الجزائرالٱن _ تواصل الجزائر تحريك عدّادات إنتاجها النفطي بوتيرة حذرة، لتسجّل خلال جوان الماضي ثاني ارتفاع متتالٍ، مستفيدة من سياسة «الفك التدريجي» التي ينتهجها تحالف أوبك+ منذ أشهر.
فبحسب التقرير الأحدث لمنظمة أوبك، بلغ معدل الإنتاج الجزائري 927 ألف برميل يوميًا، أي بزيادة تقارب 7 آلاف برميل مقارنة بشهر ماي الماضي. ورغم أن هذا الرقم بقي دون سقف الحصة الرسمية المخصص للجزائر والمحدد بـ928 ألف برميل يوميًا، فإنه يمثل أعلى مستوى شهري تحققه البلاد منذ نهاية 2023، حين لامس الإنتاج 957 ألف برميل يوميًا، حسب البيانات التي كشفتها منصة “الطاقة” المتخصصة.
■ انفراج تدريجي من “القيود الطوعية”
المؤشرات الأخيرة تؤكد أن الجزائر ماضية في التخلي عن التخفيضات الطوعية التي تبنتها منذ ربيع 2023 مع سبع دول أخرى ضمن تحالف أوبك+. وكانت هذه المجموعة قد تعهّدت بخفض جماعي بلغ 1.65 مليون برميل يوميًا، بينها 48 ألف برميل من نصيب الجزائر وحدها، في خطوة استهدفت ضبط توازن الأسواق أمام تقلبات الطلب العالمي.
لكن الديناميكية تغيرت تدريجيًا منذ أفريل الماضي، حين باشرت هذه الدول الرفع المرحلي لسقوف إنتاجها، بدءًا من إضافة 137 ألف برميل يوميًا إلى مجمل الحصة الجماعية، لتقفز الزيادة لاحقًا إلى 411 ألفًا في مايو ويونيو، ثم إلى 548 ألفًا بحلول أوت المقبل. ووفق هذه الوتيرة، يُتوقع أن يرتفع إنتاج الجزائر إلى قرابة 948 ألف برميل يوميًا الشهر المقبل، ما يعني اقترابها مجددًا من مستويات ما قبل التخفيض.
■ التزام مع خيوط مرنة
في خضم هذه التحركات، تبقى الجزائر متمسكة بالإطار العام لاتفاق أوبك+ الذي يضمن استقرار الأسعار ويمنع إغراق السوق بفائض إنتاج غير مدروس. ففي مقابل هذا التحرر التدريجي، يستمر التزام خفض الإنتاج الجماعي البالغ مليوني برميل يوميًا حتى نهاية 2026، ما يمنح سوق النفط حدًا أدنى من الانضباط، رغم الظروف الجيوسياسية غير المستقرة.
■ حصة الجزائر وسط الكبار
إذا وضِع الأداء الجزائري في سياق خارطة أوبك+ الأوسع، يظهر أن الزيادة المسجلة تأتي ضمن موجة ارتفاع جماعية؛ إذ صعد إجمالي إنتاج المجموعة إلى 41.55 مليون برميل يوميًا الشهر الماضي، مقارنةً بـ41.21 مليونًا في مايو. داخل أوبك وحدها، ارتفع الإنتاج إلى 27.23 مليون برميل، مدعومًا بزيادات من السعودية (9.35 ملايين برميل) وروسيا (9.02 ملايين) والإمارات (أكثر من 3 ملايين برميل)
في المقابل، شهدت بعض الدول تراجعًا محدودًا في الإنتاج، مثل إيران وليبيا والمكسيك، ما يسلط الضوء على طبيعة التوازنات الدقيقة التي يديرها التحالف لضمان تماسك السوق وعدم تعرض الأسعار لهزات حادة.
■ إشارات بلا ضجيج
ما تكشفه هذه الأرقام ليس مجرد نمو بطيء في إنتاج النفط الخام، بل يعكس فلسفة جزائرية تقوم على العودة المتدرجة نحو أقصى سقف مسموح، دون الإضرار بتوازنات أوبك+ ولا بالتزامات ضبط الإمدادات التي تقي السوق من تخمة قاتلة.
وبينما تتطلع الجزائر إلى تعزيز عائداتها من صادرات الطاقة، يبقى رهانها الأكبر على تثبيت صورتها كشريك موثوق يوازن بين الواقعية الإنتاجية والمرونة الجماعية في أكبر تحالف نفطي عرفته السوق خلال العقدين الأخيرين.