_ خبير لـ”الجزائر الآن”: خطاب عطاف رسالة قوية للانقلابيين وتمسك بدعم الشعب المالي
الجزائر الآن _ في خطاب غير مسبوق من حيث الحدة واللهجة، وجه وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، انتقادات لاذعة للانقلابيين الحاكمين في مالي خلال أشغال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. هذه التصريحات تكتسي أهمية خاصة لما تحمله من دلالات سياسية ودبلوماسية، ولما تعكسه من تطور لالفت في الموقف الجزائري تجاه الأزمة المالية .
وفي حديثه لصحيفة “ الجزائر الآن” الإلكترونية، اعتبر الدكتور سامي مراد، أستاذ العلاقات الدولية والشؤون الإفريقية، أن هذه التصريحات تمثل تحولًا لافتًا في الخطاب الدبلوماسي الجزائري تجاه الأزمة المالية، حيث جمعت بين الحزم والصرامة من جهة، والتمسك بخيار الحوار الاستراتيجي من جهة أخرى .
_ خروج عن المألوف بلغة دبلوماسية حادة
وأوضح الدكتور سامي مراد أن استخدام وزير الخارجية الجزائري لغة قاسية ومباشرة، حين وصف تصريحات أحد قادة المجلس العسكري المالي بـ”هذيان جندي جلف” لا يثير سوى “الاشمئزاز”، يعكس مستوى عميقًا من الاستياء والغضب الجزائري من تصرفات وتصريحات القيادة العسكرية المالية. وأضاف الخبير في العلاقات الدولية أن الحديث عن “الوقاحة والوضاعة” التي بلغها “هذا الانقلابي” يؤكد أن الجزائر لم تعد مستعدة للتعامل بدبلوماسية ناعمة مع قيادة تتجاوز الخطوط الحمراء .
_ التمييز الواضح بين النظام والشعب
وشدد الدكتور سامي مراد، أستاذ العلاقات الدولية، على أن ما يلفت الانتباه في خطاب عطاف هو التمييز المتكرر بين المجلس العسكري الحاكم والشعب المالي. وأكد الخبير أن هذه الرسالة الاستراتيجية تعني أن الجزائر لا تعادي مالي كدولة أو كشعب، بل تعارض طغمة متشبثة بالسلطة .
_ قراءة في عبارة “عجزه عن مواجهة فشل سياساته الداخلية “
وذكر الدكتور سامي مراد أن ربط الوزير عطاف بين الخطاب العدائي للمجلس العسكري المالي وبين فشله الداخلي يكشف عن قراءة جزائرية استراتيجية ترى أن باماكو تحاول تحويل الأنظار عن إخفاقاتها عبر التصعيد ضد الجزائر. وأضاف الخبير أن هذه القراءة موضوعية بالنظر إلى الأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها مالي .
_ الجزائر لن تنساق وراء الاستفزازات
وأشار الدكتور سامي مراد إلى أن تصريحات عطاف بشأن عدم انسياق الجزائر وراء الاستفزازات تعكس نضجًا استراتيجيًا، حيث تجمع الجزائر بين لغة صارمة تجاه الانقلابيين، وبين استعدادها للحوار مع الشعب المالي. وأكد الخبير أن عبارة “مخزون صبرها لن ينضب” تحمل رسالة مزدوجة: التمسك بالروابط التاريخية، مع التحذير من نفاد الصبر إذا استمر التصعيد .
_ رفض اختزال مالي في “الانقلابيين المتآمرين
وأوضح الدكتور سامي مراد في حديثه لـ”الجزائر الآن”، أن رفض الجزائر اختزال مالي في “الانقلابيين المتآمرين” يعكس رؤية تعتبر مالي دولة وشعبًا وتاريخًا، وليس مجرد نظام عابر. وأضاف أستاذ العلاقات الدولية أن وصف الانقلابيين بالمتآمرين يضعهم في خانة من يضرون بمستقبل بلدهم .
_ دعوة المجتمع الدولي دليل أن الخلاف ليس ثنائيا
وأكد الأكاديمي الجزائري، أن دعوة الوزير عطاف المجتمع الدولي لدعم الشعب المالي تكشف عن إدراك جزائري بأن الأزمة ليست ثنائية، بل قضية إقليمية ودولية. وأضاف أن الجزائر تسعى إلى تدويل الملف وعزل الانقلابيين دبلوماسيًا .
