلاباً على سياسة الحياد التاريخية التي انتهجتها باريس .

التصعيد الدبلوماسي الذي تلا ذلك شمل :

ـ طرد الجزائر لعدد من الدبلوماسيين الفرنسيين

ـ وقف التنسيق الأمني بين البلدين

ـ تجميد التعاون في عمليات الترحيل

ـ توقف تبادل المعلومات الاستخباراتية

اتفاق 1968 خط أحمر لن يُمس

في ما يتعلق بالدعوات المتكررة داخل فرنسا لإعادة النظر في اتفاق 1968 الفرنسي-الجزائري المنظم لإقامة الجزائريين، رفض الوزير الخوض في الأمر قائلاً: “لدينا هذا الاتفاق وهو يؤدي غرضه، إنه ليس مثالياً تماماً، أوافقكم على ذلك، ولكنه في الوقت الراهن ليس على جدول الأعمال “.

هذا الموقف يمثل تراجعاً واضحاً عن تهديدات روتايو ورئيس الوزراء فرانسوا بايرو السابقة بإلغاء أو إعادة التفاوض على هذا الاتفاق .

يُذكر أن هذا اتفاق 1968، الموقع بعد ست سنوات من استقلال الجزائر عام 1962، يمنح رعاياها إجراءات تفضيلية للحصول على إقامات طويلة الأمد في فرنسا. الاتفاق أُبرم في فترة كانت فيها فرنسا بحاجة ماسة للعمالة الجزائرية لدعم اقتصادها المتنامي .

إشارات التهدئة المتتالية من باريس

تأتي تصريحات نونيز كإشارة تهدئة ثانية نحو الجزائر في ظرف وجيز، بعد توجيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سفيره في الجزائر، ستيفان روماتي، لحضور إحياء ذكرى مظاهرات 17 أكتوبر 1961 .

هذه الخطوة الرمزية، التي تُعد الأولى من نوعها لسفير فرنسي في الجزائر، اعتُبرت بادرة حسن نية من ماكرون تجاه الجزائر .

هل انتهت الأزمة؟

المؤشرات الأخيرة تشير إلى رغبة فرنسية حقيقية في خفض التصعيد وإعادة بناء العلاقات مع الجزائر. التخلص من روتايو، الذي كان يُنظر إليه كعامل رئيسي في تأجيج التوتر، يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعامل البراغماتي .

ومع ذلك، يبقى السؤال: هل ستستجيب الجزائر لهذه الإشارات؟ وهل ستكون كافية لتجاوز الخلافات الجوهرية، وخاصة موقف فرنسا من قضية الصحراء الغربية؟

التحديات المقبلة أكثر من مجرد تبادل دبلوماسي

بينما تبدو تصريحات نونيز إيجابية، تبقى التحديات الحقيقية عميقة ومعقدة :

الملف الأمني: استئناف التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية يتطلب إعادة بناء الثقة التي تآكلت خلال الأزمة الأخيرة. فرنسا تعتمد على الجزائر كشريك محوري في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل .

ملف الهجرة: حل هذا الملف يتطلب توافقاً حول آليات عمل واضحة لاستصدار تصاريح العبور، مع احترام السيادة الجزائرية والإجراءات القانونية .

الصحراء الغربية: يبقى هذا الملف هو الأكثر حساسية. فرنسا اتخذت موقفاً واضحاً بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية المزعومة، والجزائر لم تُظهر أي استعداد للتنازل عن موقفها الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير .

الكرة في ملعب ماكرون

في النهاية، نجاح مساعي نونيز يعتمد على الإرادة السياسية من أعلى مستوى. ماكرون هو من يملك القرار النهائي في تحديد مسار العلاقات مع الجزائر. إشاراته الأخيرة توحي بأنه يدرك أهمية الشراكة مع الجزائر، لكن السؤال يبقى: هل سيكون مستعداً لتقديم تنازلات حقيقية؟

مصدر الصورة

الجزائر من جهتها، أوضحت مراراً أنها لن تقبل بعلاقات نصف حل. التهدئة الحقيقية تتطلب احترام السيادة الجزائرية، والعودة إلى سياسة الحياد في قضية الصحراء الغربية، واحترام الاتفاقيات الثنائية القائمة .

في الأسابيع والأشهر المقبلة، سنرى ما إذا كانت تصريحات نونيز مجرد كلمات دبلوماسية، أم بداية لمرحلة جديدة من التعاون المثمر بين الجزائر وفرنسا.

شارك

الأكثر تداولا اسرائيل حماس دونالد ترامب

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا