_ تناقضات المرزوقي الفاضحة… ازدواجية معايير أم ولاء مشبوه؟
الجزائر الآن _ عاد الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي ليثير موجة جديدة من السخط والاستنكار في الجزائر ومصر وتونس، بعد تصريحات متناقضة أدلى بها في برنامج تلفزيوني كشفت عن ازدواجية فاضحة في المعايير وانحياز واضح يثير علامات استفهام كبيرة حول دوافعه ومصداقيته السياسية.
_ ازدواجية المعايير… المغرب استثناء والجزائر تحتاج “ثورة”!
في حوار مع الإعلامي المصري المعارض محمد ناصر على قناة “مكملين”، انتشر على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، أعلن المرزوقي بكل براءة أن “المغرب لا يحتاج إلى ثورة تطيح بالنظام، بل إلى إصلاحات سياسية فقط”، بينما أكد في المقابل أن “الجزائر وتونس ومصر تحتاج إلى تغيير جذري للأنظمة”.
هذا التصريح المثير للدهشة يطرح سؤالًا جوهريًا: لماذا يُستثنى المغرب من “التغيير الجذري” رغم أنه يشهد مظاهرات شبابية متكررة ومطالب شعبية بالإصلاح؟ ولماذا تُحكم الجزائر ومصر وتونس بمعيار مختلف تمامًا؟ هل للجغرافيا السياسية والارتباطات الشخصية دور في هذا التمييز الغريب؟
_ ارتباك واضح وعجز عن التبرير
لم يكن مقدم البرنامج نفسه أقل استغرابًا من المتابعين، فوجه سؤالًا مباشرًا للمرزوقي عن سبب هذا التمييز الصارخ. حاول الضيف التملص من الإحراج بالقول إن “تكلفة الثورة في المغرب ستكون باهظة”، لكن هذا التبرير الواهي سقط سريعًا عندما رد عليه المذيع بأن “الكلفة قد تكون أيضًا عالية في الجزائر أو مصر”.
بدا المرزوقي في حالة ارتباك واضح، عاجزًا عن تقديم تفسير منطقي لهذا التناقض الفاضح، مكتفيًا بعبارات مبهمة وعامة حول “خصوصيات التجارب الوطنية”، في محاولة يائسة للخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه. هذا العجز عن التبرير يكشف أن الموقف ليس مبنيًا على تحليل موضوعي أو رؤية سياسية متماسكة، بل على انحياز مسبق وولاءات شخصية.
_ منطق مقلوب وسياسة الكيل بمكيالين
المنطق السليم يقتضي أن من يدعو إلى التغيير الجذري يجب أن يطبق نفس المعايير على جميع الأنظمة التي يرى فيها خللًا. لكن المرزوقي يقلب هذا المنطق رأسًا على عقب، فيمنح المغرب صك “الإصلاح التدريجي” رغم المشاكل السياسية والاجتماعية التي يعاني منها، بينما يدعو إلى “إسقاط الأنظمة” في الجزائر ومصر وتونس، دول تتمتع باستقرار نسبي ومؤسسات دستورية قائمة.
هذه الازدواجية الفاضحة تثير تساؤلات حول من يوجه خطاب المرزوقي؟ ومن يستفيد من دعوته إلى الفوضى في دول بعينها بينما يحمي أخرى من أي مطالب بالتغيير؟ الواضح أن الرجل لم يعد يتحدث كسياسي مبدئي، بل كمن يخدم أجندة خارجية واضحة المعالم.
_ تاريخ من العداء للجزائر والانحياز للمغرب
ليست هذه المرة الأولى التي يكشف فيها المرزوقي عن موقفه العدائي من الجزائر. فقد سبق له أن اتهم الجزائر صراحة بـ”التآمر على الثورة التونسية”، في تصريحات أثارت عاصفة من الاستنكار. وفي ندوة نظمتها “جمعية شعاع” نهاية عام 2020، زعم المرزوقي أن “الجزائر وضعت العراقيل أمام الثورة التونسية وتعاملت مع الثورة المضادة”، في اتهامات خطيرة لم يقدم عليها أي دليل.
الأخطر من ذلك أن المرزوقي اعترف صراحة بأن النظام الجزائري كان “يعتبره رجل المغرب”، وهو ما حاول نفيه بشكل باهت، لكن تصريحاته المتكررة وازدواجية معاييره تؤكد صحة هذا التصنيف. فالرجل الذي عاش في المغرب وله ارتباطات عائلية مغربية (والده الذي استقر في المغرب وتزوج مغربية وأنجب سبعة أبناء هناك) يبدو أن ولاءاته الشخصية تطغى على أي حس وطني تونسي أو موضوعية سياسية.
