الجزائر الآن _ أثارت تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حول الاقتصاد الجزائري اهتمام المتابعين والمحللين الاقتصاديين، إذ وصف فيها الجزائر بأنها قوة اقتصادية صاعدة في إفريقيا، مشيدًا بالرؤية الاقتصادية للرئيس عبد المجيد تبون وبالخطوات الإصلاحية التي أعادت توجيه الاقتصاد الوطني نحو التنويع والاستدامة بعيدًا عن الريع النفطي التقليدي.
وجاء تصريح لافروف ليعكس إدراك المجتمع الدولي لمدى التقدم والتحولات الاقتصادية العميقة التي تشهدها الجزائر، خصوصًا في ظل المشاريع الكبرى للإنتاج الوطني والاستثمار الأجنبي المباشر.
فالوزير الروسي صاحب الخبرة الكبيرة في دواليب السياسة العالمية، لم يقتصر على الثناء الدبلوماسي، بل أشار ضمنيًا إلى أن الجزائر تتجه نحو أن تكن نموذجًا في بناء اقتصاد متوازن قادر على مواجهة الصدمات العالمية، في حال تجسيد المشاريع الاقتصادية المخطط لها والتي تندرج ضمن رؤية الرئيس تبون ، وهو ما يعكس جدية ورؤية استراتيجية وطنية واضحة في قيادة الاقتصاد نحو التحديث والتنويع.
_ لافروف يكشف تفاصيل مباحثات الرئيس تبون في موسكو سنة 2023
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد كشف خلال حوار أجراه مع قناة Rt الروسية تفاصيل مباحثات الرئيس تبون في موسكو سنة 2023 حيث أكد أن المباحثات بين الجانبين ركزت على إطلاق برامج استثمارية مبتكرة تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الجزائري.
وأوضح لافروف، في ذات المقابلة التلفزيونية أن الجزائر تتبنى اليوم رؤية اقتصادية جديدة لا تقوم فقط على تصدير المواد الخام، بل تسعى إلى إقامة شراكات استراتيجية تسمح لها باكتساب التكنولوجيا والخبرة اللازمة لتطوير إنتاج محلي متكامل.
وأشار الوزير الروسي ،إلى أن الرئيس تبون طرح خلال زيارته سؤالاً محورياً يتعلق بإمكانية إنشاء مصانع لإنتاج الأسمدة داخل الجزائر بدل الاكتفاء بتصدير المواد الأولية واستيراد المنتجات المصنعة، مؤكداً أن الخبراء الروس يدرسون حالياً هذا المقترح ضمن خطة للتعاون الصناعي بين البلدين.
وشدد لافروف على أن هذه المشاريع، في حال تجسيدها، ستُسهم في تحقيق استقلال اقتصادي حقيقي للجزائر عن القوى الاستعمارية السابقة، من خلال بناء قاعدة صناعية وطنية قوية وتعزيز الصناعات التحويلية التي تخلق القيمة المضافة وفرص العمل، وتمنح الجزائر موقعاً ريادياً في القارة الإفريقية.
وفي تعليقه على تصريحات سيرغي لافروف أكد الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني لصحيفة “ الجزائر الآن” الالكترونية ان تصريحات وزير الخارجية الروسي مؤشرات قوية على نجاح الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقها الرئيس تبون.
ويشير سليماني إلى أن هذه الإصلاحات لم تقتصر على الجانب النظري، بل تجسدت على أرض الواقع من خلال مشاريع استثمارية صناعية وزراعية جديدة، ودعم الاقتصاد المعرفي، وإعادة هيكلة المنظومة المالية، ما جعل الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو اقتصاد ناشئ متنوع ومستدام.
_ إصلاحات بنيوية لبناء اقتصاد منتج ومستدام
ذات الخبير الإقتصادي أكد أن الرئيس تبون اعتمد مخططًا استراتيجيًا يقوم على الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج ومدر للثروة، من خلال إصلاحات شملت المالية العمومية، السياسة الصناعية، والحوكمة الاقتصادية.
ورغم الظروف الاستثنائية التي واجهتها الجزائر خلال السنوات الأولى — من أزمة كوفيد-19 إلى انهيار أسعار النفط — فإن الرؤية الاستشرافية للرئيس تبون مكّنت من الحفاظ على التوازنات الكبرى للدولة، وإطلاق مسار إصلاحي عميق .
ومن أبرز محاور هذه الإصلاحات:
1_ ترشيد النفقات العمومية ومراجعة سياسة الدعم.
2_ مكافحة الفساد وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية.
3_ إصدار قانون الاستثمار الجديد (2022) الذي ألغى قاعدة 49/51 في معظم القطاعات.
4_ إنشاء الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار لتسهيل الإجراءات ومرافقة المستثمرين.
5_ تحفيز المؤسسات الناشئة Startups عبر تمويلات خاصة وإعفاءات ضريبية.
هذه الخطوات بحسب عبد القادر سليماني وضعت الجزائر على سكة التحول الحقيقي، وجعلت الاقتصاد الوطني يدخل مرحلة جديدة من النمو القائم على الاستثمار والإنتاج المحلي.
