الجزائرالٱن _ في ظل التحولات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها العالم، يبقى الإنسان محور كل السياسات العامة، وتبرز فئة الشباب في الجزائر كعنصر فاعل وحاسم في التحولات الجارية والمستقبلية. ويأتي اليوم العالمي للسكان لهذا العام ليذكّرنا بأهمية تمكين الشباب وتعزيز قدراتهم على بناء أسر مستقرة في بيئة عادلة ومفعمة بالأمل.
وفي هذا السياق، تعكس السياسة السكانية في الجزائر رؤية استراتيجية تجعل من النمو الديمغرافي قوة دفع نحو التنمية وليس عبئًا عليها، من خلال تكامل السياسات العمومية، وتوجيه الاستثمارات نحو التعليم، الصحة، والسكن، بما يتلاءم مع متطلبات التحول الديمغرافي.
■ الشباب والنمو الديمغرافي: قوة محركة للتنمية
يمثل الشباب في الجزائر أكثر من 60% من مجموع السكان، ما يجعل البنية السكانية الجزائرية شابة وواعدة. وهذا الواقع لا يُعتبر مصدر ضغط، بل يُعدّ فرصة استراتيجية، شريطة توفير الأطر والوسائل اللازمة لتمكينهم من الإسهام الفعلي في بناء الوطن.
وترى الجزائر في هذا الخزان البشري عنصرًا رئيسيًا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال التكوين، الإدماج، والتشغيل، وتمكين الشباب من خياراتهم في التعليم، الشغل، والزواج.
■ الأسرة في الجزائر: حجر الزاوية في البناء المجتمعي
تُعد الأسرة المؤسسة الأولى التي ينشأ فيها الفرد ويتشكل فيها وعيه الاجتماعي والقيمي. وفي الجزائر، لا تزال الأسرة تُشكّل ركيزة أساسية في المنظومة الاجتماعية، حيث يُنظر إليها كمصدر للأمن النفسي والاجتماعي، وفضاء حاضن للقيم.
ويُعتبر الزواج نقطة تحول مفصلية في حياة الفرد، ليس فقط باعتباره عقدًا شخصيًا، بل كمشروع جماعي تشاركي، يُحاط بتقدير مجتمعي خاص. كما أن مظاهر التكافل الاجتماعي، كتنظيم حفلات الزواج الجماعي، تُجسد ثقافة اجتماعية تُشجع على تكوين الأسر وتذليل العوائق الاقتصادية أمام الشباب.
■ توجيه السياسات العمومية لمواكبة التحولات السكانية
تسعى الدولة الجزائرية إلى مواكبة التحول الديمغرافي من خلال توجيه السياسات العمومية بشكل يضمن تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان، والتحكم في الآثار الاجتماعية والاقتصادية للنمو السكاني، عبر:
– تعزيز المنظومة الصحية، مع توفير الرعاية المجانية للأم والطفل، والتغطية الشاملة لأغلب المواطنين.
– دعم التعليم المجاني وتوسيع خارطة المؤسسات التربوية.
– ضمان السكن الاجتماعي وتمكين العائلات من الاستقرار.
– تسهيل الحصول على القروض والمنح لتشجيع الشباب على الزواج وتكوين الأسر.
وهذه السياسات تترجم التزام الدولة بالتكفل بالحاجيات الاجتماعية، وتعزيز العدالة المجالية، وتقليص الفوارق بين الفئات والمناطق.
■ الجزائر في سلم التنمية البشرية: أرقام ومعالم
تُظهر المؤشرات الأممية أن الجزائر حققت تقدمًا ملحوظًا في مجال التنمية البشرية:
– المرتبة 91 عالميًا حسب مؤشر التنمية البشرية لسنة 2024.
– رابعة عربيًا، وثالثة إفريقيًا بعد موريشيوس وسيشيل.
– أمل الحياة عند الولادة بلغ 77.6 سنة.
– نسبة التمدرس في الأطوار الثلاثة تفوق 97%.
– نسبة التغطية الصحية تفوق 95%.
– معدل الخصوبة في حدود 2.9 طفل لكل امرأة.
كل هذه المؤشرات تعكس نجاعة السياسة السكانية في الجزائر، ومدى ارتباطها بتعزيز قدرات الإنسان واستثمار الإمكانيات الديمغرافية المتاحة.
■ من الأسرة إلى الوطن: تكامل القيم والسياسات
في الجزائر، لا تُفصل الأسرة عن الدولة، ولا يُعزل الشأن الاجتماعي عن الاستراتيجية الوطنية، فالقيم العائلية والدينية والأخلاقية تتكامل مع السياسات العمومية لتشكّل أساسًا متينًا لمجتمع متماسك. وتُمثل الأسرة الجزائرية بُنية حامية ومستقرة، ما يجعلها محورا جوهريًا في كل الرهانات التنموية والاقتصادية.
■ خاتمة
بمناسبة اليوم العالمي للسكان، نعيد التأكيد على أن الجزائر تمضي بثبات نحو بناء مجتمع متوازن، تُعد فيه الأسرة عماده، والشباب محرّكه، والدولة راعيته. وإن التحول الديمغرافي الحاصل ليس عبئًا بل فرصة، تُوظف عبر سياسات عمومية مستدامة، تُكرّس الإنصاف، وتُحقّق التنمية، وتُبقي على خصوصية المجتمع الجزائري وثقافته الأصيلة.
الدكتور بريش عبد القادر نائب برلماني – أستاذ جامعي وخبير في الاقتصاد والتنمية المستدامة