عاد الإعلام الفرنسي إلى فتح ملف الذاكرة الجزائرية الفرنسية، عبر الإضاءة على كتاب يفضح الوجه القبيح للمستعمر، حيث تكشف مؤرخة فرنسية تدعى كوليت زيتنيكي في كتاب “كيف استولى الفرنسيون على الجزائر”، أن سقوط مدينة الجزائر يوم 5 جويلية 1830 لم يكن مجرد حملة عسكرية بل نقطة انطلاق لمشروع استعماري ضخم غير وجه الجزائر وأثر بعمق في علاقاتها مع فرنسا حتى اليوم. يوضح هذا العمل أن الغزو لم يأت من فراغ بل ارتبط بأزمة سياسية داخل فرنسا التي حاولت صرف الأنظار عن مشاكلها الداخلية بفتح جبهة عسكرية خارجية.
تصف الدراسة كيف نفذت القوات الفرنسية عملية إنزال ضخمة قرب سيدي فرج ثم تقدمت نحو العاصمة الجزائرية لتجبر الداي حسين على الاستسلام. تذكر الكاتبة أن الفرنسيين لم يكتفوا بالسيطرة على المدينة بل بدأوا منذ اللحظة الأولى في فرض سياسات استعمارية هدفت إلى السيطرة على الأرض والموارد.
تشرح المؤرخة كيف لجأت فرنسا إلى مصادرة الأراضي الزراعية الخصبة ومنحها للمستوطنين الأوروبيين، ما أدى إلى تجريد آلاف الجزائريين من أراضيهم. تؤكد أيضا أن الجيش الفرنسي اعتمد على سياسة الأرض المحروقة فدمر قرى بأكملها وأحرق المحاصيل لإخضاع القبائل.
تبرز الدراسة أن المقاومة الجزائرية لم تتأخر في الظهور. عبر مقاومة باسلة قادها الأمير البطل عبد القادر ابتداء من عام 1832 فكانت حركة مقاومة منظمة تحولت بسرعة إلى رمز للوحدة والصمود. ويشرح المرجع الفرنسي أن الأمير عبد القادر خاض معارك ضارية ضد جيش يفوقه عددا وعتادا، ليؤسس دولة قائمة على الشرعية الشعبية والدينية. ورغم توقيعه معاهدات صلح مؤقتة مع فرنسا إلا أن الحرب تواصلت سنوات طويلة.
توضح الكاتبة أن فرنسا حاولت تبرير غزوها بخطاب يدعي نشر الحضارة والتقدم. غير أن الواقع كان مختلفا تماما، إذ ارتبط الاحتلال بعمليات تهجير جماعية، وتراجع سكاني خطير بسبب المجاعات والأوبئة الناتجة عن الحرب، إلى جانب محاولات محو الهوية الثقافية والدينية للشعب الجزائري.
كان الكتاب مناسبة لتظهر الأقلام الصحفية الفرنسية موقفها من جزائر الأمس واليوم، حيث يشرح موقع causeur أن ذاكرة هذا الماضي الاستعماري ما تزال حاضرة بقوة في العلاقات بين البلدين. ويصف الفيلسوف الفرنسي باسكال بروكنر هذه الذاكرة بأنها عقدة ذنب تلاحق فرنسا كلما فتحت ملفات التاريخ. يبين أيضا أن الجزائريين ما زالوا يعتبرون تلك الحقبة جرحا لم يندمل رغم مرور قرنين.
تخلص الدراسة إلى أن غزو الجزائر لم يكن حدثا عسكريا فقط بل بداية مسار طويل من العنف الاستعماري ترك آثارا عميقة. وتؤكد أن تجاوز هذا الإرث يتطلب مواجهة صريحة للتاريخ واعترافا متبادلا بما جرى، لأن الماضي الاستعماري يظل عنصرا يفسر الكثير من التوترات الحالية بين ضفتي المتوسط.
@ آلاء عمري