الجزائرالٱن _ تشهد فرنسا، الخميس 18 سبتمبر، يوما جديدا من الإضرابات والاحتجاجات العارمة، بعدما دعت النقابات العمالية إلى تعبئة واسعة في مختلف القطاعات ضد السياسات المالية والتقشفية التي تزيد من تدهور مستوى المعيشة وتفاقم الأزمات الاجتماعية، في بلد لم يعد ينجح في إخفاء أزماته الداخلية.
غضب يتجدد رغم تغيير الحكومة
بعد أسبوع فقط من المظاهرات التي رفعت شعار “لنغلق كل شيء”، تعود النقابات الفرنسية إلى الشارع رفضا لسياسات التقشف التي طرحها رئيس الوزراء المستقيل فرانسوا بايرو، والتي يسير خليفته سيباستيان لوكورنو على نهجها نفسه.
ورغم سقوط حكومة بايرو بعد فشل خطته المالية، فإن الشارع الفرنسي لم يهدأ، بل صعّد تحركاته ضد مشروع ميزانية 2026، الذي يتضمن إجراءات تقشفية وضغوطا جديدة على العمال والمتقاعدين والفئات الهشة.
أزمة سياسية.. ومجتمع على حافة الانفجار
الاحتجاجات تأتي في سياق سياسي واجتماعي مأزوم. فرنسا، التي لطالما قدّمت نفسها نموذجا أوروبيا، تجد نفسها اليوم مثقلة بالديون والعجز المالي، ما يفرض عليها ـ حسب قواعد بروكسل ـ خفض النفقات بشكل قاسٍ.
الخطة التقشفية لبايرو، التي تضمنت إلغاء عطلتين رسميتين وتجميد الإنفاق، فجّرت غضبا عارما كشف عن هشاشة الوضع الداخلي. وسقوط حكومته لم يكن سوى حلقة جديدة في سلسلة اهتزازات سياسية تزيد من انعدام الثقة بين الشعب ومؤسساته.
هذا الواقع يفضح تناقض فرنسا: بلد يزعم الدفاع عن “الديمقراطية والعدالة الاجتماعية” في الخارج، فيما يعيش مواطنوه ضغوطا اقتصادية غير مسبوقة، وتراجعا في الخدمات الأساسية.
تعبئة مليونية وشلل في القطاعات الحيوية
تتوقع النقابات مشاركة نحو مليون شخص في أكثر من 220 مظاهرة عبر مختلف المدن الفرنسية، فيما تستعد السلطات ليوم استثنائي وصفته بـ”الأسود”.
في باريس، سيكون النقل العمومي شبه مشلول بعد دخول أربع نقابات كبرى في الإضراب، ما سيؤدي إلى توقف المترو والترامواي وإغلاق خطوط الحافلات.
قطاع الطيران سيتأثر هو الآخر، حيث ينتظر إلغاء وتأخير العديد من رحلات “إير فرانس”، في حين يشارك ثلث المعلمين في الإضراب، وتغلق 90 بالمائة من الصيدليات أبوابها، إضافة إلى توقف عدد من العيادات الطبية.
إنها صورة عن شلل كامل يعكس حجم الغضب الشعبي من السياسات الحكومية، وعن أزمة دولة فقدت توازنها الاجتماعي.
النقابات تتوحد ضد “الخطة القاسية”
النقابات الفرنسية رفعت مطالب واضحة: إسقاط الخطة التقشفية بكل تفاصيلها، ووقف تحميل العمال والموظفين والمتقاعدين والمرضى كلفة إخفاقات الحكومات المتعاقبة.
الانتقادات ركزت على تخفيض الخدمات العامة، إصلاح التأمين ضد البطالة، تجميد الأجور والمساعدات الاجتماعية، مضاعفة الرسوم الطبية، وحتى التفكير في إلغاء الأسبوع الخامس من العطلة السنوية.
وبينما اعتبرت النقابات تراجع الحكومة عن إلغاء يومي عطلة “انتصارا أوليا”، فإنها أكدت أن جوهر الإجراءات لا يزال قائما، وأن معركة الشارع لم تنته.
فرنسا بين تقشف الداخل وتصدير الأزمات للخارج
الاحتجاجات الواسعة تكشف عن أزمة فرنسا العميقة: دولة ترزح تحت ضغط اجتماعي متنامٍ، ونظام سياسي عاجز عن الاستجابة لمطالب شعبه. وفي الوقت نفسه، لا تتوقف باريس عن التدخل في شؤون الدول الأخرى والترويج لخطابها “القيمي”، فيما هي غارقة في ديونها ومشاكلها الداخلية.
إنّ يوم الغضب الجديد ليس مجرد احتجاج عابر، بل رسالة واضحة بأن فرنسا تعيش مأزقا بنيويا حقيقيا، وأن سنوات “الدولة الاجتماعية” باتت خلفها، لتحل محلها سياسات تقشف تدفع ثمنها الفئات الضعيفة.