تشهد البشرية اليوم مرحلة جديدة في تاريخها مع تحول الفضاء إلى ساحة تنافس عالمي مفتوح لا يختلف كثيرًا عن فترات التوسع الاستعماري في الأرض.
فبحسب برنامج إذاعي بثه راديو فرنسا الدولي الأحد، فإن الحديث لم يعد يدور فقط عن استكشاف علمي أو مغامرة تكنولوجية، بل عن مشروع استيطان كامل للقمر وربما المريخ قبل نهاية هذا القرن.
وتبدو الدوافع المعلنة في ظاهرها علمية مدفوعة برغبة الإنسان في تجاوز الحدود واكتشاف المجهول، غير أن الدوافع الاقتصادية تظل هي الأثقل وزنًا. فموارد القمر والمريخ تقدر بمئات المليارات من الدولارات، وهو ما جعل دولًا كبرى وشركات خاصة تدخل سباقًا محمومًا لضمان موطئ قدم مبكر في هذا الفضاء البكر.
من جهتهم، أكد المشاركون في البرنامج ومنهم الباحثة إيميلي ديسمون من مركز ألكسندر كوايغي بمدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية، والخبير بول وورير من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن الفضاء أصبح أشبه بـ”الغرب الأمريكي” القديم حيث لا توجد قوانين واضحة، وكل طرف يسعى لحجز أفضل المواقع والسيطرة على الموارد النادرة. وهو ما يطرح مخاوف من نزاعات مستقبلية قد تتحول إلى صراعات دولية مفتوحة.
وفي خضم هذه المخاوف يبرز أيضًا جانب آخر يتمثل في المكانة الاستراتيجية والهيبة التكنولوجية التي يمنحها امتلاك قاعدة على سطح القمر أو المريخ. فالدول التي تقود السباق ستكسب نفوذًا سياسيًا غير مسبوق، بينما ستجد الدول المتأخرة نفسها خارج لعبة النفوذ الفضائي.
لكن ثمة رؤية أكثر تفاؤلًا قدمها بعض المتدخلين في النقاش وهي أن السباق الفضائي قد يكون فرصة لإعادة إحياء التعاون الدولي بدل تحويله إلى مواجهة. فالتحديات التقنية والمالية هائلة لدرجة قد تدفع القوى الكبرى إلى بناء شراكات بدل النزاع.
في السياق خصصت المجلة الفرنسية Questions Internationales عددًا جديدًا بعنوان “إلى غزو القمر” لتسليط الضوء على هذه التحولات، فيما ختمت الصحفية ماري فرانس شاتان مقدمة البرنامج بتساؤل جوهري: هل سنشهد ولادة استعمار جديد هذه المرة خارج كوكب الأرض أم أن البشرية ستنجح في تحويل الفضاء إلى فضاء مشترك للتعاون؟.
في النهاية من المؤكد أن العقود المقبلة ستكشف الإجابة، لكن المؤشرات الحالية تؤكد أن سباق استعمار القمر والمريخ قد بدأ فعلًا.