آخر الأخبار

الآن فقط | حين تتحول حرية التعبير إلى منصة لضرب الإسلام والعروبة والأمازيغية

شارك
مصدر الصورة
الكاتب: رئيس التحرير

عمود يومي | الآن فقط

الجزائر بلدٌ أمازيغيٌّ عربيٌّ مسلم، بهويّة جامعة لا تقبل التجزئة ولا العبث.

هذه الحقيقة ليست محل نقاش، ولا ورقة تُلوّح بها من أجل التفاعل، ولا سلعة تُعرض في مزاد “الترند” الرقمي.

فمن يُحاول اليوم المتاجرة بعناصر الهوية الوطنية – الإسلام، والعروبة، والأمازيغية – لتحقيق شهرة زائفة أو لأغراض أيديولوجية مشبوهة، إنما يلعب بالنار في بيتٍ بُني بدماء الشهداء وتضحيات الأحرار.

وما عاد مقبولًا أن نُصمت أمام هذا العبث الذي يلبس أقنعة “الجرأة” و”حرية التعبير”، بينما هو في حقيقته ضربٌ في الثوابت وطعنٌ في العمق الحضاري والسياسي للأمة الجزائرية.

لم يعد غريبًا في جزائر اليوم أن يخرج علينا بعض “الناشطين الافتراضيين” ممن انطفأ نجمهم في مجالاتهم الأصلية، ليُشعلوا الجدل بتعليقات مستفزة تتعمد ضرب الثوابت الوطنية والدينية تحت شعارات براقة مثل “الوطنية” و”حرية الرأي”.

آخر حلقات هذا العبث جاءت على لسان المغنية السابقة زكية محمد، التي غابت عن الساحة الفنية منذ سنوات، لتعود هذه المرة في شكل معلّقة على “فايسبوك” أو مؤثرة كما يسميها البعض، تخلط بين السخرية واستفزاز الشعور الجمعي، باسم “الجرأة” والادّعاء الوطني.

في منشور نشرته على حسابها الرسمي، كتبت زكية محمد:
“وزير الشؤون الدينية في خطاب قبل أيام قال الجزائر أرض عقبة بن نافع؟! السيد جا هاز سيف في يده بحجة تبليغ الرسالة رجعتوه صاحب الأر؟! سلام من مزغنة عروسة البحر تامزغة.”

المنشور – المكتوب على خلفية ملونة وبتعابير ساخرة – أثار موجة من الاستياء الواسع والغضب الشعبي، لا فقط لأنه يمسّ بمقام صحابي وتابعي جليل كـعقبة بن نافع رضي الله عنه، بل لأنه يضرب في الصميم مرجعية الدولة الجزائرية التي جعلت من الإسلام دينًا رسميًا، ومن العروبة والأمازيغية أحد أعمدتها، ومن مقاومة الاستعمار وتاريخ الفتح الإسلامي جزءًا لا يتجزأ من هويتها الجامعة.

وقد جاءت ردود الفعل سريعة، حيث تداول منشورها على نطاق واسع، وخرجت دعوات صريحة على المنصات الرقمية تطالب وزير الشؤون الدينية، ووزير الداخلية، ووزير العدل، بالتدخل وتطبيق القانون، خاصة قانون مكافحة خطاب الكراهية، بالنظر إلى أن ما نشرته زكية محمد يدخل – وفق كثير من التعليقات – في خانة الإساءة للدين، والطعن في الرموز التاريخية، ومحاولة بث التفرقة بين مكونات الهوية الوطنية.

زكية محمد لم تكتفِ بالتشكيك في دور عقبة بن نافع في تاريخ شمال إفريقيا، بل سخرت من رمزية الفتح الإسلامي، مستخفة بنضالات رمزية تبني عليها الجزائر روايتها الوطنية – من الأمير عبد القادر إلى جيش التحرير الوطني – الذين ما فصلوا يومًا بين الإسلام والوطن، كما لم يفصلوا يومًا بين العربية والأمازيغية.

ليس مقبولا أن يُهان الإسلام باسم حرية التعبير؟ أن يُطعن في رموزنا التاريخية باسم “فك العروبة عن الجزائر”؟ أن يُسخر من وزير في الحكومة فقط لأنه استحضر التاريخ المجيد للبلد في لحظة خطاب؟

الحرية لا تعني الوقاحة، والوطنية لا تعني التطاول على ثوابت الأمة، ولا يمكن أن نسمح بتحويل الدين والتاريخ إلى مادة للتهكم.

من يقرأ ما كتبت زكية محمد سيلاحظ أنها تعمّدت الاستهزاء، واختارت ألفاظًا توحي بالتهكّم لا بالنقد.

وعلينا أن نفرّق جيّدًا بين كتم الأصوات، وتطبيق القوانين التي وضعتها الدولة لحماية اللحمة الوطنية، لا سيما بعد التذكير الأخير من السلطات بضرورة احترام الثوابت، وعلى رأسها الإسلام والعروبة والأمازيغية.

وسبق للمجلس الإسلامي الأعلى أن نبّه من تصاعد خطاب “الهويات المتنازعة” وتغلغل الأفكار التفكيكية في منصات التواصل.

ما كتبته زكية محمد لا يمكن أن يُعتبر مجرد “رأي خاص”، بل هو تحريض على الكراهية الرمزية، ومسّ مباشر بالمرجعيات الجامعة، ويستدعي تحركًا من وزارة العدل، وليس فقط من وزارة الشؤون الدينية.

فـالوطنية ليست ما تقوله زكية محمد، بل هي ما كرّسه الدستور، وما ضحّى من أجله الأحرار:
أن تحترم الإسلام، وتحترم من جاهدوا بسيوفهم وأرواحهم في سبيل أن تبقى الجزائر بلدًا حرًا مسلمًا عربيًا أمازيغيًا… موحدًا لا موزّع الهوية.

أزمة وعي… لا أزمة حرية

في الوقت الذي تتجه فيه الدول المتقدمة نحو المستقبل، وتستثمر طاقاتها في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والصناعات المعرفية، نجد بعض من يُسمّون “ناشطين” عندنا منشغلين بإشعال فتيل الفتن الهوياتية، وإعادة طرح أسئلة تجاوزهـا الزمن والدستور معًا.

في وادي السيليكون، لا أحد يناقش ما إذا كانت أمريكا “أنجلوساكسونية” أو “لاتينية”، وكذلك الشأن بالنسبة لدول كبرى أخرى لا داعي لذكر أسمائها، لأن الجميع هناك أدرك أن التقدّم لا يُبنى بالجدل، بل بالعلم والعمل.

أما عندنا، فكلّما اقتربت الجزائر من لحظة وعي استراتيجي أو انطلاقة تنموية حقيقية، خرجت فئة جاهلة – أو مأجورة – لإغراق النقاش العام في مستنقعات العرق والدين واللغة.

هذه ليست صدفة، بل محاولة ممنهجة لضرب الوحدة الوطنية من الداخل، عبر أدوات ناعمة تلبس أقنعة الثقافة والحرية.

الدستور الجزائري كان واضحًا:
“الإسلام دين الدولة، والعربية والأمازيغية لغتان وطنيتان ورسميتان، والجزائر واحدة لا تتجزأ.”

فمن يحاول اليوم ضرب هذه المبادئ ليس صاحب رأي، بل صاحب أجندة.

السؤال الجوهري اليوم:
لصالح من يُراد تفكيك ما جمعه الدستور؟ ولصالح من هذا الإصرار على إشعال معارك رمزية فارغة ؟

إننا لا نعيش أزمة حرية، بل أزمة وعي… والسكوت عنها خيانة للمستقبل.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا