أكد المحلل الاقتصادي عبد النور قاشي أن الجزائر تبرز كاستثناء إقليمي مميز في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، حيث حققت معدل نمو يبلغ 4.5 بالمئة، وهو ما يعتبر من أفضل معدلات النمو خاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، مشيرا إلى أن الجزائر على طريق الدول الناشئة.
وأوضح قاشي في تصريح خص به “الإخبارية” أن هذا الإنجاز يأتي في وقت تشهد فيه الاقتصادات الكبرى تراجعا ملحوظا، وتواجه دول الغرب مشاكل اقتصادية واجتماعية متزايدة، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم وتقلبات أسعار الطاقة .
ونوّه المحلل الاقتصادي إلى أن هذا النمو المتميز جاء نتيجة إعادة ترتيب شاملة للرؤية الاقتصادية في الجزائر، والتي تركز على البحث عن مصادر دخل خارج المحروقات، وتشجيع الصناعة المحلية، وترشيد عملية الاستيراد.
كما أشار محدثنا إلى أن تشجيع التصدير خارج قطاع المحروقات لعب دورا محوريا في زيادة نسبة النمو وتثبيت معدل التضخم على الأقل، مؤكدا أن التحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على هذا النسق والأرقام وتحويلها إلى واقع وتنمية شاملة تحقق الاكتفاء الذاتي والسيادة الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين القدرة الشرائية للمواطن.
وأكد قاشي أن تحقيق نمو مستدام وغير ظرفي يمر حتما عبر المحافظة على مناخ أعمال واستثمار مستقر بعيد عن العراقيل الإدارية، وتوفير كافة حوافز التصدير خاصة في الجانب اللوجستي والحوافز الضريبية.
وشدد على ضرورة أن تكون الاستثمارات الجديدة في مجالات الصناعة والصناعة الغذائية واللوجستيك، مما يحقق قيمة مضافة خارج المحروقات ويعزز رقم النمو الاقتصادي المستدام.
وأوضح المحلل الاقتصادي أن النمو الاقتصادي المحقق مر عبر انتعاش قطاعات معينة، حيث أسهمت الزراعة وتحقيق موسم زراعي ناجح والاكتفاء الذاتي في مادة القمح الصلب في تقليص فاتورة الاستيراد وتلبية طلبات السوق الداخلية من المواد الأساسية، والتوجه بعدها لتصدير المنتجات الفلاحية المختلفة نظراً لجودتها المتميزة.
كما لعبت الصناعة التحويلية والغذائية دورا فعالا في تحريك التنمية وزيادة مناصب الشغل والتقليل من فاتورة الاستيراد، بالإضافة إلى قطاع مواد البناء والخدمات الذي أصبح رقما صعبا في الاقتصاد الجزائري والتصدير، وهو ما شهدناه في قيمة الصفقات التي وقعت على هامش معرض التجارة البينية.
وأشار قاشي إلى أن قطاع المحروقات والطاقة يبقى العمود الفقري للاقتصاد الجزائري خاصة في تحقيق احتياطي الصرف وتغطية المصاريف وأعباء الخزينة العمومية، لكن التوجه خلال السنوات الخمس القادمة نحو قطاعات الزراعة وخاصة الزراعة الاستراتيجية وتشجيع الصناعة التحويلية وقطاع الخدمات والطاقات المتجددة سوف يقلل نسبيا من التبعية للمحروقات، مؤكدا أن ذلك مرهون بعدم عرقلة هذه الرؤية وتوفير كل الإمكانات لها على أرض الواقع وتوفير بيئة أعمال خصبة من أجل تحقيق وتدعيم نسبة النمو الاقتصادي.
ولفت المحلل الاقتصادي إلى أن توجه وانضمام الجزائر إلى منطقة آسيان هو تتويج للدور الفعال الذي تقوم به الدبلوماسية الاقتصادية في تنويع شركاء الجزائر وزيادة المبادلات جنوب-جنوب والابتعاد عن الشركاء التقليديين، مما يحقق تنوع سلة صادرات الجزائر.
وأوضح أن معدلات النمو السريعة التي تحققها دول آسيان يمكن الجزائر من الاستفادة من خبرتها خاصة في المجال الصناعي، كما أنها سوق استهلاكية كبيرة للمواد الزراعية والغذائية، ولهذا فإن التوجه لهذه الدول يقوي موقع الجزائر في سلاسل القيمة العالمية.
وخلص قاشي إلى أن الجزائر اليوم تقف في منعرج اقتصادي هام يرشحها لبلوغ هدفها في أن تصبح من الدول الناشئة بحلول 2030، وهذا يمر حتما عبر المواصلة في الإصلاحات الاقتصادية ومتابعتها على أرض الواقع ودعم النشاطات الاستراتيجية كالزراعة والصناعة لتقليل تبعية المحروقات وتسريع وتيرة الاستثمارات الأجنبية ونقل التكنولوجيا من أجل الوصول إلى نسبة نمو مستدام لا تقل عن 6 بالمائة.