_ إشادات مغربية تكشف اللعبة
بينما انهالت الانتقادات على المرزوقي من الجزائر ومصر وتونس، لم تتأخر الصفحات والأبواق المغربية عن الإشادة بتصريحاته، في مؤشر واضح على أن الرجل يخدم أجندة الرباط سواء بوعي أو بدونه. هذه الإشادات تؤكد أن المرزوقي بات أداة في يد المخزن المغربي لضرب الجزائر وزعزعة استقرار المنطقة.
_ موقف تونسي رافض لخطاب المرزوقي
الانتقادات لم تقتصر على الجزائر، بل امتدت إلى تونس نفسها، حيث اتهمه كثيرون بمحاولة إفساد العلاقة التونسية-الجزائرية المتينة. وقد سبق لرئيس البرلمان التونسي الأسبق راشد الغنوشي أن انتقد المرزوقي بشدة بسبب تصريحاته المعادية للجزائر، كما هوجم من أوساط تونسية واسعة ترى فيه خطرًا على مصالح بلادهم الاستراتيجية.
اليوم، المرزوقي ملاحق من سلطات بلاده التي تربطها علاقة استراتيجية مميزة مع الجزائر، ما يفسر جزئيًا محاولاته المستميتة لكسب ود الرباط عبر مهاجمة الجزائر والترويج لخطاب يخدم المصالح المغربية.
_ الرد المنطقي: الجزائر ليست ساحة للمغامرين
الحقيقة التي يتجاهلها المرزوقي هي أن الجزائر دولة مؤسسات دستورية، لها شرعيتها الشعبية وانتخاباتها الدورية ومؤسساتها المنتخبة. الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وصل إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع وحصل على تجديد الثقة من الشعب الجزائري في انتخابات شفافة. فبأي منطق يدعو المرزوقي إلى “إسقاط النظام” في دولة تحترم الشرعية الدستورية؟
أما المغرب، الذي يمنحه المرزوقي استثناءً فريدًا، فهو نظام ملكي وراثي لا يخضع للتداول الديمقراطي، ويشهد مظاهرات شبابية متكررة ومطالب بالإصلاح. فلماذا يستحق هذا النظام “الإصلاح التدريجي” بينما تستحق الجزائر “الثورة والتغيير الجذري”؟ الجواب بسيط: لأن المرزوقي لا يتحدث بمنطق الديمقراطية والإصلاح، بل بمنطق الولاء والانحياز.
_ خطاب الفوضى لا يمر
ما يحاول المرزوقي الترويج له هو خطاب الفوضى الخلاقة التي دمرت دولًا عربية عديدة. الجزائر التي عانت من العشرية السوداء وقدمت مئات الآلاف من الشهداء لن تقبل بأن يأتي من يدعو إلى العنف والفوضى باسم “التغيير”. الشعب الجزائري يعرف جيدًا ثمن الاستقرار، ولن ينخدع بخطابات المغامرين الذين يتاجرون بدماء الشعوب من على شاشات القنوات الفضائية.
_المرزوقي فقد المصداقية
بتصريحاته المتناقضة وازدواجية معاييره الفاضحة، يكون المرزوقي قد فقد ما تبقى من مصداقيته السياسية. فالرجل الذي كان يوماً رئيسًا لدولة عربية بات اليوم مجرد صوت نشاز يخدم أجندات خارجية، ويحاول زرع الفتنة بين دول المنطقة.
الجزائريون لم يعودوا يعيرون اهتمامًا لتصريحات المرزوقي، فهم يعرفون جيدًا من يقف وراءه ومن يوجه خطابه. والتاريخ سيسجل أن منصف المرزوقي اختار أن يكون أداة في لعبة إقليمية قذرة، بدلًا من أن يكون صوتًا مستقلًا يدافع عن مصالح الشعوب العربية ووحدتها.
أما الجزائر، فستواصل مسيرتها بثبات واستقرار، بعيدًا عن دعوات الفوضى ومحاولات الزعزعة، مستمدة قوتها من شعبها وشرعيتها من صناديق الاقتراع، لا من رضا هذا أو ذاك من المغامرين السياسيين الذين باعوا ضمائرهم بثمن بخس.