المجتمع الدولي يدين العنف في المغرب: غوتيريش يطالب بالمساءلة والاتحاد الأوروبي يدعو للتهدئة
الجزائرالٱن _ في تطور لافت للأحداث التي تشهدها المغرب منذ أواخر سبتمبر 2025، أعربت مؤسسات دولية رئيسية عن قلقها العميق من التصعيد الأمني الذي أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المتظاهرين الشباب.
وجاءت ردود الفعل الدولية، بقيادة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان، لتشكل ضغطاً متزايداً على السلطات المغربية للتعامل بشكل سلمي مع المطالب المشروعة للشباب.
موقف أممي واضح من استخدام القوة
أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش العنف الذي شهدته المغرب، مطالباً بالمساءلة والحوار بعد أن أسفرت الاحتجاجات الشبابية التي شهدتها البلاد هذا الأسبوع عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل وإصابة المئات.
انتقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش استخدام العنف خلال الاحتجاجات، داعياً المتظاهرين إلى التعامل بشكل سلمي، كما رحب بنوايا الحكومة في الدخول في حوار.
وفي تصريح رسمي عبر متحدثه، حث غوتيريش جميع الأطراف على ضمان أن تتم الاحتجاجات “بطريقة سلمية، مع احترام الحياة والممتلكات وسيادة القانون”، في إشارة واضحة إلى ضرورة التزام القوات الأمنية بالمعايير الدولية في التعامل مع المتظاهرين.
الاتحاد الأوروبي: دعوة صريحة لضبط النفس
دعا الاتحاد الأوروبي “جميع الأطراف” إلى “الحفاظ على الهدوء” مع انتشار احتجاجات جيل زد 212، في موقف يعكس قلق الشريك الأوروبي من تصاعد العنف.
الموقف الأوروبي، رغم حرصه على التوازن الدبلوماسي، يحمل في طياته دعوة ضمنية للسلطات المغربية لعدم استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، خاصة أن الاتحاد الأوروبي شريك اقتصادي واستراتيجي رئيسي للمغرب.
منظمة العفو الدولية: “أوقفوا القوة المفرطة”
في موقف أكثر صراحة، أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً بعنوان واضح: “المغرب: أوقفوا استخدام القوة المفرطة بعد القمع الذي تعرضت له احتجاجات الشباب”.
قال المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية: “مع استمرار الاحتجاجات المقررة، نحث السلطات على التعامل مع المطالب المشروعة للشباب بشأن حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومعالجة مخاوفهم بشأن الفساد”.
هذا الموقف يعكس قلقاً حقوقياً دولياً من أسلوب التعامل الأمني مع احتجاجات سلمية في جوهرها، ويضع المغرب تحت المجهر الدولي فيما يتعلق بالتزامه بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ثلاثة قتلى ومئات الجرحى .. رواية رسمية مشكوك فيها
أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين يوم الأربعاء، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص في القليعة، وهي بلدة صغيرة خارج مدينة أغادير الساحلية. وقالت وزارة الداخلية المغربية إن الثلاثة قُتلوا بالرصاص خلال محاولة للاستيلاء على أسلحة الشرطة، على الرغم من أنه لم يتمكن أي شهود من تأكيد التقرير. وقالت الوزارة إن 354 شخصاً، معظمهم من قوات إنفاذ القانون، أصيبوا بجروح.
هذه الرواية الرسمية تثير تساؤلات كبيرة، خاصة في ظل غياب شهود عيان مستقلين يؤكدونها، وهو ما يزيد من حدة الانتقادات الدولية.
الشباب المغربي يرفض العنف
في منشورات تناقش الاحتجاجات، قالت مجموعة جيل زد 212 إنها ترفض العنف وملتزمة بمواصلة الاحتجاجات السلمية. وقالت إنه ليس لديها خلاف مع قوات الأمن، بل مع الحكومة فقط.
وقالت الحركة: “نؤكد أن هذه المظاهرات ستكون سلمية تماماً ونرفض أي شكل من أشكال العنف أو الشغب أو تدمير الممتلكات العامة والخاصة”، وحثت المتظاهرين على ارتداء اللون الأسود “كعلامة على الحداد على الجرحى والقتلى”.
التعليم والصحة بدلاً من الملاعب
وكان مئات من الشباب المغربي خرجوا إلى شوارع 11 مدينة على الأقل في جميع أنحاء المملكة، منددين بالفساد وانتقدوا الحكومة لضخها الأموال في الفعاليات الرياضية الدولية بينما تهمل الصحة والتعليم.
من خلال الهتافات والملصقات، قارن المشاركون في ما يسمى بـ”احتجاجات جيل زد” بين تدفق المليارات من الاستثمارات في الإعداد لكأس العالم 2030، بينما تفتقر العديد من المدارس والمستشفيات إلى التمويل وتبقى في حالة يرثى لها.
فشل حكومي تراكمي
كانت التعبئة مدفوعة بالإحباط الواسع النطاق بشأن فشل الخدمات العامة، والبطالة المرتفعة، والفساد، والإنفاق الضخم على كأس العالم 2030.
في السنوات التي سبقت الاحتجاجات، واجه المغرب انتقادات لنظام التعليم والحصول على الرعاية الصحية العامة، فضلاً عن مزاعم الفساد وعدم المساواة الاجتماعية.
مصداقية المغرب على المحك
ردود الفعل الدولية، بقيادة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان، تضع المغرب أمام اختبار حقيقي لمصداقيته كدولة تدعي الالتزام بالمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان.
الانتقادات الموجهة للتعامل الأمني مع الاحتجاجات ليست مجرد مواقف دبلوماسية عابرة، بل تعكس قلقاً حقيقياً من أن المغرب قد يفقد ما حققه من مكاسب في صورته الدولية إذا استمر في نهج القمع بدلاً من الحوار.
شباب يطالب بحقوقه ومجتمع دولي يراقب
ما يحدث في المغرب اليوم ليس مجرد احتجاجات عابرة، بل هو صرخة جيل كامل يطالب بحقوقه الأساسية في التعليم والصحة والكرامة. والمجتمع الدولي، من خلال مواقفه الواضحة، يرسل رسالة مفادها أن العنف ليس حلاً، وأن المطالب المشروعة للشباب يجب أن تُسمع وتُعالج بالحوار لا بالرصاص.
السؤال المطروح الآن: هل ستستجيب السلطات المغربية للضغوط الدولية والمطالب الشعبية المشروعة؟ أم أن المنطقة على موعد مع مزيد من التصعيد والعنف؟ الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار المغرب: إما نحو الحوار والإصلاح، أو نحو مزيد من العزلة والأزمات.