عمود يومي | الآن فقط
الجزائر الآن _ كشف رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، وبكل وضوح، الوجه الحقيقي لفرنسا التي يحاول كثير من الساسة تزيين ملامحها بألوان خطابية باهتة.
بايرو لم يكتفِ بتقديم أرقام باردة أو وعود منمّقة، بل وضع الإصبع مباشرة على جرح عميق يتسع كل ثانية بزيادة ديون البلاد بـ 5 آلاف أورو في الدقيقة.
قالها بصراحة تعكس الأزمة الخانقة التي تعيشها فرنس، وكأن الرجل يدق جرس الإنذار في وجه طبقة سياسية ترفض أن ترى الحقيقة أو تعترف بها.
لقد رسم بايرو، في خطاب أسماه بنفسه «لحظة الحقيقة»، صورة فرنسا العارية من كل مساحيق التجميل السياسي: دولة تقترض لتدفع معاشات التقاعد، وتجمّد نفقاتها حدّ إلغاء عطلتين رسميتين، وتفرض «سنة بيضاء» على معاشات الناس، وتبحث في جيوب الفقراء والأغنياء معًا لترقع عجزًا يلتهم مستقبل الأجيال. هذه ليست دعاية سوداء من خصوم فرنسا التقليديين، بل كلمات رئيس حكومتها نفسه.
والمفارقة أن هذه الحقائق المخيفة يعرفها أيضًا قادة اليمين المتطرف الذين لا يكلّون ولا يملّون من العزف على أوتار الخوف والتخويف، ويجيدون تحويل أزمات الداخل إلى اتهامات مصوبة نحو الخارج.
هؤلاء الذين يحلمون بالسلطة ويخطبون ودّ الشارع بوعود فارغة، لم نسمع منهم برنامجًا اقتصاديًا واحدًا جادًا يُعيد الأمل لفرنسا المثقلة بالديون والبطالة والضرائب.
لماذا لا يضع هؤلاء خطة مالية جادة، بدلًا من التلاعب بعواطف الفرنسيين بخلق خصوم وهميين وتصدير عقدة «الجزائر» واتفاقية 1986 كأنها هي السبب في كل مصائبهم؟ ما أسهل أن تجعل من التاريخ شماعة تعلق عليها عجزك عن صياغة مستقبل جديد.
لو امتلك هؤلاء ذرة كفاءة حقيقية، لجعلوا من برامجهم الاقتصادية بوصلتهم نحو إنقاذ فرنسا، بدلًا من إعادة تدوير نفس الاسطوانة: الجزائر ثم الجزائر ثم اتفاقيات استخرجوها من درج التاريخ.
إن ما كشفه بايرو هو الحقيقة التي يعرفها قادة اليمين المتطرف جيدًا، لكنهم يرفضون مواجهتها بشجاعة سياسية. إنهم يُدركون أن الحل لا يكمن في خطاب شعبوي ولا حملات تخويف ضد الخارج، بل في جهد صادق ومؤلم لإعادة هيكلة اقتصاد أنهكته الديون والامتيازات وغياب الإرادة.
وبينما يرفع بايرو يده ليُقصِ يومي عطلة من تقويم الفرنسيين ويوجه الأثرياء للمساهمة بـ«ضريبة تضامنية»، يختار هؤلاء «الزعماء البدائل» الاستمرار في بيع الأوهام.
إن فرنسا اليوم على شفا هاوية، وهذه ليست كلمات صحفي غاضب، بل تصريح مسؤول حكومي في «لحظة الحقيقة» التي لا تنفع فيها الشعارات.
أما الجزائر واتفاقية 1968، فلن تكونا طوق نجاة ولا برنامجًا انتخابيًا محترمًا في نظر الفرنسيين الذين ينتظرون حلولًا حقيقية لأزمة حقيقية، لا وهمًا جديدًا يلهيهم عن واقعهم المُر.