الجزائر الآن _ في خضم النقاش الدائر حول مستقبل الرياضة الجزائرية، برزت خلال الفترة الأخيرة معطيات مقلقة تتعلق بتسيير الأندية الرياضية، خاصة في شقها المالي والمؤسساتي. وقد سلط التقرير الإعلامي المنشور على الموقع الإلكتروني “الجزائر الآن” بتاريخ 30 جويلية 2025، بقلم الكاتب الصحفي رفيق شلغوم، الضوء على ظاهرة خطيرة تمثلت في ابتزاز بعض الأندية الرياضية للمؤسسات الاقتصادية العمومية من أجل تمويل غير مبرر لصفقات رياضية، في غياب آليات واضحة للرقابة والحوكمة.
هذه المعطيات تدفعنا إلى إعادة النظر في أساليب تمويل الأندية، وضرورة وضع إطار مؤسساتي صارم يضمن الشفافية، والمساواة، والمساءلة، ويربط التمويل العمومي بشروط محددة تضمن النجاعة والنتائج.
تحليل معمق للواقع الرياضي والتمويلي
أولاً، يشير التقرير إلى أن بعض مسؤولي المؤسسات العمومية يتعرضون لضغوط من طرف أنصار أو إدارات أندية رياضية من أجل تمويل عمليات مشبوهة، مثل التعاقد مع لاعبين بأجور خيالية أو تسديد ديون خارج الإطار القانوني.
وهذا الابتزاز لا يقتصر فقط على البعد المالي، بل يتحول أحياناً إلى حملات تشويه منظمة في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حين يرفض المسؤولون الانصياع للضغوط.
ثانياً، تعاني الساحة الرياضية من غياب العدالة في توزيع التمويل، حيث تَحظى بعض الأندية بدعم سخي من مؤسسات كبرى مثل سوناطراك، موبيليس، مدار، سونلغاز،نفطال، سيربور وغيرها، بينما تُهمّش أندية أخرى رغم أنها تنشط في نفس البطولات.
تُقدَّر بعض الأرقام غير الرسمية أن مجموع ما تضخه المؤسسات العمومية سنوياً في كرة القدم الجزائرية يتجاوز 15 مليار دينار جزائري، دون مردود رياضي أو اجتماعي واضح، ودون أثر تنموي ملموس.
ثالثاً، لا توجد آلية شفافة لتقييم أثر التمويل على النتائج الرياضية أو على تطوير المواهب الشابة، حيث تُوجَّه معظم الأموال إلى الإنفاق على أجور اللاعبين والصفقات، في حين يتم تهميش التكوين والتجهيزات الأساسية.
رابعاً، إن المؤسسات الاقتصادية العمومية تتحمّل اليوم أعباء كبيرة خارج مهمتها الاقتصادية الأصلية، ما يطرح تساؤلات جدية حول نجاعة النموذج الحالي، وجدوى استمراره دون إصلاح جذري.
خاتمة وتوصيات
إن استمرار الفوضى المالية في تمويل الأندية الرياضية الجزائرية لا يخدم لا الرياضة ولا الاقتصاد الوطني.
ومن أجل تصحيح هذا المسار، نقترح ما يلي:
1. إعداد دفتر شروط وطني موحد يربط التمويل العمومي بشروط الشفافية والنتائج الرياضية.
2. فرض الرقابة المالية الدورية من خلال نشر تقارير تدقيق مستقلة ومعلنة.
3. إلزام الأندية بتخصيص نسبة لا تقل عن 30٪ من التمويل الممنوح لبرامج التكوين الشباني والبنية التحتية.
4. ضمان مبدأ المساواة والعدالة في منح الرعاية والدعم المالي، بعيدًا عن أي ضغوط.
5. إعادة تعريف علاقة المؤسسات الاقتصادية العمومية بالرياضة على أسس الشراكة التعاقدية والجدوى التنموية.
إن إصلاح التمويل الرياضي هو بوابة لإصلاح المنظومة ككل، وضمان استدامة النجاحات، وبناء رياضة وطنية قوية مبنية على الحوكمة والمحاسبة والكفاءة.
الكاتب : البروفيسور عبد القادر بريش النائب البرلماني ،خبير اقتصادي مهتم بقضايا الحوكمة وتقييم السياسات العمومية