الجزائرالٱن _ حين قرر المجلس النقدي والمصرفي خفض المعدل التوجيهي ونسبة الاحتياطي الإلزامي، لم يكن الأمر مجرد تقنية مالية تضاف إلى أرشيف القرارات النقدية، بل هو إعلان صريح عن دخول الجزائر مرحلة جديدة في إدارة توازنها الاقتصادي.

فالأمر هنا يتجاوز لغة الأرقام، ليكشف عن خيار سياسي–اقتصادي يضع التمويل المنتج في صدارة الأولويات، بدل التمويل السهل المعتمد على الريع النفطي.

هذا القرار، في عمقه، يعكس لحظة انتقال: الجزائر، التي اعتادت لعقود على وفرة البترول كمنبع شبه وحيد للسيولة، تدرك اليوم أن معركة المستقبل لن تحسم بسعر البرميل، بل بقدرتها على خلق اقتصاد متنوع، تموله أدوات وطنية مرنة لا تكبل الاستثمار، بل تحفزه.

ومن هنا، يصبح خفض الفائدة وتخفيف عبء الاحتياطي الإلزامي رسالة مزدوجة: إلى المستثمر الوطني بأن الدولة تريد فتح الطريق أمامه، وإلى الشريك الدولي بأن الجزائر تتحرك لبناء بيئة مالية تنافسية.

لكن، هل تكفي هذه الخطوات لتغيير المعادلة؟

هنا تطرح التجربة العالمية سؤالها الحاسم: فالتاريخ الاقتصادي الحديث يبين أن كل انتقال ناجح من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي كان يبدأ من إصلاح النظام المالي. كوريا الجنوبية لم تنطلق نحو “المعجزة الآسيوية” إلا حين ربطت سياستها النقدية بالتصنيع والتصدير.

والبرازيل لم تخرج من أزماتها التضخمية إلا عندما وضعت البنك المركزي في قلب رؤية تنموية واضحة.

الجزائر اليوم أمام تحد مشابه:

قرارات البنك المركزي ليست سوى مفاتيح أولى لباب كبير اسمه “الجزائر الجديدة”.

الباب الذي يتطلب شجاعة في تحرير الاستثمار، شفافية في تسيير البنوك، وربط السياسة النقدية برؤية وطنية تتجاوز الأفق القصير للتضخم نحو صناعة النمو.

وفي النهاية، يمكن القول إن القرار المالي الأخير ليس مجرد أداة لتعديل السوق، بل هو بيان سياسي صامت: الجزائر قررت أن زمن إدارة السيولة بمنطق الطوارئ انتهى، وحان وقت بناء اقتصاد بقرارات استراتيجية، لا بحسابات يومية.

من أشهر مقولات الاقتصادي الشهير جون كينز : “المشكلة ليست في تبني الأفكار الجديدة، بل في التحرر من الأفكار القديمة.” وهو ما أكد عليه الرئيس تبون في العديد من المناسبات وشخصيا أعتبرها أم معارك الجزائر الجديدة