عمود يومي | الآن فقط
اليوم، دخل اسم جديد إلى سجل المتفوقين: رونق زاني، الأولى وطنياً في بكالوريا 2025 بمعدل مذهل بلغ 19.70. فرحة وطنية عارمة، صور، تهاني، وربما وعود بمنح ومقاعد جامعية مرموقة. لكن السؤال الذي لا يغيب وسط هذه الاحتفالات: هل هذه الانطلاقة المبهرة تفضي دائمًا إلى مسار استثنائي في الحياة؟ أم أنها مجرّد لحظة زهو قد تُنسى سريعًا في زحمة الواقع؟
من يراجع أرشيف البكالوريا في الجزائر، سيجد أسماء كثيرة تصدّرت العناوين وتلقت التهاني، ثم اختفت في صمت. نادرًا ما نسمع عنهم مجددًا، وكأن الامتياز الذي حملوه في سن الثامنة عشرة كان سقفهم، لا بوابتهم. أين هم الأوائل الوطنيون في بكالوريا 2015؟ 2018؟ 2020؟ هل غادروا البلاد؟ هل غيروا المسارات؟ هل ذبلت أحلامهم كما تذبل وعود وزراء التعليم العالي في كل موسم جامعي؟
لكن وسط هذا الصمت، يظهر استثناء لافت: محمد الأمين بن قداش، صاحب أعلى معدل في بكالوريا 2023. لم يكتف بالتفوق، بل أخذ منجزه نقطة انطلاق لمشروع ذكي وفريد: أنشأ قناة على يوتيوب، واشتغل طيلة الشهرين الماضيين على تطوير نسخة رقمية تحاكي شخصيته وأسلوبه في التفكير والتعبير، باستخدام منصة الذكاء الاصطناعي Delphi AI. هذه النسخة الافتراضية لا تكرّر كلامه فقط، بل تُدرّس، تشرح، وتقدّم نصائح مبنية على تجربة شاب جزائري متفوق اختار أن يصنع أثرًا.
بخطوته هذه، يعيد محمد الأمين تعريف النجاح، ليس كمعدل رقمي في ورقة، بل كاستثمار للتميز في مشروع ملموس يخدم الآخرين. فهل ستسير رونق زاني على هذا الطريق؟ هل ستجعل من رقمها الذهبي مقدّمة لقصة ملهمة؟ أم ستتلاشى حكايتها كما تلاشت حكايات كثيرين قبلها، غابت أسماؤهم في زوايا الجامعات، أو هاجرت طموحاتهم إلى ما وراء البحر؟
نحن لا نقلّل من قيمة النجاح في البكالوريا، ولا نستخف بفرحة الأهل والمدرسة والمجتمع. لكن لا بد من الاعتراف: الامتحان الأكبر لا يُجرى في شهر جوان، بل في الحياة نفسها.
المعدل الاستثنائي ليس “نهاية الطريق”، بل مجرد تأشيرة لدخول معترك معقّد اسمه الواقع. الواقع الذي لا يعترف كثيرًا بالأرقام، بل يُكافئ من يملك الإصرار، الرؤية، والقدرة على تحويل الحلم إلى مشروع. وهنا فقط تُختبر النوايا.
المطلوب اليوم من متفوقينا ليس فقط أن يفرحوا… بل أن يحلموا أبعد. أن يخطّطوا لا لمجرد شهادة جامعية، بل لأثر طويل المدى. أن لا يكتفوا بلقب “الأول وطنياً”، بل أن يسألوا: وماذا بعد؟
ربما آن الأوان أن تضع وزارتا التربية والتعليم العالي برامج حقيقية لمرافقة هؤلاء، لا مجرد منح تقليدية أو دعوات عابرة. نحتاج إلى أن نحمي الأحلام من الذبول، وأن نتابع هؤلاء النجباء في رحلتهم، حتى لا نكتشف بعد عشر سنوات أن أوائلنا تحولوا إلى عاديين، لأن أحداً لم يمدّ لهم اليد بعد التصفيق.
النجاح ليس لحظة… بل مسار. فهل نساعدهم في بناء هذا المسار؟ أم نكتفي بقول: مبروك… ثم ننسى؟