فرنسا تتحسر على أفول لغتها في الجزائر
الجزائرالٱن _ كشفت صحيفة لوموند الفرنسية عن قلق متزايد في الأوساط السياسية والإعلامية بفرنسا إزاء التراجع المستمر للغة الفرنسية في الجزائر، ثالث أكبر بلد ناطق بالفرنسية في العالم. وأبرز التحقيق أن الجزائر تسير بخطى واثقة نحو ترسيخ الإنجليزية كبديل في مجالات التعليم، الثقافة والإدارة، ما يعكس تحولا استراتيجيًا في سياستها اللغوية.
قرارات تضيق الخناق على الفرنسية
منذ عام 2023، مُنعت المدارس الخاصة في الجزائر من تدريس البرامج الفرنسية، ومع حلول 2025 حلت الإنجليزية محل الفرنسية في تخصصات استراتيجية مثل علوم الصحة. كما تجسد التوجه في رفض منح المعهد الفرنسي ترخيصًا للمشاركة في الدورة الـ28 للصالون الدولي للكتاب بالجزائر، المقررة في 29 أكتوبر المقبل.
المعهد الفرنسي يفقد بريقه
أشارت الصحيفة إلى أن عدد المسجلين في دورات المعهد الفرنسي بالجزائر تراجع من 18 ألفًا سنة 2022 إلى حوالي 16 ألفًا في 2024، رغم تنظيم أنشطة استقطاب، كان آخرها اليوم المفتوح في 27 سبتمبر، الذي تخللته عروض ثقافية وفنية متنوعة.
تغييرات تمتد إلى المؤسسات والرموز
لم يقتصر التحول على قطاع التعليم والثقافة، بل طال مؤسسات النقل والاتصالات. ففي أفريل الماضي، ألغت الخطوط الجوية الجزائرية استخدام الفرنسية على تذاكرها، مكتفية بالعربية والإنجليزية. واتبعت اتصالات الجزائر النهج نفسه ابتداءً من أوت، حيث اقتصرت فواتيرها وإيصالات الدفع على اللغتين العربية والإنجليزية. حتى في البروتوكول الرسمي، لم تُكتب عبارة “رئاسة الجمهورية” بالفرنسية خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر عام 2022، في سابقة رمزية ذات دلالة.
الطلاب الجزائريون بين باريس والبدائل
ورغم هذا الانحسار، تبقى فرنسا الوجهة الدراسية الأولى للطلبة الجزائريين، إذ حصل أكثر من 8 آلاف طالب على تأشيرات دراسية عام 2025، مقابل 7200 في 2024، أي نحو 68% من مجموع الطلبة المبتعثين إلى الخارج. ومع ذلك، ترى لوموند أن هذا التوجه لا يكفي لوقف انزياح الفرنسية نحو الهامش أمام الإنجليزية باعتبارها لغة العلم والتكنولوجيا والانفتاح على العالم.
أزمات سياسية تعمّق الشرخ
تزامن هذا التراجع اللغوي مع تصاعد التوتر السياسي بين الجزائر وباريس. ففي أوت الماضي علقت فرنسا اتفاقية 2013 الخاصة بإعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية والخدمة الجزائريين من التأشيرات، وهو ما اعتبرته الجزائر خرقًا لاتفاق ملزم، وتتحرك لإلغائه رسميًا. كما زادت الأزمة حدة بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الداعمة لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية، ما دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس.
مستقبل العلاقات بين الجزائر وفرنسا
في ظل هذه التطورات، لا تبدو في الأفق مؤشرات تهدئة، حيث يتصاعد التصعيد المتبادل ليشمل ملفات الدبلوماسية والهجرة. وبالنسبة للجزائر، فإن تنويع الشراكات الدولية والابتعاد عن الهيمنة الفرنسية بات خيارًا استراتيجيًا، ما قد يقود إلى إعادة تشكيل العلاقة الثنائية أو حتى قطيعة مؤقتة.