_ الرئيس تبون يقود وثبة اقتصادية جديدة
و يرى الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني أن الإصلاحات الاقتصادية للرئيس تبون “أسست لمرحلة نوعية من التحول البنيوي”، مشيرًا إلى أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة تعكس إدراك الشركاء الدوليين للمكانة الاقتصادية الجديدة للجزائر.
ويضيف سليماني في حديثه أن الجزائر حققت معدلات نمو تتراوح بين 4 و5 بالمائة في قطاعات الفلاحة، التصنيع، المناجم، واقتصاد المعرفة، بفضل السياسة الاقتصادية الواقعية التي انتهجها الرئيس.
كما تم تسجيل ما يقارب 16 ألف مشروع استثماري جديد و700 مشروع أجنبي، مما جعل الجزائر تحجز لنفسها مكانة متقدمة ضمن الاقتصادات الصاعدة في إفريقيا، محتلة المرتبة الثالثة قارياً.
_ شراكات استراتيجية وتنويع اقتصادي مدروس
أوضح الخبير سليماني أن تصريحات لافروف الأخيرة تؤكد عمق الشراكة التاريخية بين الجزائر وروسيا، والتي تمتد إلى دعم الثورة الجزائرية، لكنها اليوم تتطور نحو شراكات اقتصادية متكافئة ومربحة للطرفين.
فالجزائر، حسب قوله، ماضية في تنويع شركائها الاستراتيجيين، عبر فتح علاقات اقتصادية متقدمة مع أقطاب عالمية كالصين، الهند، الولايات المتحدة، إيطاليا، والدول الإفريقية والعربية.
وقد عكست نتائج معرض التجارة البينية الإفريقية هذه الديناميكية، حيث تجاوزت قيمة الصفقات الاقتصادية الإجمالية 48 مليار دولار، نالت الجزائر منها حصة 23 مليار دولار من الاستثمارات والمشاريع المشتركة، ما جعلها من أبرز الوجهات الاقتصادية في القارة بشهادة مؤسسات مالية دولية كالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي.
_ الجزائر.. ضامن الطاقة في المتوسط وإفريقيا
بحسب رأي ذات المتحدث ،تُعد الجزائر اليوم أحد أهم الضامنين للأمن الطاقوي الأوروبي بفضل قدراتها في تصدير الغاز والكهرباء النظيفة، ومشاريعها المستقبلية في مجال الهيدروجين الأخضر والأمونيا.
كما تجاوزت الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات عتبة 7 مليارات دولار سنة 2023، في سابقة تاريخية، بفضل تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية وفتح أسواق إفريقية جديدة بعد الانضمام إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
وفي الجانب المالي، ارتفع الاحتياطي النقدي إلى أكثر من 70 مليار دولار سنة 2024، ما يعكس تحسنًا في الميزان التجاري وثقة متزايدة في الاقتصاد الوطني.
_ الفلاحة والطاقات المتجددة.. ركائز الاقتصاد الجديد
عبد القادر سليماني، قال بأن الرئيس تبون يولي اهتمامًا خاصًا بالقطاع الفلاحي، باعتباره قاطرة التنمية الوطنية.
فقد تم إطلاق مشاريع كبرى في الجنوب لاستصلاح الأراضي واستغلال المياه الجوفية، وتطوير الصناعات التحويلية الغذائية، بالشراكة مع مستثمرين من قطر وغيرها.
كما تراهن الجزائر على الطاقات المتجددة والسياحة البيئية والثقافية كرافد جديد للاقتصاد الوطني، في ظل التوجه العالمي نحو الاقتصاد الأخضر.
_ رؤية استراتيجية لمستقبل الاقتصاد الوطني
يرى ذات الخبير الاقتصادي أن الجزائر اليوم “في المسار الصحيح لبناء اقتصاد قوي ومتوازن”، مع دخولها مرحلة الشراكات المستدامة مع قوى اقتصادية كبرى كالصين، إيطاليا، وروسيا .
وأشار إلى أن معدل النمو خارج قطاع المحروقات بلغ 6 بالمائة، وهو مؤشر واضح على تحوّل الجزائر نحو اقتصاد ناشئ في مختلف القطاعات الاستراتيجية.
ويضيف أن الجزائر تمتلك اليوم نحو 10 آلاف مؤسسة صناعية، ومئات المشاريع الناشئة التي تُؤسس لنهضة صناعية حقيقية، تستند إلى التكنولوجيا والمعرفة، وتطمح لبلوغ 400 مليار دولار كدخل وطني إجمالي على المدى المتوسط.
_ نحو نهضة اقتصادية شاملة
تصريحات لافروف، بحسب سليماني، تمثل “اعترافًا دوليًا بالتحول الاقتصادي الجزائري” وبدور الرئيس تبون في قيادة نهضة صناعية واقتصادية شاملة تؤمن السيادة الوطنية وتكرّس استقلال القرار الاقتصادي.
فالجزائر اليوم ليست مجرد سوق استهلاكية، بل ورشة إنتاج حقيقية تُبنى فيها الصناعة الوطنية على أسس المعرفة والتكنولوجيا، وتسير بخطى واثقة نحو التحول إلى قوة اقتصادية إقليمية صاعدة.