الجزائرالٱن _ تتقدّم الصين اليوم لتحتل موقعًا محوريًا في النظام العالمي الجديد الذي يتبلور على أنقاض أحادية القطب. هذا النظام المتعدد الأقطاب يُعيد التوازن للعلاقات الدولية ويمنح للدول الصاعدة مجالًا أوسع للتأثير في مسار القرارات العالمية. ومن خلال مبادراتها الكبرى، استطاعت بكين أن تطرح نفسها ليس فقط كقوة اقتصادية عظمى، بل كفاعل استراتيجي يسعى إلى صياغة معالم النظام الدولي القادم.
الصين: قوة جيوسياسية واقتصادية صاعدة
لا يمكن فصل المبادرات الصينية الأربع – التنمية العالمية، الأمن العالمي، الحضارة العالمية، والحوكمة العالمية – عن الواقع الجيوسياسي للصين. فهي ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وأكبر دولة تجارية، وقوة تكنولوجية وصناعية متسارعة النمو. هذه المقومات جعلتها لاعبًا أساسيًا في إعادة تشكيل الجغرافيا الاقتصادية والسياسية للعالم، خاصة مع توسع نفوذها عبر مشروع الحزام والطريق الذي انطلق عام 2013، وتحول اليوم إلى شبكة تربط آسيا وإفريقيا وأوروبا بطرق تجارية وبُنى تحتية عابرة للقارات.
المبادرات الأربع: رؤية شاملة لعالم أكثر توازنًا
– مبادرة التنمية العالمية (2021): تدعو إلى تحقيق العدالة في التنمية وسد فجوة الشمال–الجنوب.
– مبادرة الأمن العالمي (2022): تطرح مفهوم الأمن المشترك غير القابل للتجزئة.
– مبادرة الحضارة العالمية (2023): تؤكد على احترام التنوع الحضاري والثقافي.
– مبادرة الحوكمة العالمية (2025): تسعى لإصلاح المؤسسات الدولية ومجلس الأمن وصندوق النقد والبنك الدولي، لجعلها أكثر عدلاً وإنصافًا.
الصين والكتل الدولية الصاعدة
تتموضع الصين في قلب الكتل والفواعل الدولية الصاعدة، ما يمنح مبادراتها قوة دفع إضافية:
– مجموعة البريكس: الصين تشكّل مع روسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا نواة هذا التكتل، وهي قاطرته الاقتصادية.
– منظمة شنغهاي للتعاون: إطار استراتيجي للأمن والتنمية في أوراسيا، تلعب فيه الصين دورًا محوريًا.
– رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان): تُعد الصين شريكها التجاري الأول، ما يعزز التكامل الإقليمي في مواجهة الضغوط الغربية.
– إفريقيا والشرق الأوسط: توسع الصين نفوذها الجيو–اقتصادي عبر القمم الثنائية ومشاريع البنية التحتية الكبرى.
المبادرة الأخيرة: إصلاح الحوكمة العالمية
تُعتبر مبادرة الحوكمة العالمية أكثر المبادرات حساسية، لأنها تمس صميم معمار النظام الدولي. فهي تدعو إلى توسيع مجلس الأمن وزيادة تمثيل إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مع مراجعة حصص التصويت في المؤسسات المالية الدولية. إنها محاولة لتقويض احتكار القوى التقليدية للقرار العالمي، وإرساء حوكمة دولية أكثر ديمقراطية وعدلاً.
تقاطع الرؤية الجزائرية مع المبادرة الصينية لإصلاح نظام الحوكمة الدولي
إن أهمية مبادرة الصين الأخيرة لإصلاح نظام الحوكمة العالمية تزداد وضوحًا حين نضعها في سياق المواقف الجزائرية. فالجزائر ترافع منذ سنوات، وخاصة منذ عضويتها الحالية في مجلس الأمن، من أجل:
– تطبيق صارم للقانون الدولي، ورفض ازدواجية المعايير.
– إصلاح مؤسسات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بما يعكس التوازنات الجديدة ويمنح إفريقيا والعالم العربي مكانة أوسع.
– إصلاح المؤسسات المالية والتنموية الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من أجل توجيه أكثر عدلاً للتمويل والبرامج التنموية.
بهذا المعنى، فإن الرؤية الجزائرية تتقاطع جوهريًا مع المبادرة الصينية، حيث يشكّل الطرفان صوتًا من أصوات الجنوب العالمي المطالب ببناء نظام دولي أكثر عدلاً وإنصافًا، قائم على احترام القانون الدولي وحوكمة رشيدة للمؤسسات العالمية.
خاتمة
إن الصين لا تطرح مبادراتها الأربع باعتبارها مشاريع معزولة، بل كخريطة طريق شاملة نحو عالم متعدد الأقطاب. وتقاطع رؤيتها مع مرافعات الجزائر في الأمم المتحدة والمحافل الدولية يعزز مكانة البلدين كقوتين من الجنوب العالمي تسعيان إلى بناء نظام دولي أكثر توازنًا، حيث التنمية والأمن والحضارة والحوكمة ليست امتيازًا لطرف واحد، بل حقًا مشتركًا للبشرية جمعاء.