الجزائرالٱن _ في خطوة تؤكد مجددًا مكانة الجزائر كلاعب محوري في معادلة الطاقة العالمية، أبرمت شركة سوناطراك عقدًا ضخمًا مع شركة «جيريه» الصينية لهندسة النفط والغاز، لتطوير حقل رورد النص، أحد أبرز مشاريع الغاز في البلاد. الصفقة التي تجاوزت قيمتها 855 مليون دولار، تعكس أكثر من مجرد مشروع بنية تحتية، فهي إشارة قوية إلى عودة قطاع الغاز الجزائري إلى واجهة المنافسة والاستقطاب الاستثماري.
■ مشروعٌ بقدرات عملاقة
حقل رورد النص، الذي اكتُشف قبل أكثر من أربعة عقود ويضم احتياطيات مؤكدة تُقدَّر بنحو 13 تريليون قدم مكعّبة، يُعد ثاني أكبر خزان غازي للجزائر بعد حاسي الرمل. وحسب تقرير منصة “الطاقة” المتخصصة، فإنّ أهمية هذا المشروع لا تقتصر على إنتاج الغاز فقط، بل تمتد إلى المكثفات والمنتجات المرتبطة به، ما يجعله ركيزة أساسية في استراتيجية تنويع الإيرادات وتقليص الاعتماد المفرط على الحقول القديمة.
العقد الموقع مع الشركة الصينية يقضي ببناء محطة ضغط جديدة وتعزيز شبكة خطوط الأنابيب، مما سيزيد من كفاءة الإنتاج ويرفع القدرة على معالجة الغاز من رورد النص ومن الحقول المجاورة مثل قاسي الطويل. هذا الاستثمار يعني أن الحقل سيحافظ على وتيرة إنتاج مستدامة تصل إلى منتصف القرن الحالي، وهي ميزة نادرة في صناعة الغاز التقليدي.
■ أبعاد اقتصادية تتجاوز الأرقام
قد يتساءل البعض: لماذا تتجه الجزائر مجددًا إلى شريك صيني في مشاريع حساسة كهذه؟ الإجابة في جزء منها واضحة؛ فشركات المقاولات الصينية مثل جيريه أثبتت كفاءة تنفيذية في بيئات صعبة وتنافسية، إضافة إلى مرونة التمويل والقدرة على التكيف مع شروط السوق المحلية.
لكن الوجه الأعمق لهذا التعاون هو ما يعكسه من رغبة الجزائر في تنويع شركائها الاستراتيجيين، خاصة في قطاع حيوي مثل الغاز الذي يكتسب أهمية متزايدة في ظل التحولات العالمية للطاقة. فمع ارتفاع الطلب الأوروبي والاضطرابات الجيوسياسية، تظل الجزائر ورقة رابحة لموردي الغاز الباحثين عن بدائل موثوقة بعيدًا عن خطوط الأزمات.
■ مؤشرات إيجابية للأسواق
على الجانب الآخر، تلقّت أسواق المال هذا الإعلان بترحيب واضح، حيث ارتفعت أسهم مجموعة جيريه بنسبة فاقت 3% فور الإعلان عن العقد، في إشارة إلى الثقة في جدوى المشروع وأثره المباشر على الأداء المالي للشركة الأم.
كما أن ضخّ هذا الاستثمار يعزز فرص الأعمال المحلية في الجنوب الشرقي للبلاد، عبر مشاريع البنى التحتية المصاحبة ونقل التكنولوجيا والخبرات، وهو ما يحتاجه الاقتصاد الجزائري في هذه المرحلة التي يسعى فيها لإحياء مشاريع استثمارية نوعية بعد سنوات من تأجيل بعض المخططات الكبرى.
■ مستقبل الغاز الجزائري.. بين الفرص والتحديات
رغم المؤشرات المشجعة، يبقى نجاح هذا المشروع مرهونًا بعدة عوامل؛ أبرزها استمرار الاستقرار القانوني والسياسي، وفعالية الشراكة بين سوناطراك والشركات الأجنبية من حيث التسيير والرقابة والالتزام بالجداول الزمنية. كما أن المنافسة الإقليمية المحتدمة تجعل من الضروري الحفاظ على تنافسية الغاز الجزائري في الأسواق الأوروبية والآسيوية على حد سواء.
باختصار، عقد «جيريه – سوناطراك» لتطوير رورد النص ليس مجرد استثمار في محطة ضغط جديدة، بل هو ورقة اعتماد جديدة ترفع بها الجزائر سقف طموحاتها لتبقى ضمن الدول القادرة على تسويق الغاز بشكل آمن وموثوق لعقود قادمة.