الجزائرالٱن _ في خطوة لا يمكن وصفها إلا بالاستفزاز الوقح، خرجت البرلمانية الفرنسية اليمينية المتطرفة فاليري بوير، المقربة من وزير الداخلية برونو روتايو، بمشروع لائحة جديد تكشف فيه نوايا تيار فرنسي مازال يحلم بأن تبقى الجزائر رهينة لماضيه الاستعماري.
■ الخامس من جويلية… ذكرى الاستقلال تحت مقصلة الابتزاز
اختارت بوير عن قصد تاريخ الخامس من جويلية، عيد الاستقلال المقدس لدى الجزائريين، لإعادة فتح جرح أحداث وهران الدامية سنة 1962، حيث تدعو بغير حياء إلى «تكريم الضحايا الأوروبيين» الذين سقطوا خلال حالة الفوضى التي فجرتها منظمة الجيش السري الفرنسي الإرهابية حينها.
بعبارة أخرى، تريد بوير أن تحوّل يوم النصر الجزائري إلى مناسبة للبكاء على بقايا الاستعمار وأعوانه، متجاهلة أن هذا اليوم خُط بدماء مليون ونصف مليون شهيد، وليس لحساب ما تسميه هي بـ«ضحايا أوروبيين» فقط.
■ دعوة برلمانيين جزائريين.. تطبيع الذاكرة المسمومة
الأخطر من ذلك أن البرلمانية الفرنسية تجرأت على اقتراح دعوة برلمانيين جزائريين لحضور هذه المسرحية الرمزية في وهران. كأنها لم تكتفِ باستقبال وفد حركة «الماك» الانفصالية تحت قبة البرلمان الفرنسي، بل تريد اليوم جرّ المؤسسة التشريعية الجزائرية إلى مشهد عبثي يشرعن الرواية الكولونيالية من داخل الجزائر نفسها.
■ ملف الممتلكات… لغم قديم بنكهة جديدة
ضمن مشروع لائحتها، أعادت بوير طرح ورقة «ممتلكات الأقدام السوداء» من الرفوف، مطالبة الحكومة الفرنسية بتقرير رسمي يكشف تفاصيل ما تمت دراسته بخصوص «حقوق ملكية الفرنسيين بعد الاستقلال». محاولة مكشوفة لإحياء ورقة ضغط قديمة، ولابتزاز الدولة الجزائرية بملف طُوي بإرادة الشعب منذ عقود.
■ تاريخ بلا استعمار؟
لم تكتفِ بوير بهذا العبث القانوني، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين دعت إلى نشر نتائج اللجنة المشتركة للمؤرخين الجزائريين والفرنسيين، لكنها سمّتها لجنة «الحضور» الفرنسي لا «الاستعمار» الفرنسي! مفردة واحدة كافية لفهم عقلية هذا التيار الذي لا يرى في الاحتلال سوى “حضور حضاري!”
ولمزيد من الوقاحة، ختمت لائحتها بمطلب إطلاق سراح بوعلام صنصال وسحب مذكرتي توقيف كمال داود، كأن المسألة تتعلق بتبييض رموز خطاب مائع يشرعن سردية المستعمر ويصطف مع الرئيس ماكرون الذي لا يكف عن تدوير نفس الخطاب المضلل.
■ أرقام ملتوية.. لتجميل دم الاستعمار
تزعم بوير أن فرنسا لم ترتكب إبادة في الجزائر، بل «ضاعفت عدد السكان» من 2.3 مليون إلى 9 ملايين! متناسية أن الاستعمار الفرنسي قتل الهوية قبل الجسد، دمر الأوقاف، مسح قرى عن الوجود، وأباد قبائل بكاملها تحت ذريعة «جلب الحضارة». وحين خرجت فرنسا، تركت وراءها بلدًا منكوبًا بالتجهيل والفقر وخراب الأرض رغم كل الدعاية عن “الحداثة”
■ رسالة الجزائر: لا مصالحة بلا ذاكرة حرة
بين بند الممتلكات والأكاذيب التاريخية وتكريم «ضحايا» منظمة الجيش السري… يثبت هذا المقترح أن بعض من يدّعون تمثيل الديمقراطية في باريس لا يزالون يحلمون باستعمار جديد بوسائل رمزية.
ليعلم هؤلاء أن الخامس من جويلية سيظل وقفا للجزائريين وحدهم، لا مكان فيه لمسرحيات غسل الذنب الاستعماري، ولا لإحياء أوهام «الحضور الحضاري». الجزائر التي حررت أرضها بدم الشهداء قادرة على حماية ذاكرتها من هرطقات بوير ومن يقف وراءها.