_ لهذه الأسباب تحدث عطاف باللغة الفرنسية
وفي تبريره لحديث الوزير عطاف باللغة الفرنسية وهو يوجه انتقاداته اللاذعة للانقلابيين في مالي، رغم أنّ حديثه كان أصلا بالعربية، قال مراد: “ا ستخدام وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف للغة الفرنسية في الجزء المتعلق بانتقاد مالي خلال خطابه في الأمم المتحدة يحمل دلالات دبلوماسية وسياسية عميقة ومدروسة بعناية.”
وأوضح: “بما أن الفرنسية هي اللغة الرسمية لمالي، فإن تكرار الانتقادات بهذه اللغة يضمن وصول الرسالة مباشرة وبوضوح تام للوفد المالي دون الحاجة للترجمة الفورية، وكأنه يقول لهم “أريدكم أن تسمعوا هذا بلغتكم بالضبط”. كما أن تكرار النقد عدة مرات، مرة بالعربية ومرتين بالفرنسية يعطي وزناً أكبر للانتقاد ويجعله أكثر حدة وتأكيداً، فهو بذلك يؤكد أن هذا ليس خطأ في الترجمة بل موقف واضح ومقصود تماماً.”
رسالة إلى كل دول الساحل
وحسب المتحدث، فإنّ عطاف أراد “استهداف الرأي العام الإفريقي الفرانكوفوني، حيث أن العديد من الدول الإفريقية الحاضرة تستخدم الفرنسية، خاصة دول الساحل المجاورة، مما يعني أن الوزير أراد إيصال رسالته لهذه الدول مباشرة دون وسيط.”
وأشاد مراد بالوزير عطاف، قائلا: “هذا التكتيك يعكس حرفة دبلوماسية عالية وتخطيطاً مسبقاً ودقيقاً للخطاب، مما يؤكد أن الانتقاد لم يكن عفوياً أو انفعالياً بل كان مدروساً ومقصوداً في كل تفاصيله وأبعاده.”
منطقة الساحل في مفترق طرق
وأشار الدكتور سامي مراد إلى أن تصريحات عطاف جاءت في ظرف إقليمي متوتر بفعل الانقلابات وتنامي التهديدات الإرهابية. وأوضح الخبير أن الجزائر، بحكم موقعها وقدراتها، تجد نفسها مدعوة للدفاع عن الاستقرار والشرعية الدستورية .
الجزائر فاعل محوري في استقرار المنطقة
وشدد الدكتور مراد على أن الجزائر لاعب محوري لا يمكن تجاوزه في معادلة الساحل، بفضل موقعها الجغرافي وخبرتها في مكافحة الإرهاب. وأضاف أستاذ العلاقات الدولية أن هذا الدور يجعل من أمن الجزائر مرتبطًا مباشرة باستقرار الجوار .
قراءة في التوقيت: لماذا الآن؟
وأوضح الدكتور سامي مراد أن اختيار منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يكن عشوائيًا، إذ يمثل رسالة موجهة إلى المجلس العسكري، والشعب المالي، والمجتمع الدولي، ودول المنطقة. وأضاف الخبير أن الجزائر أرادت تأكيد أنها لن تصمت على الاستفزازات .
التحديات المقبلة بين الحزم والحكمة
وأشار ضيف “الجزائر الآن” إلى أن الدبلوماسية الجزائرية تواجه تحديًا دقيقًا يتمثل في الموازنة بين الحزم تجاه الانقلابيين والحفاظ على قنوات الحوار مع الشعب المالي. وأكد أن هذا التوازن هو ما يميز السياسة الجزائرية .
رسالة قوية في وقت حساس
وختم الدكتور سامي مراد تصريحه لصحيفة “الجزائر الآن” بالتأكيد على أن خطاب عطاف يعكس دبلوماسية ناضجة تجمع بين الحزم والحكمة، وبين الدفاع عن المصالح الوطنية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، مشيرًا إلى أن هذه المعادلة الدقيقة تجعل من الجزائر فاعلًا أساسيًا في المنطقة.